لا أحد ضد الكشف عن وحشية جرائم العنف التي يرتكبها أعداء الوطن والإنسانية بدم بارد, ولا الوجوه القبيحة لمن فعلوها, ولكن في ظل التنافس الشرس بين الفضائيات علي عرض طوفان لقطات حية من أحداثها التي انتشرت في الفترة الأخيرة يطرح السؤال نفسه: هل تؤثر مشاهد القتل والتمثيل بالجثث والجرحي والحرق واطلاق الرصاص وغيرها علي المجتمع؟ يجيب د.عدلي رضا أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة ويقول: إن العنف ظاهرة غريبة علي المجتمع المصري وتدريجيا سوف تنتهي, ولذلك لم تضع الفضائيات في اعتبارها النتائج السلبية التي قد تصيب المشاهدين عند عرضها بكثافة وبلا تنبيه مسبق, خوفا من أن يكون بينهم مريض بالقلب أو الضغط أو غير ذلك أو من آثارها المؤكدة علي صغار السن والمراهقين, في غياب الضوابط علي العمل الإعلامي التي تفرض أبجدياتها تنبيه المشاهد قبل خروجها للشاشات وهو مبدأ تتبعه فضائيات العالم أساسه احترام حق المشاهد في رفض أو قبول رؤيتها وليس بأسلوب الصدمة ومفاجأته بها, في الوقت الذي أؤيد فيه تقديم الخبر كاملا حتي لو كانت اللقطات شديدة العنف, ولكن مع ضرورة تأكيد أن تقاليد المجتمع ترفض بشدة كافة أشكال العنف علي اعتبار أنها غير مقبولة وأن من يرتكبها لن يهرب من العقاب القانوني والمجتمعي معا. ويؤكد د.سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس أن الأطفال والمراهقين هم الأكثر تأثرا نفسيا بما تعرضه الفضائيات من مشاهد العنف, مما يضع علي الآباء والأمهات مسئولية حمايتهم من أضرارها المباشرة وعدم السماح لهم بمتابعتها, ويقول: تتسبب لقطات حمل السلاح والقتل والتمثيل بالجثث في غرس العدوان والكراهية في نفوس المشاهدين, بما ينتج عنه تشويه النقاء النفسي بداخلهم, بالإضافة إلي نزع الفطرة الإنسانية عن الناس والتي تجنح دائما للسلام وإحلال أسلوب الاعتداء علي الغير بدلا منها, نظرا للاعتياد علي مشاهدة العنف الذي قد يزعجهم في البداية وبمرور الوقت يتحول إلي أمر واقع غير مرفوض ينتج عنه قبول مبدأ الرد بمثله علي المعتدي, فالنفس البشرية يمكن أن تقبل تدريجيا أن يكون العنف بديلا للعقل عند تكثيف تقديمه, فيقرر الناس مبدأ المعاملة بالمثل لمن يعتدي عليهم, ولذلك يجب علي الفضائيات أن تعرض لقطات العنف بقواعد محددة حتي تتمكن من تقديم رسالتها الإعلامية بصورة متميزة في مقدمتها ضرورة التنبيه قبل بثها, مع عدم تكرارها إلا عند الإحتياج فقط, واللجوء لخبراء النفس والاجتماع للتعريف بعدم أخلاقية اتجاه البعض إلي العنف لفرض وجهة نظر مخالفة لقرار الأغلبية, وأن التفاهم يمثل اللغة المتحضرة التي من الضروري أن تسود عند الاختلاف بين الناس. ويقول د.رشاد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان: أثبتت الدراسات الاجتماعية أنه تبعا لنظرية( المحاكاة), فإن لقطات العنف التي تعرضها الفضائيات تتسلل إلي التكوين الاجتماعي للمشاهدين وينتج عنها الرغبة في تقليدها عندما تتوافر الظروف التي تسمح لها بالخروج الفعلي في جرائم اعتداء مباشر, مما قد يؤدي إلي انتشار الجريمة في المجتمع, ولا شك أن العرض المفاجئ لمشاهد دموية علي الفضائيات يدفع المشاهدين لمتابعتها بدافع غريزة التعرف علي المجهول, والتي تتزايد درجتها عند الأطفال الذين يمتلكون ذاكرة ترصد الأحداث بدقة وتحفظها بتفاصيلها حتي سنوات متأخرة من أعمارهم تسمح لهم باستدعائها في أي وقت قولا وفعلا, ولتجنب تلك الآثار السلبية للقطات العنف يجب أن توجه الفضائيات التنبيه علي المشاهدين قبل عرضها, وقيام الآباء والأمهات بدورهم التربوي من خلال تعريف الأبناء بأن العنف الذي شاهدوه مرفوض وأنه ليس أساس العلاقة بين الناس, كما يجب الكشف السريع عن مرتكبي العنف وتقديمهم للعدالة وعقابهم ونشر ذلك في كافة وسائل الإعلام علي أوسع نطاق لتحقيق ما يسمي بالعدالة الرادعة التي تحمل رسالة صريحة لكل من شاهد العنف بأن جزاء من يرتكبه هو العقاب الذي لن يهرب منه إذا قرر اللجوء إليه.