لماذا ستقوم الولاياتالمتحدة بضرب سوريا انتقاما لمقتل 1500 مدني، فيما لم تتحرك من قبل حين تم قتل 100 ألف علي يد الجيش النظامي في الحرب الدائرة حاليا في سوريا؟ الكاتب والمعلق الأمريكي «ستينف ايرلنيجر» قدم تحليلا للأسباب في تقرير له بصحيفة «الهيرالد تيريبيون» الطبعة الدولية للنيويورك تايمز في عدد «السبت – الأحد»، ذكر فيه أن السبب هو استخدام الأسلحة الكيماوية وليس عدد القتلي، فاستخدام الغازات السامة والأسلحة الكيماوية والبيولوجية هو خط أحمر أكدت إدارة أوباما من قبل في مناسبات مختلفة أنها لن تسمح للنظام السوري بتجاوزه أبدا، بعد أن تعددت التقارير حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، وهو ما نفاه النظام الذي أكد بدوره أن المعارضة هي التي تستخدم الغازات السامة وتخفي ضحايا بها من أجل استدعاء التدخل الدولي، وهو ما أثبتته بالوثائق وشهادات لجان دولية. وبالطبع فإن دخول سوريا وقد تم تدمير القواعد العسكرية والمطارات ومخازن السلاح الأساسية سيضعف موقفها في المفاوضات. وهناك أهداف أخري غير حماية إسرائيل من خطر ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، التي راكمتها سوريا للدفاع عن نفسها ضد ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية وهو تخويف إيران عبر ضرب أكبر حليف لها في المنطقة وتجريده من القدرات التي يمكن أن تهدد إسرائيل والولاياتالمتحدة ومدي الاستعداد لضرب إيران بعد ذلك. يبقي أن هناك حملة دولية علي الدول الخمس التي لم توقع علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيماوية وهي سوريا ومصر وكوريا الشمالية وأنجولا وجنوب السودان، ويستوفي تقرير «النيويورك تايمز» اتهامات لمصر باستخدام الأسلحة الكيماوية أثناء حرب اليمن (65 – 67)، واستخدام العراق الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد وضد إيران، ولكنه أشار إلي أن ألمانيا هي أول من استخدمت الأسلحة الكيماوية في الحرب العالمية الأولي، وفي هذه المرة الحاسمة لا يبدو أن الإدارة الأمريكية في حاجة إلي إثبات حول الجهة التي استخدمت القنابل الكيماوية، فهي تؤكد أن النظام السوري هو الذي استخدمها، وبالتالي فإن تقرير اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة التي جمعت عينات من المستشفيات حيث يرقد ضحايا الكيماوي في سوريا ومن المواقع التي تعرضت للضرب، سيجاوب فقط علي سؤال واحد فقط وهو هل من توفي أو أصيب من جراء استخدام أسلحة كيماوية محظورة ومن أي نوع وبأي طريقة، أو أصيبوا بأنواع أخري من الأسلحة. سوريا باتت متهمة بشكل نهائي وهي في انتظار إتمام الإجراءات لضربها، وأهم الإجراءات مناقشات الكونجرس التي بدأت أمس، ولا يتوقع أن يأخذ الكونجرس طريق مجلس العموم البريطاني ويرفض توجيه الضربات لسوريا، إذ أظهرت مناقشات لجنة الأمن القومي وجود غالبية تجند توجيه ضربات عقابية لسوريا علي مدي شهرين، وهو ما سوف تتم الموافقة عليه لأن حجم تيار العنف والتطرف والتشدد أكبر بكثير من بقية التيارات الخائفة والمترددة والتي لا تريد أفغانستان أخري ولا تريد تكرار ما حدث في العراق أو في ليبيا. عودة مرة أخري إلي السؤال الرئيسي، لماذا ستقوم أمريكا بضربات انتقامية عقابية ضد سوريا رغم رفض معظم دول العالم لتلك الضربات وهو ما ظهر في قمة العشرين التي شهدت إصدار بيان حاز توقيع 11 دولة تدعو لرد دولي قوي ضد سوريا، فيما لن تشارك معظم دول حلف الناتو في توجيه الضربات، حيث يبحث أوباما عن حلفاء وشركاء له في العالم العربي وأوروبا لتوجيه تلك الضربات وإعطاء غطاء لها، بعد أن أصبحت فرص الحصول علي تفويض من مجلس الأمن الدولي مستحيلة بسبب تأكيدات روسيا والصين رفضهما تلك الضربات، وإمكانية استخدام حق النقض «الفيتو» لمنع توجيه تلك الضربات. حماية إسرائيل استخدام الكيماوي خط أحمر وليس عدد القتلي فلم تهتم الولاياتالمتحدة كثيرا بمقتل 100 ألف في الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من عامين، فالكيماوي ليس تهديدا فقط للشعب السوري وإنما للأمن العالمي وفقا لتعبيرات أوباما وللدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، وفي المقدمة إسرائيل التي تخشي من سقوط الأسلحة الكيماوية في يد منظمات إرهابية أو منظمات متطرفة مثل حزب الله وحماس، خاصة أن لديهما صواريخ قادرة علي حمل رءوس كيماوية ويمكن أن تضرب أهدافا داخل إسرائيل وتقتل الآلاف من المدنيين. ضرب سوريا في هذه الحالة ضروري لتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية قبل أن يقوم النظام – إذا ثبت استخدامه لها – باستخدامها لحسم الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ضد مجموعات مقاتلة ومنظمات مختلفة أخطرها جيش النصرة التابع لتنظيم القاعدة، وربما جاء توقيت استخدام الأسلحة الكيماوية في 21 أغسطس بعد أن وصلت كميات هائلة من الأسلحة للمقاتلين والمنظمات الإرهابية، من أجل تعديل موازين القوي العسكرية علي الأرض التي مالت لصالح النظام السوري الذي نجح في استعادة مدينة «القصير» وفك الحصار عن حلب، والحيلولة دون تقسيم سوريا، ومعركة «الغوطة» كانت بالغة الأهمية لمنع سقوطها في يد تلك المجموعات حتي لا تتعرض دمشق للخطر، لأن وصول الحرب إلي دمشق لا يعني إلا بداية النهاية للنظام الذي يعتبر دمشق وريفها وما حولها خطا أحمر غير مسموح بتجاوزه من قبل القوات التي يحاربها النظام. وبغض النظر عن تطورات المعارك التي يعجز أي من الأطراف المتحاربة علي حسمها نهائيا لصالحه، فإن محاولة تعديل المواقف علي الأرض قبل التوجه إلي مؤتمر جنيف – 2 وأن الولاياتالمتحدة استخدمت أنواعا من غاز الأعصاب في حرب فيتنام، وأن اليابان استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد الصين، قبل أن تقوم الولاياتالمتحدة بضربها بالقنابل النووية. والخلاصة أنه غير مسموح لسوريا بامتلاك سلاح ردع في مواجهة الأسلحة النووية الإسرائيلية، ويتبقي تجريدها من تلك الترسانة، والحجة استخدامها ضد المدنيين، فهل قتل 1500 مدني يستوجب حربا قادمة لمدة شهرين وغارات مستمرة يسقط فيها الآلاف، فيما لم تتحرك أمريكا حين قتل أكثر من مائة ألف في الحرب الدائرة في سوريا، والتي لا تري فيها الولاياتالمتحدة إرهاب وجرائم القاعدة وجبهة النصرة والتي لا تتورع عن استخدام الكيماوي لجر التدخل الدولي لضرب وتدمير سوريا؟