جماعة الإعلاميين تتحمل قدراً من المسئولية عن الفوضى الإعلامية واستمرار أوضاع الإعلام بعد الثورة دون تغيير، بل وتراجع المستوى المهنى وزيادة هيمنة رأس المال الخاص والإعلان على النظام الإعلامى وتأثيرهما الكبير فى المضامين والأشكال الإعلامية. مسئولية الإعلاميين طبعاً أقل من مسئولية الحكام الجدد من عسكر وإخوان، الذين تركوا القوانين والأنظمة الإعلامية المعمول بها فى عصر المخلوع، ووظفوها لفرض مزيد من الهيمنة والتوجيه على الإعلام الحكومى والخاص، كما سمحوا بظهور قنوات وصحف جديدة دون تدقيق أو إفصاح عن مصادر تمويلها. كيف ارتضت جماعة الإعلاميين استمرار هذه الأوضاع؟ ولماذا لم تبادر بالتحرك والضغط لتغيير قوانين الإعلام ومنظومته العتيقة التى تجاوزتها الأحداث؟ ولماذا لا يتحرك الإعلاميون حتى الآن رغم زيادة مؤشرات الخطر والتهديد لحرية الإعلام ولحرياتهم الشخصية؟ الأسئلة كثيرة.. وتستدعى هموم وشجون جماعة الإعلاميين المصريين الأكبر عدداً بين الدول العربية، والتى تحظى بحضور وتأثير سياسى واجتماعى كبير، حيث تشكل نسبة معتبرة من النخبة الثقافية والسياسية. ويبدو أن الفاعلية السياسية لجماعة الإعلاميين كأفراد لا تنعكس على قدرتهم فى الدفاع عن حرية الإعلام وحقهم فى التنظيم الذاتى، لأنهم ببساطة لا يشكلون جماعة متماسكة، فثمة انقسامات مهنية وأيديولوجية وسياسية وطبقية عميقة تضرب وحدة الجماعة الإعلامية وتهمش من قدرتها على العمل المشترك دفاعاً عن المصالح المهنية للإعلاميين، وقد تعمقت هذه الانقسامات بعد الثورة فى ظل مناخ الاستقطاب والصراع بين القوى الإسلاموية والمدنية، وخريطة المصالح المادية والإعلامية، حتى تشكلت فرق وجماعات فرعية داخل الجماعة الإعلامية من مصلحتها المباشرة استمرار الفوضى الإعلامية، وتشتت القوة المادية والرمزية لجماعة الإعلاميين. فهذه الفرق تستمد قوتها ومشروعية وجودها من خلال التحالف مع السلطة الجديدة أو التحالف مع رجال الأعمال والاحتكارات الإعلانية والإعلامية الصاعدة والتى من المحتمل أن تسيطر على المشهد الإعلامى، فى ضوء تراجع حضور وتأثير الإعلام الحكومى فى المجتمع. المطلوب أن تتحرك أغلبية الجماعة الإعلامية فى اتجاه البحث عن عناصر مشتركة بين الجميع، توحد ولا تفرق، وأحسب أن أغلبية الجماعة الإعلامية ما تزال بعيدة عن الاستقطاب ولعبة المصالح التى تورط فيها عدد محدود من نجوم الصحافة والفضائيات، الذين شكلوا شريحة من أصحاب الدخول العالية التى لا تعبر عن مستويات أجور معظم الإعلاميين، وبالتالى أصبح لهذه الشريحة مصالحها الخاصة وعالمها القائم على تسييس الإعلام وتعميق الاستقطاب والانقسام فى المجتمع وخدمة الأسياد الجدد للإعلام. القصد لا بد من الرهان على الأغلبية الصامتة بين الجماعة الإعلامية، وتشجيعها لتشكيل نقابات مهنية مستقلة، تنظم العاملين فى قطاعات الإعلام المختلفة (صحافة ورقية- صحافة إلكترونية- إذاعة- تليفزيون- إعلام جديد)، وذلك على أساس التمايز فى التخصص بحسب سمات ومتطلبات كل وسيلة، وفى الوقت ذاته التعاون والعمل المشترك فى قضايا حرية الإعلام وآليات تنظيمه فى الدستور والقانون، علاوة على إصدار مدونات سلوك ومواثيق شرف إعلامى، واقتراح هيئات مستقلة للتدقيق فى مستويات الأداء المهنى ومصادر التمويل، والعمل على منع الاحتكار. آن الأوان، من وجهة نظرى، لتعظيم التعاون بين الإعلاميين والتقليل قدر الإمكان من تأثير التخصص والاختلاف بين وسائل الإعلام المختلفة، فالتكامل بين وسائل الإعلام أصبح ضرورة يفرضها تطور تكنولوجيا الاتصال والإعلام والاندماج والتداخل بين وسائل الإعلام كافة، بحيث أصبح من الصعب تعريف الصحفى أو الإعلامى، بل وتعريف الإعلام ذاته، فقد تغير شكل الصحافة، وكذلك دخلت على صناعة التليفزيون تغيرات هائلة هدمت معها الحدود التقليدية الفاصلة بين الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وبين الصحفى فى الصحف الورقية، وزميله فى التليفزيون، وبينهما وبين المواطن الصحفى. إن خبرة التمايز «النسبى» والعمل المشترك جديدة على الجماعة الإعلامية، وقد تبدو صعبة التحقق فى أرض الواقع، لكنها أصبحت ضرورة لأن وسائل الإعلام المختلفة والإعلاميين فى مركب واحد، ولأن التدخل فى حرية الإعلام وهيمنة الدولة أو رجال الأعمال سيلحق الضرر بالجميع، وبالتالى ليس من المقبول مثلاً أن يسكت الصحفيون على التمييز فى الدستور الجديد بين إصدار صحف بمجرد الإخطار، بينما ينظم القانون -وما أدراك ما القانون!- إنشاء البث الإذاعى والتليفزيونى، وألا يتطرق الدستور للإعلام الجديد!!، كذلك ليس من المقبول ترك تشكيل المجلسين المقترحين للإعلام للقانون، من دون توضيح العلاقة بينهما، علماً بأن الرئيس يحق له اختيار رئيسى المجلسين. فى كلمات أخيرة، مطلوب أن يتحرك أغلبية العاملين فى الإعلام المرئى والمسموع مدعومين من زملائهم فى نقابة الصحفيين، لتشكيل نقابات مستقلة تدافع عنهم، وتضع مواثيق شرف إعلامى، لأنه من غير المعقول أن يستمر تضخيم الجسد الإذاعى والتليفزيونى من دون مواثيق شرف تعتبر بمثابة العقل والضمير المكتوب للمنظومة الإعلامية.