نتطلع الي لجنة الخمسين المكلفة بإعداد دستور جديد( أو معدل) للدولة المصرية, بأن تبدأ البداية الموضوعية الصحيحة. سواء في ديباجة الميثاق او مادته الاولي, بتحديد دقيق و واضح و متوازن للهوية الوطنية للدولة و الانتماء الإقليمي لها, خاصة ان الدساتير القديمة قد افتقدت, الأمر الذي دفع البعض, الي تصور الدولة وفق رؤيته المحدودة او مصالحه الضيقة مما اثر سلبا علي صورة مصر, خاصة في إفريقيا فمنذ( دستور1971 وتعديلاته), يتراوح الحديث حول الهوية الوطنية والإقليمية للدولة المصرية, الهوية العربية( دستور1971 وتعديلاته) وبين الهوية العربية الاسلامية( دستور2012). ورغم ان الدستور الاخير( الاخواني) اشار في مادته الاولي الي ان الشعب المصري يعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الافريقية وبالامتداد الآسيوي, إلا أن هذه الإشارة جاءت عطفا علي اعتبار الشعب المصري جزء من الامتين العربية والإسلامية, في سياق واضح ومعني مفهوم مفاده ان حوض النيل والقارة الإفريقية والامتداد الآسيوي يأتي في المرتبة الثانية او التالية, بعبارة ادق الثالثة, بعد العربية والاسلامية رغم الحديث عن التوازن بين الانتماءات الاقليمية في برامج الاخوان. وتجدر الاشارة الي اهمية التأكيد في الدستور المصري الجديد,( دستور ثورة30 يونيو2013), علي تنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة للدولة المصرية وهي دولة عربية إفريقية حيث إن هويتها غنية بتنوع روافدها العربية الإسلامية والإفريقية والمتوسطية, كما تجدر الاشارة كذلك الي اهمية تأكيد تمسك الشعب المصري بقيم الاعتدال و التسامح والحوار المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية. كما تجدر الاشارة الي جملة من الالتزامات و المبادئ التي تلتزم بها الدولة المصرية باعتبارها دولة اسلامية يتبوأ فيها الدين الاسلامي مكان الصدارة في الهوية الوطنية بروافدها المتعددة, علي اعتبار ان الاغلبية الساحقة من الشعب المصري تدين بالإسلام. ولاشك ان النص في الدستور علي مفهوم الدولة كدولة عربية افريقية و كذلك الاشارة الي تنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة, و الي الالتزامات والمبادئ التي تتمسك بها الدولة في محيطها الإقليمي و الدولي, تعد في حقيقة الامر اهم الاسس التي تحسم بجلاء مسألة الهوية الوطنية و الانتماء الإقليمي للدولة, وهو امر يعد علي قدر كبير من الاهمية لأكثر من اعتبار: الاعتبار الأول: تاكيد الانتماء الافريقي لمصر هو امر واجب ولا يمكن تجاهله, خاصة في مواجهة تحرك بعض القوي في حوض النيل ضد الحقوق و المصالح المصرية الدائمة للدولة المصرية, و كذلك ما ثبت من تحرك بعض القوي الغربية لعزل افريقيا جنوب الصحراء عن مصر والعالم العربي في الشمال الإفريقي, و هو اتجاه ثابت ويمثل امتدادا للنزعة الاستعمارية القديمة الاعتبار الثاني: ان مصر بحكم موقعها وتاريخها وتفاعلاتها الإقليمية, هي جزء لا يتجزأ من الشمال الافريقي, و هو بدوره حلقة وصل اقليمي وقاسم مشترك في كافة المشروعات الاقليمية حوله, سواء في الإطار العربي او الافريقي او الشرق اوسطي, أو المتوسطي او الاسلامي. و برغم ان مصر تمثل نقطة تقاطع هذه الإقاليم الخمسة. لكن توجهها الخارجي الرئيسي اتجه نحو افريقيا اكثر منه نحو اي اقليم آخر لمدة تزيد علي قرن من الزمان(1840-1952), و حتي حين ما جاءت ثورة يوليو1952, و صاغت سياسة ترتيب دوائر الحركة الخارجية, عقدت في الاولوية للعالم العربي, ثم جاءت افريقيا بعده مباشرة ثم الدائرة الاسلامية في المرتبة الثالثة. وكانت مصر اهم فاعل علي الساحة الافريقية, علي مدي ربع القرن الذي تلي قيام ثورة يوليو(1952-1977). الاعتبار الثالث: ان الانتماء العروبي لمصر يمثل ثقافة وتوجها قوميا, وهو جزء من محددات الهوية الوطنية او القومية, اما التوجه الافريقي فيمثل الجغرافيا والتاريخ والمصالح المصيرية الدائمة( النيل) وهي جزء اساسي في الهوية الاقليمية. ومصر تجمع بين الجانبين بكل امتياز, والجمع بين الجانبين يمثل نقطة قوة حينما تثار قضية الحركة السياسية المصرية في مواجهة الضغوط وفرض العزلة علي مصر الاعتبار الرابع: ان التوجه العروبي لمصر هو دائما لخدمة إفريقيا, والتوجه الإفريقي لها يتعين ان يكون مصدر قوة للعرب. ومصر من ثم كانت الدولة الدينامو او المحرك في دعم العلاقات العربية الافريقية, فقد عقد علي ارضها اول مؤتمر عربي افريقي عام1977, ووقف العرب مع الأفارقة في مقاومة التمييز العنصري والآبارتهايد في الجنوب الإفريقي, ووقفت افريقيا مع العرب في القضية الفلسطينية, التي اعتبرتها افريقيا قضية افريقية. الاعتبار الخامس: لدينا في المستقبل استحقاقات تكاملية علي الجانبين العربي والافريقي, فإفريقيا ستحقق وحدة اقتصادية كاملة عام2028, كما ستتم اقامة منطقة تجارة حرة كبيرة( تضم26 دولة) في الشرق والجنوب الإفريقي, تشمل ثلاثة تجمعات إقليمية( الكوميسا, جماعة شرق إفريقيا, جماعة التنمية للجنوب الإفريقي) خلال خمس سنوات او أقل. فكيف يتم ذلك اذا كان الدستور المصري يعتبر مصر دولة عربية فقط, او عربية إسلامية؟. بل كيف يمكن تحقيق تكامل في وادي النيل مع دولة مثل جمهورية جنوب السودان المستقلة حديثا وهي تعتبر نفسها دولة إفريقية, بينها وبين العروبة والاسلام إشكالية معروفة؟. بل كيف سنواجه نحن المصريين محاولات الفصل بين العرب وغير العرب في حوض النيل ككل ؟ لمزيد من مقالات د. محمود ابوالعيون