لاشك أن العلاقة بين القوات المسلحة والشعب المصري علاقة أبدية لن يفرقها عدو أو متآمر, وظهرت جسورها منذ تسليم السلطة من الجيش إلي رئيس مدني منتخب , لتصل إلي أبهي صورها بنزول الشعب بكل طوائفه للمشاركة في الاستفتاء علي الدستور الجديد, بعدما اطمأن لنزول جيشه الوطني لحمايته, وعندما قامت ثورة30 يونيو تحملت القوات المسلحة المسئولية للعبور بالبلاد إلي بر الأمان, فهم بحق خير أجناد الأرض, والمدافعون عن مصر وشعبها العظيم الذي يقدر لهم هذا الجهد والعطاء الكبير, فالتاريخ لا ينسي الدور الجليل الذي قدمه هؤلاء الرجال. وللوقوف علي دورها العظيم في مواجهة الإرهاب في سيناء في سيناء وسط ما تمر به مصر من أزمة سياسية طاحنة, ومستقبل الأوضاع الحالية, كان هذا الحوار مع الدكتور نبيل فؤاد, أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر. إلي أين تتجه مصر في ظل المشهد السياسي الحالي؟ في اعتقادي أن مصر أمامها أحد اتجاهين لا يوجد ثالث لهما, الاتجاه الأول: أن جماعة الإخوان المسلمين بعد القبض علي الصفوف الأمامية وقيادتهم تكون قد ضعفت والأمور تدخل في مرحلة الهدوء لفترة يتم بعدها إعادة تنظيم أنفسهم, أي يمرون بضعف تدريجي وهدوء حتي يتم الفصل في قضاياهم, وهذا الاتجاه الأفضل لمصر. أما الاتجاه الثاني, هو الأخطر, فأن تتبني منظمة الاتحاد الإسلامي العالمي قضية الإخوان ويبدأ تدعيمها من الخارج كما يدعم جبهة النصرة في سوريا, أي يبدأ في إرسال سلاح ومتطوعين من كل الأجناس بشتي السبل ويتجمعون ويتحدون, وهذا هو الأخطر الذي لا نتمناه وأن ندخل في مرحلة شبيهة لما يحدث في سوريا, لكن المجلس العسكري كان حكيما ولم ينجر للصدام مع الشعب حتي لا يحدث في مصر ما يحدث في سوريا, وهذا هو الاحتمال الثاني. كيف يمكن الخروج من المأزق الراهن؟ لا توجد مشكلة في العالم ولا يوجد صراع سياسي أو عسكري ليس له حل, فطاولة المفاوضات هي الحل السليم في النهاية, أعني بذلك أن الحل الأمني والعسكري فقط لن يشكل حلا للأزمة. كما أن هناك خللا في التوازن الآن, لأن النظام القائم الحالي في مصر لديه القوة القوات المسلحة والطرف الآخر التيار الإسلامي وعلي رأسهم الإخوان المسلمين لا يملكون القوة وبالتالي قد يجد الطرف الثاني أنه لا يستطيع أن يجلس علي طاولة المفاوضات, وبالتالي تفشل. إذن كيف يجلس الجميع علي طاولة المفاوضات؟ المشكلة الحالية تحتاج لقادة يتميزون بقوة إرادة فائقة وحديدية, فالسادات مثلا عندما طرح زيارته للقدس وقتها الشعب المصري كله رفض هذه الزيارة, ولكن كان هناك رجل يتمتع بإرادة حديدية من أجل فض هذا الصراع.. إذن فنحن نحتاج إرادة حديدية من التيار الإسلامي والإخوان المسلمين للتفاوض وإيجاد الحلول, لأنهم مازالوا يطالبون بعودة محمد مرسي رئيسا والجلوس للحوار, لذلك نحن نحتاج إلي مفكر له إرادة قوية يمكن أن يجلس ويتعامل مع الواقع, وعلي الجانب الآخر يجلس من يملك القوة, ويجب أن يتمتع بإرادة حديدية ليغلب المصلحة المصرية علي أي مصلحة أخري, وهنا نبدأ التفاوض, بمعني أن علي كل طرف مجموعة من السيناريوهات لكي يخرج الجميع رابحا وفقا للمعادلة الصفرية المرفوضة تماما في علم التفاوض, لأنها تعني أن يحصل كل طرف من طرفي التفاوض علي01 من01, لذلك فإن الإصرار لا يوصلنا إلي شيء. كيف تري مستقبل العمليات العسكرية في سيناء؟ يصعب إجراء حسابات توازن بشكلها العلمي بين جيش نظامي وقوات غير نظامية, مثلما يحدث في سيناء الآن, لكن في جميع الأحوال الكفة لمصلحة القوات المسلحة, وإذا أردت أن ترهق أي جيش نظامي, حاربه حرب عصابات, كما حدث لأمريكا في أفغانستان, وهذا يختلف تماما عن الوضع لدينا في سيناء, لأن الحرب هنا في أرضنا, والمشكلة التي تواجهها القوات المسلحة هي حربها غير النظامية, لذلك فنحن نحتاج إلي الوقت والجهد, والعمليات في سيناء محسومة لمصلحة قواتنا المسلحة, لأنها تحدث في منطقة ضيقة في سيناء إلي نحو60 كم من حدودنا مع إسرائيل, وهذه هي المنطقة التي بها المشكلات, لكن يسهل السيطرة عليها لأنها يحدها من البحر عناصر من القوات البحرية, ويحدها أيضا الحدود مع إسرائيل, وبالتالي حركتهم ضعيفة إما من خلال الأنفاق أو التسرب من الوادي فقط.