علي ما يبدو أن الإدارة الأمريكية ماضية قدما في سياسة تقليم أظافر كافة القوة العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط, فمنذ أن لاحت قضية الأسلحة الكيماوية السورية في الظهور أثر حادثة الغوطة بريف دمشق, تقوم واشنطن بالضغط بكل قوتها للتخلص من هذه الأسلحة, وقد بدأ بالتزامن مع ذلك, ما تم مؤخرا من تسليط الضوء, علي الاقل في الصحف الغربية, علي ما تم ادعاؤه من امتلاك مصر لأسلحة كيميائية, مع تجاهل لما هو موثق بالفعل من امتلاك إسرائيل لأسلحة كيماوية, والتي استخدمتها بالفعل في حروبها مع الدول العربية مخالفة بذلك قوانين المجتمع الدولي الذي يتعامل معها بمنطق سياسة الكيل بمكايلين مؤمنا بضرورة امتلاك إسرائيل لجميع أنواع أسلحة الدمار الشامل, واستخدامها متي شاءت لحماية نفسها من الإبادة المزعومة. هذا ما أكدته مجلة الفورين بوليسي عندما نشرت وثيقة مسربة لجهاز المخابرات الأمريكية تعود تاريخها لعام1982, حين التقطت الأقمار الصناعية الأمريكية صورا تفيد بامتلاك إسرائيل ترسانة غير تقليدية تشمل رءوسا حربية نووية وأسلحة كيميائية وبيولوجية, قد بدأت بتصنيعها أعقاب حرب أكتوبر,73 واضعة تلك الترسانة الضخمة تحت طي الكتمان لمدة20 عاما مركزة الاهتمام علي أعمال البحث والتطوير التي تجريها في سرية بمعهد يتبع الحكومة الإسرائيلية للأبحاث البيولوجية, وتشير الوثيقة إلي أن لدي إسرائيل صواريخ كيماوية تحتوي علي غاز السارين السامة وغازات الأعصاب من النوع الفتاك وغاز الخردل, موضحة أن تلك الصواريخ لا يوجد عليها رقابة. ومما يؤكد صحة هذه الوثيقة وصنع إسرائيل للأسلحة الكيماوية هو سقوط طائرة العال الإسرائيلية فوق مدينة أمستردام بهولندا عام1992, والتي تبين بعد ذلك أنها كانت تحمل50 جالونا من مواد تستعمل لصنع غاز للأعصاب, وكانت هذه الكمية من أصل صفقة مع شركة أمريكية, وقد حاولت إسرائيل إنكار ذلك ولكنها عادت واعترفت مدعية انها كانت ستستخدمها لفحص صلاحية القناعات الواقية. وتبرهن الخبرة العسكرية والاعتداءات الإسرائيلية منذ قيامها في المنطقة علي تأكيد حقيقة امتلاكها أسلحة كيماوية والتي كانت آخرها حرب غزة2008, التي استخدمت فيها إسرائيل الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها الأسلحة الكيميائية, والتي تناقلتها كافة الفضائيات عندما استخدمت الأخيرة قنابل الفسفور الأبيض وهو ما أكدته الحروق والإصابات وشهادة الأطباء الذين وقفوا حائرين أمام حالات الإصابة غير المألوفة لديهم نظرا لما أحدثته هذه القنابل من إصابات تطال عظام الإنسان أيضا وتصيبه بالغثيان وصولا إلي الموت, وعلي الرغم من ذلك لم تحرك الإدارة الأمريكية ساكنا, وهذا لم يكن المرة الأولي التي استخدمت فيها إسرائيل السلاح الكيماوي فقد استخدمته آنذاك ضد القوات السورية إثناء غزوها للبنان عام1982 وضد المدنيين الفلسطينيين في لبنان إثناء الانتفاضة الأولي. وتتبعا لسيل انتهاكات إسرائيل الدولية, عدم تصديقها علي معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية ورفضها خضوع منشآتها لعملية المراقبة والتفتيش الدولية بعد توقيعها عليها عام1993 بعدما رفضها الكنيست مبررا ذلك أن هناك دولا أخري في المنطقة لا تعترف بوجود إسرائيل, علاوة علي ذلك وقعت إسرائيل أيضا علي اتفاقية جنيف لعام1996, والتي تحفظ للدول الموقعة حق استخدام السلاح الكيميائي كرد فعل انتقامي من النوع نفسه, والمنصة علي انه اذا استخدمت دولة السلاح الكيميائي في الاعتداء علي إسرائيل ترد كرد انتقامي بنفس السلاح ضد الأخري. إلا انه بالرغم من ذلك فلا توجد إدانة دولية بخصوص الأسلحة الإسرائيلية اعتبارا بأن خطرها مستثني علي المنطقة والعالم, بل ما يحدث هو العكس تماما فإسرائيل تمنح لنفسها الحق في مهاجمة سوريا منتهزة ما حدث في الغوطة حتي يتم تسليم السلاح الكيماوي السوري للجهات الدولية كي يصب في مصلحتها ومن ثم إخراج سوريا من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي لعقود طويلة قادمة مما يؤمن إسرائيل استراتيجيا من ناحية جبهتها الشمالية لتلحق بباقي الجبهات فهي كل ما تريده أن توثر لنفسها حق امتلاك السلاح النووي والكيماوي والبيولوجي في المنطقة, وبخاصة بعدما تم تسليط الضوء علي ما لدي مصر من أسلحة كيماوية, فحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت الأمريكية أن مصر هي الهدف القادم للولايات المتحدةالأمريكية بعد سوريا, حيث سيتم الضغط عليها للمطالبة بالكشف عن ترساناتها من الأسلحة الكيماوية وغير التقليدية مثلما يحدث مع بشار الأسد, وذلك لتؤمن إسرائيل ضد أي هجوم تشنه دولة عربية عليها, ومن ثم حرمان أي دولة عربية من امتلاك لما يسمي بقنبلة الفقراء كسلاح ردع والتي تعتبره إسرائيل تهديدا مباشرا لها.