علي أوتاره عزف المصريون تاريخا من السياسة الممزوجة بالفن.. ألحانه شاركت المصريين أفراحهم وانتصاراتهم ونكساتهم وثوراتهم, فخرجت الأغاني الوطنية تشدو أعذب الألحان التي تثير الشجن وتقوي الهمم, وألحانه تشدو أعذب المقطوعات الدينية التي يعشقها المصريون في شهر الصيام. آلة العود, صناعة يدوية تواجه مطبات كثيرة مع تطور الآلات الموسيقية التي أصبحت لها مكان في الموسيقي والأغاني الحديثة, لكن العود مازال يحتفظ بمقامه كونه سيد الآلات الموسيقية وعميدها. في شارع محمد علي تجد علي ورشا تخصصتا في صناعة العود لكنها تعاني الإهمال وآثار الزمن الذي تراكم عليه الغبار لتقدم سن صناع هذه الآلة العتيدة, تجد بداخلها الأخشاب أنواعا وأشكالا, سيد فتحي أحد المحترفين في هذه الصناعة العتيقة يقول إن آلة العود سحر الموسيقي العربية وأساسها, تزداد عراقة وأصالة كلما كان قديما, أو كان يقتنيه بعض الفنانين, مشيرا إلي أن أسعاره تتفاوت بين' العود' التجاري والعود الذي يقتنيه المحترفون. سيد فتحي وريث هذه الصناعة عن والده يقول إن صناعة العود في مصر تعود إلي عصر قدماء المصريين وهو ما يؤكده ظهور العود والعازفين علي جدران معابد قدماء المصريين حيث اعتاد الفراعنة القدماء استخدام العود في العزف في المناسبات المختلفة, فآلة العود ظهرت في مصر في عهد المملكة الحديثة في الفترة بين عامي1580 و1090 قبل الميلاد. هذه الصناعة التي لم تتوار أو تختف حتي الآن يحدثنا عنها سيد فتحي قائلا: إن العود لا يصنع من الخشب الزان كم يعتقد الكثيرون بل يصنع أيضا من أنواع مختلفة من الخشب, وكلما ارتفع نوع الخشب في السعر أعطي صوتا أجمل وأعمق, فهناك الخشب الموجنة وخشب الورد وخشب الصرصور والصاج الهندي والأبانوس والفنجي والبلوط, ومعظم هذه الأخشاب يتم استيرادها من الهند. ورشة عم فتحي التي اقتني منها كثير من نجوم الطرب والفن أعوادهم, يؤكد سيد فتحي أن آلة العود تعد من أهم المقتنيات التي يحرص السائحون علي اقتنائها قبل مغادرة مصر, كما يقتنيها الكثيرون لتكونا جزءا من ديكور منازلهم. ويضيف سيد فتحي الذي تصنع أنامله هذه الآلة العذبة إن والده ابتكر في صناعة العود صناعة آلة وتريه شبيهة للعود وأوتارها من السلك الصلب اسمها' الجوهرية', اشتقها من اسم الراحل الدكتور عبداللطيف جوهر عازف البوزوق الشهير الذي كانت تربطة صداقة طويلة بالفنان حسين بيكار الذي يجيد العزف علي معظم الآلات الوترية. ورشة سيد فتحي التي ورثها عن والده فتحي أمين أحد رواد هذه الصناعة, هي أول من صنعت عودا ذا قصعة صغيرة ورقبه طويلة تشبه رقبه الجيتار, وصنع عود' باص' كانت فكرة المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم أستاذ الموسيقي سابقا وصنع ربابة بأربعة أوتار مثل آلة الكمان, وأول من صنعت العود المثمن بثمانية أوتار. وعن كيفية صناعة العود يقول سيد فتحي إنها متعة توازي العزف عليه, فصناعة العود الواحد تستغرق حوالي ستة أيام, حيث نأتي بألواح كبيرة من الخشب, ونقسمها إلي شرائح, وبداية نضع هذه الشرائح فوق مكواة حديدية ساخنة, وبعد الانتهاء من ذلك, نضع عليها مادة صمغية للصقها, ولا تستخدم المسامير في صناعة العود, إذ يتم تلميع الخشب, لتصبح الألواح جاهزة لتركيب الغطاء الخارجي للعود, والجزء العلوي منه ومن ثم دهنه والرسم عليه, بعد ذلك توضع المفاتيح والأوتار. واكتسب العود الذي يبدأ سعره من مئات الجنيهات ويصل إلي عشرات الآلاف, أسماء أشهر المطربين الذين عزفوا عليه عليه أمثال رياض السنباطي وكارم محمود والشيخ إمام ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش, لتبقي أسماؤهم خالدة بألحانه التي تشدو أعذب أغانيهم, ويظل العود ملكا متوجا علي عرش الموسيقي العربية.