بعد حرب أكتوبر1973, اتخذ الغرب قراره القاضي بإنهاء دور الجيوش العربية, علي اعتبار أن تلك الحرب كانت آخر الحروب الكلاسيكية في المنطقة, في الوقت الذي عمل علي تقوية الأحلاف العسكرية, حلف الناتو مثلا وهذا يعني أن المقولة السائدة في الوقت الراهن بأن حرب أكتوبر آخر حروب العرب مع الكيان الإسرائيلي هي مقولة غربية بالأساس, ورددها بعض العرب بوعي أو بدونه. القرار الغربي جاء علي خلفية انتصار أكتوبر ومشاركة بعض الجيوش العربية فيه, وقامت الإستراتيجية الغربية علي إنهاء كل من الجيوش التالية: المغربي, والجزائري, والعراقي, واليمني, والسوري, والمصري, وذلك من خلال إشعال حرب داخلية يتم فيها إحداث عداوة بين تلك الجيوش والشعوب. ففي المغرب جاءت تلك الحرب مبكرا من البلاط الملكي, حيث تم إبعاد الجيش من صناعة القرار السياسي, خوفا من تكرار تجربة الانقلابات, التي كادت تنهي النظام هناك أكثر من مرة, وهناك من المغاربة من يري أن مشكلة الصحراء مثلت ولا تزال منقذا من تغول المؤسسة العسكرية, وبعيدا عن هذا التحليل وصدقيته من عدمها, فقد أعد الجيش المغربي مثل كل الجيوش العربية لمرحلة السلام, حيث العدو قريب وعلي الحدود, وليس إسرائيل البعيدة هناك في المشرق. أما في الجزائر, فقد تم تطوير الجيش بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين, ونتيجة لذلك ورط في حرب أهلية, عبر ما عرف ب العشرية الحمراء حتي إن القوي المعادية له في الداخل والخارج رفعت شعار من يقتل من؟ وتطوعت بتقديم إجابة مثلت نوعا من الإجماع الدولي, وهي: أن الجيش الجزائري مسئول عن حرب قذرة هناك, والهدف من كل ذلك القضاء علي أحد أجنحة الوطن العربي. وفي العراق حل الجيش هنالك بأمر من الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر بعد حرب2003 الظالمة, التي أسهم فيها العرب, وكانت النتيجة أن العرب فقدوا جيشا قويا, وفتح المجال أمام إيران لتكون القوة الفاعلة في المنطقة, ودخل من بقي من ذلك الجيش في حرب طائفية ومذهبية لا ندري متي تضع أوزارها. وفي اليمن أعد سيناريو آخر للجيش هناك, وذللك بإحداث صراع داخله, حيث فريق كبير منه دافع عن شرعية الرئيس علي عبد الله صالح, وقلة منه اعتبرته مسئولا عن الفساد والقتل, وهي تعتقد أنها تساند الشعب اليمني في مطالبه المشروعة, وكانت النتييجة ما تابعناه خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي سوريا أدخل الجيش في حرب أهلية, من قوي محلية تحارب الدولة, بدعم ومساندة مادية وبشرية ولوجيستية من قوي خارجية, استباحت أرض العرب. واليوم نلاحظ ما يحدث في مصر من محاولات مقصودة لجر الجيش إلي حرب طويلة الأمد مع الشعب, وذلك تمهيدا لإنهاء دوره في الصراع العربي الإسرائيلي, وإشاعة ثقافة الخوف والعنف داخل المجتمع المصري. ونحن بعد هذا كله نتساءل: إذا كان ما تواجهه الجيوش العربية هو مخططا خارجيا, وقد علمت ببعضه أو كله, فلماذا وقعت في الفخ؟, وما دور الإسلاميين في ذلك؟, أو ليس من الظلم تحميل الإسلاميين ما يحدث داخل دولنا, وهي تعتبر نفسها ضحية قوةالدولة المنظمة؟ ما يحدث في دولنا العربية, ويركز بشكل ملحوظ علي الجيوش, ظاهرة التغيير, وفي ظل تطورات يعيشها العالم كله, ليس في مقدور العرب, متفرقين أومتجمعين, أن يكونوا في معزل عنها, وهذا لايعني أنه في الإمكان التقليل من مكاسب القوي الخارجية, لكن لا يمكن تفاديها, إذن العاصفة اجتاحتنا, وبقي فقط كيف العمل من أجل إنقاذ الجذور الضاربة بقوة في أعماق المجتمع, والاعتراف بهذا هو الذي يعجل بتجاوز الكوارث. ومن الحلول الممكنة مد جسور بين الجيوش والشعوب, وقد أثبتت التجربة الجزائرية بوجه خاص أن الجيش هو الحامي للدولة, إذ بعد أكثر من عشر سنوات تمكن من إخراج الجزائر من حالة كادت تنهي وجودها, وتزيل وحدتها وتقضي علي كيانها, وأعتقد جازما أن الجيش المصري يقوم بنفس الدور, وليس لدي أدني شك في أنه سيخرج من هذه الفتنة الداخلية منتصرا. الفتنة الراهنة هي نتاج الميراث المر, الذي مثل العداوة في أقصاها بين التيارين الوطني والإسلامي, علي خلفية قراءتهما المتباينة للدولة والوطن وللشريعة ولعلاقة الحاكم بالمحكوم, وكان من المفروض أن يقتربا لا أن يتباعدا ثم يختلفا وينتهي بهما الأمر إلي الاقتتال, وهنا يتضح دور الإسلاميين في محاولة تطويع الجيوش من أجل الحكم والسلطة وليس من أجل الدين وتطبيق الشريعة في حروب داخلية لصالح القوي الخارجية, ولاستبدال بالعدو المحتل, الذي يسعي للسيطرة علي السيادة والأوطان بعدوا داخليا هو العسكري والشرطي ورجل الأمن في المرحلة الأولي, ثم المثقف في المرحلة الثانية, وفي المرحلة الثالثة والأخيرة كل فرد في المجتمع مادام لا يساند أولئك الذين ألبسوا إيمانهم بظلم. وإذا كان الإسلاميون يشتكون من عنف السلطات والأنظمة, فليسوا وحدهم من يعانون ذلك, إذ لا أحد ينكر حالة الفساد والظلم في مؤسسات الدولة, غير أن الشعوب ليست علي استعداد أن تستبدل ظلما لا يمكن أن تقاومه بآخر يمكن مقاومته, لأنها إن ثارت عليه اتهمت بالكفر والنفاق والجهالة. كثير من جماعات الإسلام السياسي يشارك في تحطيم الدول, ويتمني أن نصبح من دون أوطان, ونقبع خائفين من الأعداء, ومن ظلمات المكان, ومن نور الدين, ومن حضن البشر في تورا بورا; ذلك لأنه لم يجرب أن يكون من غير وطن, ولم يجرب فقدان الأمان, وحين يغير أناشيده نكاية في قوي المجتمع الأخري, ويعتبرها أعداء وبدل أن يقول لجيوشه تسلم الأيادي يقول لها تتشل الأيادي شلت أيديكم, فإن قدرته علي التمييز أصبحت معدومة. وحين يحاول أن يفرق بين الجيوش وقادتها علي اعتقاد منه أنه السبيل إلي الخروج من الأزمة, أو حين يستبيح دماء العسكريين ليعيد بيت المقدس من القاهرة, فإنه يحدث في الأرض الفساد, ويكون هو المنفذ لسياسة العداء في بلاد العرب, وعليه أن يدرس التاريخ ليعرف متي شلت الأيادي ومتي سلمت. إن آهات المستضعفين وصرخاتهم تحتمي اليوم بالجيوش, لأنهم يرون فيها الحماية, ويراهنون عليها في صناعة غد أفضل, يميز فيه الناس بين الحق والباطل, وبين الطيب والخبيث, وبالتأكيد هم يرددون اليوم بصوت عال: تسلم الأيادي.. ألم يسأل أولئك الذين استغلوا الحق لاحلال الباطل أنفسهم: لماذا لم تقل لهم الشعوب, خلال عقود من الزمن, تسلم أقوالكم أو أفعالكم أو أيديكم؟ كاتب وصحفي جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه