تضمن الدستور المعطل لعام 2012 الذي عرفه البعض اختزالا بأنه دستور الإخوان المسلمين- ما يعتبر تحولا جوهريا في تعريف الهوية المصرية عما استقر عليه الحال منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتي ثورة25 يناير .2011 وجري ذلك بالنص في المادة رقم1 من الدستور المذكور علي ما يأتي: جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة, موحدة لا تقبل التجزئة, ونظامها ديمقراطي, والشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية, ويعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الافريقية وبامتداده الآسيوي, ويشارك بإيجابية في الحضارة الإنسانية. من هذا النص المركب, وبغض النظر عن الشطر الأول منه, تتحدد أبرز معالم تحولات الهوية المصرية التي أجراها تيار الإسلام السياسي علي الدستور, فيما يأتي: 1 حذف النص الدال علي الهوية العربية المركزية لمصر, عبر تمييع الانتماء بتوزيعه علي الأمتين العربية والاسلامية. والحق أنه قد جري العرف في علم الاجتماع والاجتماع السياسي علي تعريف الأمة Nation وفق مفهوم يعبر عن قوام اجتماعي تاريخي محدد, كما يأتي, علي سبيل المثال:( الأمة هي جماعة من الناس تكونت تاريخيا علي أرض محددة ولها نمط حضاري متميز, ممتد وعميق, في المجالين المادي والمعنوي). ويمكن القول بقدر كبير من الثقة العلمية بتوافر هذه المقومات, مجتمعة أو غير مجتمعة, علي العرب, بحيث يتحقق انطباق المفهوم العلمي للأمة علي هذه الجماعة البشرية العربية المقيمة علي امتداد إقليم موصول جغرافيا علي النطاق الإفريقي الآسيوي, والتي تكون لها في إطار التاريخ الإسلامي العام نمط حضاري متميز علي صعيد اللغة والاجتماع الثقافي والاقتصادي والسياسي, يمكن القول إنه نمط حضاري عربي كامل. وهكذا تتخذ الأمة العربية موقعها الطبيعي إلي جانب سائر الأمم و الجماعات البشرية في دوائر الانتماء الأوسع. ولا يسوغ في ضوء ذلك أن يتم الحديث بلغة العلم عن أمة إسلامية إلي جانب الأمة العربية, وإنما توجد أمم إسلامية شتي وجماعات, من بينها, وفي نواتها المركزية: الأمة العربية. 2 عدا عن التعديل بالحذف في موضوع الهوية المصرية, فإن دستور2012 قد أجري تعديلا بالإضافة, حين نص في الفقرة التالية لما سبق مباشرة, علي أن الشعب المصري( يعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الإفريقية..). ولسنا نعرف دستورا يعبر عن رابطة الانتماء وعن مدرك الهوية, باستخدام اللفظ( يعتز), بما يشير اليه من( حمولة) ذات نفس انفعالي أو عاطفي, وليس بمنحي عقلي في المقام الأول, فضلا عن اختلاط دعوي( الانتماء النيلي- الإفريقي) وغموض صياغتها. 3 التعديل الآخر( بالإضافة) ينصب علي القول ب اعتزاز الشعب المصري أيضا( بامتداده الآسيوي). وبذلك يكون دستور2012 قد قذف بجزء من المعمور المصري خارج دائرة الانتماء الأصيل ليجعله امتدادا هو( الامتداد الآسيوي). ولا نحتاج إلي كبير عناء لنعرف أن الامتداد الآسيوي المشار اليه إنما هو( شبه جزيرة سيناء). ولسنا ممن ينسبون الي جماعة الإخوان المسلمين تهما غامضة, تدور حول نية التخلي عن جزء من سيناء لإقامة وطن فلسطيني بديل مثلا, ولكنا نربأ بجماعة الإخوان ألا تجد في شبه جزيرة سيناء أكثر من( امتداد) ل( الوطن الأم), فذلك مما يعد تأكيدا لواقع التهميش الذي عانت منه سيناء, بحيث لم يعد مجرد تهميش اقتصادي أو اجتماعي, وإنما صار تهميشا علي صعيد الوجود أو الكينونة. تلك هي فحوي تحولات الهوية المصرية التي أجراها الدستور المعطل وفق نص المادة الأولي منه. وفي مواجهة الإهدار المتعمد من جانب الدستور المعطل لمدركات الهوية المصرية الحقيقية, كما استقرت في اليقين الثقافي المصري وفي التراث الدستوري, منذ ثورة23 يوليو1952, فإن الإعلان الدستوري المعبر عن الهبة الشعبية في30 يونيو والصادر في8 يوليو2013 قد أغفل موضوع الهوية المصرية إغفالا تاما, ربما ليسد أبوابا للجدل قد تفتح في غير أوانها. وقد أعدت لجنة العشرة مشروع الدستور المعدل, وأحالته الي لجنة الخمسين. ويبدو مما رشح عما انتهت إليه لجنة العشرة, أنها أزاحت ماورد عن دوائر الانتماء المصري في المادة الأولي من الدستور المعطل إلي موضع آخر في( ديباجة) الدستور المزمع عرضه علي الاستفتاء الشعبي, ربما ظنا منها أن إزاحة النص خارج المتن الأساسي للدستور, من شأنه المساعدة في حل( إشكال الهوية) عن طريق عدم تركيز النظر فيه! ماذا بعد ؟ من أجل تقديم رؤية مقترحة بشأن الهوية المصرية, قد لا يكون من المناسب أن نضمن الدستور المصري الجديد نصا مفصلا بشأن دوائر الانتماء والهوية المصرية, برغم أهميتها البالغة, والتي نراها متمثلة في الحلقات المتتابعة: الوطن العربي الإقليم العربي الإفريقي العالم الإسلامي عالم القارات الثلاث لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ثم الانتماء للأممية الإنسانية العالمية. إنما نري الأقرب الي الملاءمة والصواب, أن يعيد كتاب الدستور المصري الجديد إثبات ذلك النص الذي انتهت اليه حركة الثورة المصرية المعاصرة انطلاقا من23 يوليو1952 عبر الدساتير المتتابعة حتي ثورة يناير.2011 ونري طبقا لذلك أن تتضمن المادة الأولي ما يفيد بأن( الشعب المصري جزء من الأمة العربية ويعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة). وفي هذا النص الموجز الدال ما يكفي وزيادة, وهو الأقرب إلي منطق العلم الاجتماعي, والأكثر اتفاقا مع حقائق الأمور و مع سنن التاريخ الحضاري. لمزيد من مقالات د.محمد عبد الشفيع عيسى