أثار كشف النقاب عن أن تركيا ورغم التظاهر بفتور علاقاتها مع إسرائيل ساعدت الطائرات الحربية الإسرائيلية في الغارة التي شنتها مؤخرا ضد اهداف داخل سوريا العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين تل أبيب وأنقرة. وهي العلاقة التي تعتبرها كل منهما استراتيجية باعتبار تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل وكان ذلك في28 مارس1949 حيث حددت تركيا منذ البداية أبعاد ارتباطها الاستراتيجي بإسرائيل وفور الاعتراف بتل أبيب بدأت العلاقات الدبلوماسية في إيجاد جسور مشتركة بين البلدين وسارعت تركيا بالحديث عن أن دولة إسرائيل ستكون عنصر سلام واستقرار في المنطقة. وفي محاولة لفهم طبيعة هذه العلاقة أعد الدكتور محمود العدل إسماعيل, الباحث بمعهد الدراسات والبحوث الآسيوية بجامعة الزقازيق دراسة علمية حول المنظور التركي للعلاقات مع إسرائيل في الفترة من1990 إلي2010, وتأتي أهميتها في اعتبار تلك الحقبة الزمنية أهم عقدين قد يكونان حتي الآن في العلاقات بين البلدين, حيث مثل العقد الأول الاتفاقيات الكبري, فيما بينهما بما عرف بالعصر الذهبي, كما يعد عقد العلاقات العلنية علي عكس ما كانت تري تركيا في السبعينيات والثمانينيات من التزام السرية حفاظا علي علاقاتها مع العالم العربي.. ولكن بعد اتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين رأت تركيا أنه لا يوجد داع لعدم إظهار تفاصيل علاقاتها مع إسرائيل في العلن.. وهذا قاد إسرائيل إلي إرسال أفواج سياحية إلي تركيا في عقد التسعينيات الذي شهد تطورا كبيرا في العلاقات السياحية والتجارية توجت بالاتفاق والتعاون العسكري الاستراتيجي بين البلدين عام.1996 أما العقد الثاني من عام2000 حتي2010 الذي تناولته الدراسة, كما يقول الدكتور رأفت الشيخ, رئيس لجنة المناقشة, كان ذا وقع مختلف عن الأول, إذ صعد حزب العدالة والتنمية إلي السلطة بزعامة رجب طيب أردوغان الذي حاول إيجاد نوع من التوازن في علاقات تركيا الخارجية مع الجميع, وقد عمل علي محورين للسياسة الخارجية, أحدهما علاقة استرايتجية لتركيا مع أوروبا وأمريكا لضمان التوازن مع المؤسسة العسكرية داخل البلاد التي تعمل للحفاظ علي المبادئ العلمانية... والثاني إقامة علاقات مع الدول العربية والإسلامية لإعادة الروابط التاريخية لتركيا وفتح أسواق اقتصادية بهذه الدول... وقد أسست هذه العلاقات لفتور العلاقة مع إسرائيل إلي جانب تدخلها الاستخباراتي في إقليم كردستان العراق, الأمر الذي جعل الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية التركية يشعران بالخطر علي الأمن القومي, وأظهر الشعور الإسرائيلي بأن تركيا الحالية ليست السابقة في العقود الماضية, ولقد سجلت الدراسة التي أعدها الدكتور محمود العدل إسماعيل, الباحث بمعهد البحوث الآسيوية, المواقف المتعددة لرئيس الوزراء التركي ضد إسرائيل, واعتداءاتها وحروبها المستمرة علي قطاع غزة أو لبنان, وهو ما دفع أردوغان إلي وصف إسرائيل كثيرا بمصطلح إرهاب الدولة, وتعددت الأزمات بين البلدين مع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية علي الأراضي العربية. ولقد شهد عقد ما بين عام2000 و2010 أهم واقعتين في تاريخ علاقات تركيا مع إسرائيل, وهما واقعة مؤتمر دافوس الاقتصادي عندما انسحب رئيس الوزراء التركي احتجاجا علي كلمة رئيس وزراء إسرائيل ثم واقعة أسطول الحرية والسفينة مرمرة في أثناء توجهها إلي غزة والاعتداء عليها واستشهاد عدد من ركابها, وأحدثا فتورا سياسيا وتراشقا إعلاميا ودبلوماسيا بينهما في مراحل مختلفة لكنها لم تؤثر في قوة ومتانة العلاقات الاقتصادية سوي علي الجانب السياحي فقط... وقد اتضح دور تركيا الحديثة التي كانت تعتبر نفسها غربية أوروبية الأمر الذي دفعها للتحالف مع إسرائيل في الماضي لتتجه تركيا الجديدة إلي تصفير المشكلات مع العالم العربي والإسلامي, خاصة دول الجوار بعد ما رسم وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو لبلاده تلك العلاقات بإنهاء الخلافات, وأي توتر, وقد استنتجت الدراسة, كما يؤكد الدكتور رأفت الشيخ, رئيس لجنة المناقشة, أن وضع اليهود في الدولة العثمانية وجفاء العلاقات العربية التركية كان له دور كبير في اعتراف تركيا بإسرائيل, وكان لسياسة كمال اتاتورك العلمانية دور في تقبل المجتمع التركي لإسرائيل كصديق وشريك استراتيجي... وأيضا شدة دعم المؤسسة العسكرية, وقيام أمريكا بدور بارز في دعم التحالف بين البلدين. ويري الباحث في دراسته أن العلاقة المستقبلية بين تركيا وإسرائيل سوف تستمر, كما بدأت منذ الاعتراف بإسرائيل حتي نهاية تلك الدولة, وذلك لما تتمتع به تلك العلاقة من متانة اقتصادية وتجارية تجعلها أهم أسباب استمرارها ونجاحها رغم التي حدثت بين البلدين.. كما يري الباحث أن واقعتي دافوس وأسطول الحرية هما أكبر حدثين, وأن مثلهما في الحجم والأهمية لن يتكرر بسهولة لما تركاه من آثار كبيرة في تلك العلاقة جعلت القوة الاقتصادية والتجارية تتحرك سريعا تارة في العلن ومرات في الخفاء للحد من التقلبات السياسية بين البلدين ولتعبر بتلك العلاقة إلي بر الأمان, خصوصا بعد اعتذار إسرائيل عن حادث أسطول الحرية, وهو ما عبرت به عن أن الاعتذار بين الاصدقاء ليس عيبا, وهو ما جعل الاتراك أيضا يتحدثون عن أن الاعتذار داخل العائلة الواحدة ليس ضعفا, وهذه المؤشرات تقتضي القول إنها علاقة قوية ومتينة اقتصاديا وعسكريا يصيبها الفتور سياسيا واعلاميا, ولكن تبقي تركيا هي الدولة التي تدرك أين مصلحتها وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة مع إسرائيل وغيرها من دول الشرق الأوسط.