أتت أحداث مرسي مطروح لتضع في مقدمةالمسرح مرة أخري دلالات الأحداث السابقة المماثلة وتستدعي الي الذاكرة, مع الفارق, ماساورنا من جزع عند العلم بأحداث نجع حمادي المفزعة ولكن لاشك في أن تواتر مثل تلك الأزمات لايشكل مفاجأة كاملة لغالبية المتابعين من المهتمين بالشأن العام حيث ان ماشاهدناه عبر العقود الماضية من اشارات الانذار المبكر والحوادث المتكررة كانت تقودنا لامحالة الي مايتظاهر البعض بالدهشة من وقوعه حاليا, فهذه الأحداث ليست الأولي ونخادع أنفسنا اذا كنا نظن أنها الأخيرة, واستمرارنا في إنكار حجم المشكلة والاكتفاء فقط بمعالجة اعراضها التي تظهر علي السطح بين الحين والاخر وما يضاعف الخوف والقلق في هذا الخصوص ان هذه الازمة المتكررة أصبحت عرضا لحالة من التوتر والتربص والاستقطاب الحاد التي لاتقتصر علي التوتر بين عنصري الأمة كما يقال بل استشرت حتي طالتنا جميعا في المجتمعين المسلم والقبطي علي حد سواء ولكننا لم نعط الاهتمام الكافي للهوة السحيقة التي ما انفكت تتسع تحت أقدامنا يوما بعد يوم حتي أصبحت تهدد بالاطاحة بتراث الاستقرار الاجتماعي وتماسك النسيج الوطني الذي طالما ما باهت به مصر جيرانها عبر العصور المختلفة. المسالة ليست فقط مايحدث بين المسلمين والأقباط بل هو مناخ ثقافي يقوم علي التعصب الأعمي حيث لم يترك الخلاف المتزايد والمتصاعد في الرأي أية قضايا للود الا وأفسدها بعكس مايقول المثل السائد حيث ضاقت نفوس الحاكمين والمحكومين علي حد سواء بأي رأي مخالف لما يعتقدون انه الصواب, ولم ينج المثقفون وقادة الرأي من هذه الظاهرة الخطيرة فأصبح الغرض من النقاش هو اثبات جهل الاخرين وتسفيه آرائهم ومعتقداتهم بدلا من الاحتكام للمنطق واعمال العقل في القضايا المطروحة, والحقيقة اننا قد تهربنا جميعا من مسئولياتنا وفضلنا الاستسلام للتيار السائد خوفا من المواجهة مترددين في بذل الجهد المطلوب لتغيير العقلية الذهنية المسيطرة, وأرجو الا يلجأ البعض هنا الي الكليشيهات المعتادة في مثل هذه المناسبات من ان كل شيء بخير, وأن هذه حوادث استثنائية او مدفوعة بخطط ومؤامرات خارجية لانه حتي بافتراض التسليم بذلك فانها لم تكن لتحقق نجاحا اذا لم تجد تربة خصبة لنموها واستشرائها. أنا علي ثقة من أنكم مثلي قد فاض بكم ومللتم سياسة تجاهل الحلول الجذرية للأزمات والمشكلات وتصديرها الي أجيال قادمة ستكون في ظل المناخ السائد اكثر تعصبا وقسوة وانغلاقا لسبب بسيط هو أننا قد علمناهم ان يكونوا كذلك, فهم ليسوا فقط نتاج ماصنعناه ودعمناه من معتقدات واراء بل ايضا حصيلة ماتقاعسنا عن القيام به من اصلاح ثقافي وتنوير للعقول المنغلقة ايثارا للسلامة وخوفا من التصنيفات الحمقاء فاستسلمنا لمناخ ثقافي انتهازي يخشي اتخاذ المواقف الحاسمة تجاه الأفكار المؤدية الي الجهل والتعصب, وعلمنا اولادنا في المدارس عدم احترام الاختلاف وحرية الرأي بل زرعنا في نفوسهم البريئة كيف يتعصبون ضد كل من يختلف عنهم في أي شيء وأفسدنا طفولتهم الغضة بتحميلهم باراء منغلقة تحصر عالمهم الثقافي في الحفظ والتلقين بدلا من الابداع والابتكار. جميعنا مذنبون علي حد سواء لأننا نبرع في الكلام, نتفوق في الادانة والشجب, نتفنن في إظهار الأسي والحزن, نتسابق الي اقامة المآدب في المناسبات الدينية ثم نتأنق للظهور علي شاشات التليفزيون مسمين الأشياء بغير مسمياتها وأعيننا علي متطرفي الفريق الذي ننتمي اليه, وفي بعض الاحيان علي أطراف اخري خارج حدودنا قريبا او بعيدا, ولكن للأسف الشديد لا يلقي اغلبنا بالا الي حقيقة المشاعر الدينية المتعصبة وضيقة الأفق التي ما انفك يتنامي حجمها ومداها عند رجل الشارع قبطيا كان ام مسلما, فلنتوقف عن ان ننحي باللائمة علي الاخرين فنحن جميعا مذنبون, والأمر الواقع لن يتغير بارسال الوفود الي مرسي مطروح اليوم وغيرها غدا, وزيارات القيادات الدينية وتبادل الكلمات الطيبة لن تزيل الغضب والتعصب والشك والهواجس من النفوس بل يزيلها الاقتناع. دعونا لانسدل الستار علي ماحدث آملين ان يختفي من تلقاء نفسه, بل لنلجأ الي المكاشفة والمصارحة دون حساسيات, فالاحتقان سيتصاعد طالما اكتفينا بتبني اصلاحات تجميلية علي السطح دون اخراج الأمر الي العلن فالمسألة اصبحت لاتحتمل التسويف وهذا العنف في رد الفعل المستخدم من جانب شباب غض لايعبر في حقيقة الامر عن موقف ديني بقدر مايعكس غضبا من العالم المحيط يحرق الصدور الشابة ويتحين الفرصة للانفجار في وجوه الاخرين, فهو في جوهره احتجاج صارخ النبرة علي عجز اقتصادي وظلم اجتماعي ويأس من المستقبل. لذلك فنحن مطالبون ان نبدأ فورا والان بمراجعة مانلقنه لأطفالنا في مناهج التعليم وما نروج له في اعلامنا من تصنيف الناس وفقا لمعتقداتهم ومانعتقد انه مستقر في قلوبهم, لان ذلك هو السبيل الوحيد لنهيئ علي المدي الطويل المناخ الفكري والثقافي الداعم لاحترام حقوق المواطنة, اما في الأجل القصير فيجب ان يتم تطبيق احكام القانون بصرامة علي كل من ينتهك هذه الحقوق من الجانبين دون النظر الي مواءمات سياسية او مذهبية ادت بنا الي ما نحن عليه الان فلنفعل ذلك معا متناسين مؤقتا خلافاتنا السياسية والاقتصادية ومتذكرين دائما روابطنا الوطنية مدركين في اعماقنا اننا لن نعبر مثل هذه الازمات نحو مستقبل افضل الا معا مسلمين وأقباط ولكن قبل ذلك مصريون, فهل نحن حقا راغبون؟