إن الأمة الإسلامية تمر بمنعطف خطير في أيامنا هذه, فمع تبدل السياسات العالمية, واختلاف الرؤي, وتحبيذ التكتلات الاقتصادية والمالية وغيرها, وتوحد القارات في تنظيم واحد يجمع شتات محليتها وإقليميتها, لتكون كيانا كبيرا في عصر لا يحترم إلا الكيانات الكبيرة, ولا يقيم وزنا إلا لها, يقتضي هذا التحول من الدول العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة أن يكون كيانا كبيرا يحترمه العالم, ويقدره حق قدره, ويعمل له حسابا, وعناصر قيام الوحدة بين دول العالم الإسلامي قائمة, فدينها واحد, وشعائرها واحدة, وانتماؤها واحد, وتؤمن بإله واحد, وتتوجه لقبلة واحدة في الصلاة, ودستورها واحد, وتعمل في أطر واحدة, هي أطر الإسلام الحنيف, هذا الدين الذي دعا إلي وحدة الصف, قال الله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا, ودعا إلي مساندة المسلمين بعضهم بعضا, وتراحمهم فيما بينهم, واشتدادهم علي عدوهم, فقال الحق سبحانه: محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم, وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد, إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي, وقال صلي الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا, وشبك أصابعه, ونحن في أيامنا هذه نفتقر إلي أن يشد بعضنا أزر بعض, وأن تتشابك الأيدي لتكون كالبنيان المرصوص في ظل هذه المتغيرات التي تمر بها الدول الإسلامية, وإنه لمن أوجب الواجبات علي المسلم أن يهب لإنقاذ أخيه المسلم ونصرته إن كان في حاجة إلي ذلك, فقد قال الحق سبحانه: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر, ولفظة علي في الآية الكريمة تفيد الفرضية والوجوب, ومقتضي طلب المناصرة ممن يستطيعها من المسلمين أنه يجب عليه ذلك بقدر استطاعته, لأن التكاليف الشرعية منوطة بالوسع والطاقة, وقد جاء في الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه, من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته, حيث بين الحديث أنه ليس من شأن المسلم أن يسلم أخاه إلي التهلكة,ولا يستنقذه منها, فقد قال ابن الأثير في معني لفظة يسلمه الواردة في الحديث: يقال: أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلي الهلكة, ولم يحمه من عدوه, وهو عام في كل من أسلمته إلي شيء, لكن دخله التخصيص وغلب عليه الالقاء في الهلكة, وهذا الحديث وإن جاء بصيغة الخبر, إلا أنه نهي عن ذلك, يقتضي حرمة من يسلم أخاه إلي الهلاك ولا يهب لنجدته أو إنقاذه منه, وقد جاء في الحديث: من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر علي أن ينصره, أذله الله عز وجل علي رءوس الخلائق يوم القيامة, وهذا الوعيد الشديد الوارد في الحديث يدل علي عظم إثم من لم ينصر أخاه المسلم وهو قادر علي نصرته, وإن مجرد الكلمة الطيبة والمؤازرة الصادقة التي تشد من أزر من يقع في محنة, هو من قبيل نصرة المسلم ودعمه, فقد كان الذي فعله نعيم بن مسعود الغطفاني في غزوة الأحزاب مجرد كلام لجموع الأحزاب, إلا أنه كان لكلامه أثر كبير في نصرة المسلمين في هذه الغزوة, حيث تفرق جمع الأحزاب, وعادوا إلي ديارهم خائبين, فأين هذه النصرة ممن جندوا فضائيات بلادهم لإحداث الفتنة والوقيعة بين أفراد المجتمع الواحد, وهذا الإرجاف والكذب والتضليل الذي يمارسه إعلام هذه الدول, أهذه هي النصرة والاعتصام بحبل الله الذي أراد الله لأهل هذا الدين أن يلتزموا به, أم أنه أمر آخر أملاه علي هؤلاء صنمهم الأكبر وشيطانهم العتيد, يا قوم أطيعوا الله ورسوله تهتدوا واتبعوا هديهما تفلحوا, فمن تنكب عليه ضل وخسر خسرانا مبينا.