سوف يدهش الكثيرون في العالم الخارجي, مثل دهشة بعضنا هنا في مصر, من أن تكون مسألة هوية مصر موضع نقاش الآن, علي النحو الذي تثيره لجنة الخمسين لإعداد الدستور بعد ثورة30 يونيو2013, بل ومن قبل ذلك لجان الدستور التي أعقبت ثورة يناير.2011 وكأن قضية مصر الموحدة التي خرج من أجلها الملايين في ثورتين, لم تعن لدي بعض القوي الدينية المسيسة, أو المغلقة علي ذاتها, أن هوية مصر التوحيدية والتحديثية ظاهرة للعيان بقدر كاف. وما دامت كل الأمور موضع مناقشة بهذا الشكل, فإن النصوص التي سمعنا بها من عدد من الأطراف في اللجنة, والتي تتعلق بهوية مصر العربية والأفريقية والإسلامية وأولوياتها في النص, تثير قلقنا لأنها تقوم بمراجعة شرسة لمسلمات استقر عليها وعي المصريين منذ عقود. لقد ألفنا لزمن طويل أن انتماء مصر لأمتها العربية والعمل علي توحدها مسألة غير قابلة للنقاش واستقر عليها أمر لجنة الخمسين مبدئيا حتي الآن. أما ما يجري الجدل حوله فهو أولوية النص علي الانتماء للعالم الإسلامي قبل النص علي انتماء مصر الأفريقي. فإذا تأكد ذلك فإنه يبدو مخالفا لما استقرت عليه كل مواثيقنا الوطنية ونصوصنا التشريعية, خاصة وأن اللجنة لا تشير حتي الآن إلا لموقع مصر في القارة الأفريقية! والنص بهذا الشكل يجافي حقيقة ارتباط مصر الواقعي, ودورها التاريخي مع شعوب القارة الأفريقية في معارك التحرر الوطني والتنمية المشتركة, بل ومستقبل مصر مع شعوب كتلة بلدان الجنوب علي المستوي العالمي إقليميا وفي المنظمات الدولية. إن الاقتصار علي وضع مصر بهذا الشكل بالنسبة لأفريقيا وكأنه مجرد رابطة جغرافية أو بسبب الموقع الجغرافي فحسب, إنما يتنكر لما بدا التزاما ملحا بين جماهير ثورتي يناير2011 ويونيو2013 بشكل واضح, حيث ارتبط شعار الكرامة نفسه باستنكار إضاعة حكم مبارك لهيبة مصر ومكانتها في العالم الخارجي وخاصة في أفريقيا, كما كان أول مسعي للدبلوماسية الشعبية التي حركتها ثورة يناير2011 متجها لأفريقيا عامة وحوض النيل بوجه خاص, وذلك تأكيدا لعلاقتنا ومصالحنا الحيوية مع شعوب القارة. ولا تستطيع لجنة الخمسين أن تتجاهل أن مصر بقدر ما هي عضو مؤسس للجامعة العربية, فإنها بنفس القدر من المؤسسين البارزين لمنظمة الوحدة الأفريقية والداعمين لها حتي الآن. إننا مع ارتباطنا الحيوي والتاريخي, وصلة المصالح والعمل المشترك طويلا مع الشعوب الأفريقية, لا ننكر الرابطة الروحية التي تصلنا بالعالم الإسلامي, والتي لاتحتاج لتأكيد كرباط ثقافي واجتماعي وينعكس تلقائيا في مواد الدستور المختلفة, بينما يتوجب بشكل خاص تأكيد صلتنا التاريخية والعملية بدول العالم الثالث وعدم الانحياز بأبعادها الجديدة ككتلة صمود في زمن العولمة. لكل ذلك يعبر المشتغلون بالعمل الأفريقي وبالدراسات الأفريقية عن قلقهم البالغ من تراجع موقع التعبير عن انتماء مصر الأفريقي في الدستور الجديد. واستطيع أن استخلص من مناقشات واسعة بين مجموعات المشتغلين بهذا الشأن, إصرارنا علي النص السابق التعبير عنه من قبل بأن: مصر جزء لا يتجزأ من الأمة العربية, وتعمل علي توحيدها, كما تحافظ وتدعم انتماءها الأفريقي الفعال, وتتفاعل مع عالمها الإسلامي من أجل تنمية الدور الحضاري والتقدم الإنساني بالتعاون الإيجابي مع شعوب العالم المتطلعة للعدل والسلام.......... وأملنا أن يتمعن أعضاء اللجنة حقائق المصالح والارتباطات في هذه الكلمات المخلصة حتي لانضطر أن نكون دائما في موقف دفاعي بين أقراننا الأفارقة بسبب ما يبدو من عدم اهتمام مصر بتأكيد انتمائها الأفريقي. لمزيد من مقالات حلمي شعراوي