في خطابه الاخير اقترح الرئيس المخلوع محمد مرسي اصدار ميثاق شرف اعلامي, والمفارقة ان الاقتراح نفسه ورد في بيان الجيش, رغم اختلاف الرؤية والسياق, ورغم تهافت الاقتراح وعدم منطقيته. إن الاعلام ليس هو المشكلة ولم يصنع ازمة مصر او يحدث الانقسام والاستقطاب في المجتمع, ولم يكن كما يدعي البعض سببا في النهاية السريعة والمأسوية لحكم مرسي وجماعته, كما ان ميثاق الشرف الاعلامي ليس هو الحل. لدينا اعلام نقل فشل مرسي وجماعته للرأي العام, وفي المقابل كان هناك اعلاما يشيد بانجازات وهمية, وفي الحالتين كانت هناك مبالغات وتجاوزات سواء في عملية النقل او اختلاق الاحداث والانجازات, وسجلت تقارير عديدة تراجع في مستويات حرية الاعلام ومهنيته, وزيادة في تسييس المضامين الاخبارية وفي نفوذ رجال الاعمال وشركات الاعلان, حتي بات من الصعب الحصول علي معلومات تتسم بالحيدة والانصاف والتوازن في معظم ما يقدمه اعلامنا, بل والاعلام العربي الذي يغطي الشأن المصري. ومهما تكن مظاهر واسباب الخلل في منظومتنا الاعلامية, ومهما كانت النتائج فان الاعلام يظل عنصرا تابعا لازمة السياسة والانقسام الذي اصاب الوطن منذ يناير2011, والذي تضخم في ظل حكم الاخوان, كما يظل تاثير الاعلام محدودا, ونسبيا قياسا الي تاثير ازمات ومشاكل الاقتصاد وضعف الدولة وغياب الامن وانهيار الخدمات الاساسية وزيادة معاناة المواطنين, وبالتالي اعتقد ان اصلاح السياسة والاقتصاد مقدم علي اصلاح الاعلام, وهذا لايعني السكوت علي تجاوزات ومشاكل منظومتنا الاعلامية وانما القصد وضع الاعلام في مكانه الصحيح وبحسب اولويات وهموم الوطن, وعدم تحميله مسئولية فشل مرسي وجماعته, او منحه شرف القيام بالدور الرئيس في الموجة الثورية الثانية والتي اتمني لها النجاح في تغيير النظام وتحقيق العدالة الاجتماعية. لاداعي للتعامل مع الإعلام في المرحلة القادمة من خلال رؤية مبارك ومرسي للإعلام, بوصفه الساحر الذي يعيد تشكيل وخلق الحقائق علي الارض, والقادر علي التلاعب بعقول ومشاعر الرأي العام, وبالتالي تحميله المسئولية عن كل أزمة أو فشل يقع فيه الحكم, والغريب ان هذه الرؤية تتخلي عن منطقها الشكلي, فلا تنسب اي انجاز للاعلام وانما تنسبه طبعا للحكم!! اتمني التخلي عن هذه الرؤية واستيعاب حقيقة دور الاعلام في السياسة والمجتمع, واحترام حرية الاعلاميين وحقوقهم في الحصول علي المعلومات والتعبير الحر عن الاراء, وفي هذا السياق لابد من عودة القنوات الدينية التي اغلقت, وعودة صحيفة الاخوان, وعدم التضييق علي حرية مكاتب القنوات الاجنبية ومراسليها, لان المصادرة والمنع يتعارضان وحرية الرأي والتعبير, والتي هي من اهداف ثورة30 يونيو, ولايوجد مبرر لاستخدام معايير مزدوجة فحرية الاعلام للجميع, بغض النظر عن التجاوز في استخدام تلك الحرية, او ارتكاب اخطاء مهنية واخلاقية في تلك المرحلة, لاني اري:- اولا: ان الاخطاء والتجاوزات اصبحت منذ عامين واكثر ممارسة يومية في اعلامنا العام والخاص, ولايمكن علاجها بالغلق والمنع, لان تكنولوجيا الاتصال ووسائل الاعلام الجديد تقلل من تاثير الغلق والمنع, وتحول اصحابها الي ابطال وايقونات لحرية الراي والتعبير. ثانيا: لايمكن اصدار او تفعيل مواثيق شرف اعلامية في ظل البيئة الاعلامية الحالية والقوانين المعمول بها, والهيئات التي تشرف علي تنفيذها. ثالثا: لتكن البداية باصدار الرئيس المؤقت قانونا بتشكيل مجلس اعلي للاعلام يشرف علي كل وسائل الاعلام الخاص والعام, وتكون عضويته من خبراء مستقلين وممثلين عن الكنيسة والازهر ونقابات الاعلاميين واتحاد كتاب مصر. رابعا: لخفض النفقات وضمان الفصل بين الحكومة والاعلام, من الضروري الغاء وزارة الاعلام, وبحيث يتولي مجلس امناء اتحاد الاذاعة والتليفزيون الاشراف علي ماسبيرو والقنوات الخاصة, والمجلس الاعلي للصحافة الاشراف علي الصحف القومية والخاصة, ولكن بعد اعادة تشكيل المجلسين لضمان تمثيل كل اطياف المجتمع علاوة علي وجود خبراء مستقلين غير حزبيين. خامسا: اصدار الرئيس المؤقت لقانون يسمح بتكوين اكثر من نقابة للعاملين في الاذاعة والتليفزيون. ويوجد حاليا عدد من النقابات تحت التاسيس والتي يتطلب وجودها اصدار قانون, ولاشك ان ظهور تلك النقابات سيدعم من فرص الحوار والاتفاق علي مواثيق شرف اعلامي ومدونات سلوك ملزمة للاعلاميين, كما يوفر اليات للرقابة والمحاسبة الذاتية. سادسا: اصدار قوانين تتعلق بوضع حدود علي نسب ملكية الافراد لوسائل الاعلام بحيث تمنع التركز والاحتكار, وتضمن الشفافية والالزام فيما يتعلق بتمويل وسائل الاعلام وميزانياتها, وقوانين اخري تحدد النسب المسموح بها للاعلان من اجمالي اوقات البث او مساحة الصحف. سابعا: يمكن تطوير هذه المقترحات, والاخذ بمقترحات نقابة الصحفيين والاعلاميين عند تعديل مواد الدستور بحيث ينص علي الغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والتعبير, والغاء مصادرة الصحف والقنوات, والنص علي مواد جديدة منها حق المواطن في الحصول علي خدمة الانترنت مجانا, عند سرعات معينة, والنص علي حق الافراد والمؤسسات في اطلاق قنوات تليفزيونية ومواقع الانترنت والمدونات والصحف الالكترونية بمجرد الاخطار, اسوة بالصحافة الورقية. لمزيد من مقالات محمد شومان