لابد من التحفظ والإنتظار رغم أن الاتفاق الذي توصل اليه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية جري علي أساس حدود يونيو1967 فذلك يتسق بشكل أو بآخر مع المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ2002 بعد أن أقرتها القمة العربية في بيروت ولكن كلا من واشنطن وتل أبيب تعاملتا معها بتجاهل واستعلاء وجاء الرد الصهيوني عليها فورا متمثلا في قرار أرييل شارون رئيس وزراء الكيان في ذلك الوقت باقتحام الضفة الغربية ومحاصرة مقر المقاطعة التي كان يقيم بها آنذاك الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات فمن الواضح أن الإدارة الأمريكية ممثلة في وزير الخارجية جون كيري أبدت نوعا من التجاوب مع هذه المبادرة خلال زيارة الوفد الوزاري العربي المنبثق عن لجنة المبادرة بالجامعة العربية لواشنطن في التاسع والعشرين من أبريل المنصرم والذي أجري مباحثات مكثفة شملت الي جانب كيري جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي وتمخض عن هذه الزيارة ما يمكن وصفه بالتحول النوعي تجاه المبادرة التي رأي الأمريكيون فيها خيارا يحقق مصالح الدولة العبرية في البقاء والقبول بها عربيا مقابل الانسحاب من الاراضي المحتلة في يونيو مع تبادل طفيف للأراضي. لكن خطورة الاتفاق تكمن في أنه يتحدث عن دولة يهودية وليس دولة اسرائيلية مقابل الدولة الفلسطينية وذلك يؤشر بوضوح الي الطابع الديني والعرقي العنصري الذي يريد الكيان الصهيوني أن يكرسه في المنطقة وبالتالي سيوفر ذلك ذريعة قانونية لإبعاد أكثر من مليون فلسطيني من وطنهم وهو ما يحمل في طياته تهجيرا قسريا جديدا للفلسطينيين يعيدهم الي زمن النكبة الأولي في العام.1948 ولكن كيف تنظر الجامعة العربية الي اتفاق كيري طرحنا السؤال علي السفير محمد صبيح أمينها العام المساعد لشئون فلسطين والأراضي العربية المحتلة فعلق بقوله: ثمة تجربة عربية وفلسطينية ثرية وغنية من حيث فهم الجانب الاسرائيلي علي صعيد المفاوضات ومن ثم التعويل الآن هو علي الدور الأمريكي فبصراحة- كما يضيف- فإن ثلاثة أرباع أعضاء الحكومة الاسرائيلية الحالية وفي المقدمة منهم بنيامين نيتانياهو رئيسها يرفضون حل الدولتين الذي يقوم عليه التحرك الأمريكي الذي يقوده جون كيري منذ أن بدأ جولاته المكوكية الست علي مدي الأشهر الثلاثة الماضية, ولعلي ألفت هنا الي أن والد نيتانياهو كان عضوا فاعلا في حزب حيروت المتطرف الذي كان يرأسه اسحاق شامير ونيتانياهو نفسه كان عضوا في الوفد الذي ترأسه شامير في مؤتمر مدريد للسلام في العام1991 والذي أعلن فيه استعداده للتفاوض عشرات السنوات علي أن يتنازل عن قطعة من الأرض لصالح العرب ومن الواضح أن نيتانياهو يمضي في الاتجاه ذاته فهو من خلال منصبه كرئيس للحكومة يتصرف بنوع من التلاعب ويستخدم مفردات غير مفهومة وعبارات حمالة أوجها والأخطر من ذلك أنه يصر علي تحميل الطرف الفلسطيني مسئولية عرقلة عملية المفاوضات, بينما لو توقف المرء بموضوعية عند مسيرة ستة عشر عاما منذ انطلاق المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي سيرصد أنه لم يحدث أي تقدم بسبب تعنت حكوماته المتعاقبة خاصة التي رأسها نيتانياهو أو غيره من المتطرفين. ومن هنا الكلام للسفير صبيح فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس- أبو مازن كان حريصا بعد كل هذه التجارب المؤلمة مع الجانب الاسرائيلي علي أن يتلقي تأكيدات قبل الدخول في المفاوضات بحيث تتم لفترة زمنية محددة ووفقا لمبدأ الأرض العربية المحتلة في العام1967 مقابل السلام حسبما نصت عليه مبادرة السلام العربية الي جانب أمور أخري تتعلق بوقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسري ولكن نيتانياهو ظل يتهرب دوما من تقديم هذه الاستحقاقات وهو ما كاد يتسبب في فشل جولات كيري الذي يحمل نوايا طيبة لولاتدخل الرئيس الأمريكي أوباما شخصيا عبر اتصاله الهاتفي بنيتانياهو خلال وجود وزير خارجيته في عمان. ويستطرد السفير صبيح: في ضوء هذه المعطيات طالب أبو مازن بأن تكون الأمور واضحة وبضمانات أمريكية وليس اسرائيلية وهو ما تشير اليه حتي الآن الكثير من الدلائل والتي ستكون أكثر وضوحا عندما يتوجه المبعوثان الفلسطيني والاسرائيلي الي واشنطن لبدء أول جولات التفاوض وهنا يقفز السؤال: هل يمكن أن يتجاوب نيتانياهو مع هذا التطور والجهد الأمريكي والقبول الفلسطيني لاتفاق كيري ؟ ويري صبيح أنه لاشك أن نيتانياهو سيضع العديد من العراقيل ويحفر مئات المطبات أمام هذه المسيرة وعلي الجانب العربي والفلسطيني تحديدا أن يدرس مسيرته في المفاوضا ت خلال الستة عشر عاما المنصرمة وبالتالي ليس لدي أدني توقع بإمكانية أستجابته لمطالب الشعب الفلسطيني وهي بالمناسبة مطالب محدودة وواقعية وعملية ولاتنطوي علي أي مبالغات تضمنتها المبادرة العربية للسلام والقرارات الدولية المتعددة وكذلك تضمنها قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة لدولة فلسطين عضوا مراقبا بالأمم المتحدة وعاصمتها القدس علي حدود الرابع من يونيو1967 ويتابع صبيح الشرح والتفسير: إن الصراع يدور الآن علي الأرض وكل قادة اسرائيل ما عدا قلة قليلة يتحدثون بمرارة عن التنازل عن أرض اسرائيل وهو طرح مناقض للرغبة الحقيقية في التوصل الي سلام مع الفلسطينيين ومن ثم فإن الكرة الآن باتت في ملعب الجانب الأمريكي وذلك يعني يوضوح أنه مطالب بالرد علي تصلب الموقف الاسرائيلي باتخاذ خطوات عملية علي الأقل قريبة من تلك التي اتخذها الاتحاد الأوروبي مؤخرا عندما أصدر تعليمات واضحة بعدم التعامل لامن قريب أو من بعيدمع منتجات المستوطنات سواء في الضفة أو القدس أو في الجولان باعتبارها أراضي محتلة مما أحدث هزة داخل اسرائيل لكن الاتفاق الاخير يتحدث عن دولة يهودية الي جانب دولة فلسطين الا يقلقك هذا الأمر ؟ لايوجد هذا الطلب رسميا بشكل واضح ولكن هناك مايسمي بتبادل الأراضي والذي تؤكد القيادة الفلسطينية أنه يتم بين دولتين أي يمكن التوافق علي هذا التبادل بعد أن يقر الجانب الاسرائيلي بدولة فلسطين وبالتالي فإن هذه المسألة ستكون من الصعوبة بمكان خلال المفاوضات المرتقبة مع نيتانياهو والذي يريد أن يلتهم ثلاثة أرباع الضفة الغربية وهو أمر لن يحدث مطلقا بينما التبادل المقبول يكون بنفس المساحة والقيمة ومن هنا فإنه يتعين علي الإدارة الأمريكية أن تتعامل بحزم مع مثل هذه الإشكاليات عبر التطبيق الصارم للقانون الدولي ومبادرة السلام العربية. ت