يُعد موقع تل الخروبة الأثري في شمال سيناء أحد الشواهد البارزة على عظمة الحضارة المصرية وقدرتها على بسط نفوذها العسكري والإداري في المناطق الحدودية الشرقية. فقد كشفت البعثة الأثرية المصرية العاملة بالموقع عن قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة، مما ألقى الضوء على الدور الاستراتيجي الذي لعبته سيناء في حماية حدود مصر الشرقية وربطها ببلاد الشام عبر طريق حورس الحربي. ويؤكد هذا الكشف الأثري، وفق ما أوضحه خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، على عمق الانتماء التاريخي والحضاري لسيناء إلى مصر، وعلى الجهود المصرية الدؤوبة في مواجهة محاولات تهويد التراث السيناوي. ◄ محاولات تهويد تل الخروبة أوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة، أن تل الخروبة كان من المواقع التي حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تهويدها خلال فترة احتلال سيناء، إذ أطلقت عليه اسم "هاروفيت"، كما أطلقت أسماء عبرية على مواقع أثرية أخرى مثل عين المويلح وسرابيط الخادم ووادي المغارة، في محاولة لطمس الهوية المصرية لهذه المواقع. وبعد تحرير سيناء، قاد الدكتور محمد كمال والدكتور محمد عبد المقصود جهودًا واسعة لإزالة اللوحات العبرية واستعادة الأسماء العربية الأصلية للمواقع الأثرية. يقع تل الخروبة على الطريق الحربي القديم الذي ربط بين مصر وفلسطين، المعروف باسم طريق حورس، والذي يبدأ من تلال حبوة بالقنطرة شرق ويمتد حتى مدينة رفح. ويبعد الموقع حوالي 30 كم غرب رفح و15 كم غرب الشيخ زويد، وقد ورد ذكره في المصادر التاريخية في القرون الوسطى كمحطة تجارية مهمة على هذا الطريق. ◄ تفاصيل القلعة العسكرية كشفت البعثة الأثرية المصرية أن القلعة العسكرية المكتشفة في تل الخروبة شُيّدت على مساحة تقارب 3000 متر مربع، بُنيت جدرانها من الطوب اللبن بسمك يصل إلى 4 أمتار، وتضمنت بوابة دفاعية ضخمة ومدخلًا يسمح بمرور العربات الحربية، ما يعكس الطابع العسكري الحصين للمنشأة. كما تميّزت القلعة بتقسيمات داخلية تشمل حجرات للإقامة ومخازن وصوامع وأفران، مما يدل على تنظيم إداري وعسكري متكامل. اقرأ أيضا| «حصون الشرق».. اكتشاف قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة بسيناء وبيّن الدكتور ريحان أن هذا الكشف يعيد التأكيد على أن المصريين القدماء أقاموا شبكة من التحصينات العسكرية والإدارية على طول طريق حورس لضمان أمن الحدود الشرقية، وهو ما وثّقته النقوش المصرية القديمة في معبد الكرنك للملك سيتى الأول، حيث أُشير إلى نحو 20 محطة حصينة بين مصر وكنعان. كما أظهرت نتائج الحفائر العثور على ورشة لصناعة الفخار ومجموعة من الأواني التي حملت خرطوش الملك سيتى الثاني، مما يدل على استمرارية الإدارة المصرية في شمال سيناء خلال عصر الدولة الحديثة، وكذلك على تطور الصناعة المحلية في تلك الفترة. وأكدت الدراسات المقارنة أن فخار الخروبة يُعد نموذجًا للفخار المصري الصرف من حيث الأسلوب والتقنية. ◄ توثق السيادة المصرية وأشار الدكتور ريحان إلى أن هذه النتائج العلمية توثق السيادة المصرية المستمرة على شمال سيناء وامتدادها إلى كنعان، خصوصًا في عهد رمسيس الثالث والملكة تاوسرت، وتؤكد أن المنطقة لم تكن فقط ذات طابع عسكري، بل احتضنت أيضًا مراكز إدارية واقتصادية فعالة ضمن النظام المصري القديم. إن اكتشاف القلعة العسكرية بتل الخروبة يُعد إنجازًا أثريًا وتاريخيًا يعيد رسم ملامح النفوذ المصري في الشرق القديم، ويؤكد أن سيناء كانت ولا تزال بوابة مصر الشرقية وحصنها المنيع عبر العصور. كما يبرز هذا الكشف أهمية حماية التراث السيناوي من محاولات التزييف والتهويد، وتعزيز الجهود الوطنية في توثيق وتفسير المواقع الأثرية المصرية بما يعكس الحقيقة التاريخية المشرقة للحضارة المصرية.