وأري أن العمليات في سيناء تتطلب وقتا وجهدا وعدد من الوسائل التكنولوجية الأكثر تقدما مثل الطائرات بدون طيار, كما نحتاج لعمل مخابراتي جيد جدا, وهذا يعطي70% من نجاح قواتنا المسلحة, لأنه يحدد المكان الموجود فيه العناصر الإرهابية, مع استمرار غلق الأنفاق تماما, لأنه يعد عنصرا هاما لنجاح قواتنا المسلحة. ما أهم أسباب الوضع الأمني المتدهور في سيناء؟ عدة عناصر تجمعت وسببت الوضع الأمني المتدهور هناك, وأهمها فقدان تنظيم القاعدة لقاعدته في أفغانستان وإصابتها بالضعف مما جعلهم ينتقلون إلي أماكن أخري مثل الصومال والحدود السعودية اليمنية والحدود الجزائرية الحالية في غرب أفريقيا وفي غزة وانتشار الجماعات السلفية الجهادية التي تقابلت مصالحها معهم في سيناء كملاذ آمن لهم هروبا من الوادي والقاهرة وأفغانستان, أي هروبا من القانون, وأيضا بالاشتراك مع بعض الشباب السيناوي ممن قبض عليهم من قبل, أي خارجين عن القانون, كل هذه العناصر تجمعت مع السلفية الجهادية لتفكر في إمارة إسلامية داخل سيناء, وهذا خطر علي أمن مصر كدولة مركزية ومحورية لا يمكن تقسيمها, وهذه مراهقة مرفوضة تماما مثل فصل الصعيد. ما مصادر حصول هذه الجماعات علي السلاح؟ عندما قامت ثورة ليبياو فالجيش انقسم وتفكك وفقد السيطرة عليه وعلي أسلحته, وبالتالي ذهبت المخازن, وتم تهريب الأسلحة, وهي تجارة تنشط في أماكن النزاعات فقطو فنشطت في ليبيا, وظهر سيل من تهريب السلاح بشكل كثيف, ودخلت كميات كبيرة من الأسلحة, جزء منها يدخل لحماس في فلسطين, وجزء آخر إلي الصعيد, وبالتالي فإن كم السلاح الذي دخل لحماس كان يدخل عبر سيناء, وبالتالي فإن سيناء أصابها نصيب من السلاح, والذي يستخدم في العمليات الإرهابية هناك, ومهما أغلقنا تلك المداخل تظل سوقا مفتوحا لسلعة عالمية تحقق أعلي ربح في العالم. ماذا تمثل المعونة الأمريكية لمصر من وجهة نظرك؟ المعونة الأمريكية المقدمة لمصر لها شق اقتصادي, وهي تقلص إلي250 مليون دولار, وهي لا تعني شيئا, والشق الآخر هي المعونة العسكرية وتبلغ1.3 مليار جنيه, قد تبدو القيمة المادية لهذه المعونة صغيرة ومحدودة جدا, لكنها من الناحية التقنية مهمة جدا جدا, لأنها تعطي مصر قطع غيار تمثل معظم أدوات تسليح الجيش المصري, ومعظم نظم التلسح في مصر90% منها أمريكية, ومن هنا يجب أن يتم تنويع مصادر السلاح مرة أخري, لأن المعونة الأمريكية مؤثرة علي القوات المسلحة من الناحية التقنية فقط, أما قيمتها المادية محدودة جدا جدا إلي أن يتم تنويع مصادر السلاح. كيف يمكن دفع عجلة الاقتصاد المصري؟ لن تفلح المساعدات في قيام الاقتصاد المصري, فالاقتصاد يحتاج إلي العمل ومحاربة البطالة وتوافر الأمن, ولن تنصلح أحوالنا إلا بتوافق مجتمعي, ومهما تم ضخ أموال, فالحل أن نعمل بجد حتي نسد هذه الفجوة الاقتصادية من خلال تشغيل الشباب والمصانع, والتوافق المجتمعي هو الحل, لأن العملية متشابكة ومرتبطة ببعضها البعض. كيف يعود الأمن إلي الشارع المصري؟ لا أمن ولا هدوء عن الطريق الأمني والعسكري فقط, لكنه لابد من توافق, وأن الفكر لا يقهره إلا الفكر, ولابد من مراجعات فكرية من رجال الأزهر الشريف الذي يمثل الفكر الوسطي المستنير لمناقشة الجماعات المتطرفة فكرهم وجعلهم علي الطريق المستقيم, وأيضا تشمل المراجعات الفكرية من في السجون إذا كان طريقهم غير قويم, وهذا أيضا ينطبق علي العمليات في سيناء وتنميتها علي المدي البعيد من خلال مشروعات كبري. ما مستقبل الأحزاب السياسية في مصر؟ الأحزاب السياسية الحالية تحتاج لوقت لكي تتشكل وتصبح أحزابا سياسية حقيقية, لأن الحزب الوحيد المنظم هو حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين, ومازالت جميع الأحزاب الأخري ضعيفة وتحتاج لسنوات حتي تستطيع أن تقف علي أرجلها وأن يكون لها فكر مميز.