الغموض, والعنف, واستنساخ25 يناير, والعناد, أهم أربعة مخاطر تهدد مظاهرات30 يونيو بالفشل المؤدي إلي الفوضي والاقتتال في الشوارع بين أبناء الوطن, والمفارقة أن بعض الثوار والإخوان يرحبون ويشحنون باتجاه العنف وتعميم الفوضي, ولكل منهما أهدافه الخاصة. الإخوان وحلفاؤهم يلوحون بالعنف وبالورقة الطائفية لتخويف الملايين من المشاركة في مظاهرات واعتصامات30 يونيو, حيث ان لدي الإخوان قناعة- أثبتت صحتها كثير من المليونيات- وهي أن سلمية المظاهرات تجذب الملايين وتشجع علي المشاركة, بينما العنف نقيض الحشود المليونية, وبالتالي العنف أو التلويح به مفيد في إفشال مظاهرات30 يونيو, وكذلك في تخويف حزب الكنبة علي طريقة مبارك أنا أو الفوضي, لذلك يروجون لمقولة إما مرسي والشرعية أو الفوضي. في المقابل هناك فريق من الثوار يأمل في تفجير موجات من العنف والفوضي في الشارع حتي يوجد أوضاعا ضاغطة علي الجيش تدفعه للعودة للشارع والحكم, ومثل هذا السيناريو يستنسخ مشهد نزول الجيش في28 يناير ثم انقلابه علي مبارك, لكن التاريخ لا يكرر نفسه, وهناك ضغوط داخلية وتوازنات دولية قد تمنع انقلاب الجيش علي مرسي, وتجبره علي النزول للشارع لحفظ الأمن وتأكيد مشروعية مرسي المهتزة, فهو من وجهة النظر الأمريكية والأوروبية, رئيس شرعي منتخب برغم كل أخطائه, وبرغم قوة المعارضة في الشارع. لكن المعارضة من وجهة نظر واشنطن منقسمة علي نفسها, ولا تلتف حول زعيم أو بديل محدد, وهنا تكمن مشكلة أن واشنطن التي أصبحت- بحكم عقود من إضعاف مصر وتبعيتها- لاعبا أساسيا في اختيار الرئيس, لا تري هناك بديلا جاهزا للحكم بعد رحيل الإخوان, ومن غير المعقول في هذه المرحلة التاريخية اختيار ودعم السلفيين كبديل لهم. أزمة البديل عن الحكم الحالي مشكلة تؤرق كل الأطراف لكنها تصب في مصلحة الإخوان, خاصة أنه من المستحيل توقع سيناريو محدد لما سيجري في30 يونيو, وإنما هناك بالضرورة سيناريوهات عديدة, كل منها مشروط بأحداث ومسارات علي الأرض, كما أنه من الصعب توقع السلوك السياسي للمصريين علي نحو سليم منذ25 يناير, فهذا الشعب العظيم يفاجئنا كل يوم بجديد, مدهش ومبتكر, فمن كان يتوقع مثلا حركة تمرد, أو تجرد, ومن كان يتوقع أن بعض أحداث العنف والقتل( أحداث ماسبيرو ومحمد محمود) تدفع نحو مليونيات سلمية, أي أن قاعدة العنف نقيض المليونيات والحشود السلمية ليست صحيحة علي طول الخط. وبالتالي لابد لكل الأطراف في الحكم والمعارضة من: أولا: التواضع في فهم وإدراك الواقع السياسي والاجتماعي والسلوك السياسي لملايين المصريين في30 يونيو, والتوقف عن إدعاء المعرفة اليقينية, والاعتماد علي النسبية في الفهم والتفسير, ووضع العديد من الخطط والبدائل بحسب الساعات الأولي من التحركات الجماهيرية, وما يليها من أحداث, والتي يبدو أنها ستبدأ يوم28 يونيو. ثانيا: التأكيد علي الطابع السلمي للتحركات الجماهيرية والامتناع نهائيا عن ممارسة العنف أو التلويح به لأنه قد يؤدي إلي سيناريوهات كارثية, سيخرج منها الجميع خاسرين بما فيهم الجيش والشرطة لو تورطا لا قدر الله- في استخدام العنف ضد المتظاهرين. ثالثا: تقديم رؤية واضحة لأهداف التحركات الجماهيرية( مظاهرات اعتصامات) والأنشطة المصاحبة لها, والمدي الزمني لاستمرارها. فالغموض سيشكل كارثة علي نحو ما جري في25 يناير, فقد نجح الغموض في توحيد صفوف الثوار, ومنع الاختلاف والصراع حول القيادة وأهداف المرحلة الانتقالية وملامح النظام السياسي البديل عن مبارك, لكن غموض يناير2011 قاد لحكم عسكري انتقالي فاشل, واستقطاب ثقافي وسياسي, وانتخابات بلا ثقافة ديمقراطية أدت إلي حكم إخواني يفتقر للمعرفة والخيال والكفاءة, وبالتالي لا مفر من الوضوح في الرؤية والاتفاق علي بدائل وقيادة انتقالية لمرحلة ما بعد30 يونيو. رابعا: مقاومة فكرة أن30 يونيو هي مباراة صفرية ستقود في هذا اليوم وما قد يليه من أيام أو أسابيع إلي انتصار طرف علي منافسه بالضربة القاضية, مما يعني حسم الصراع السياسي علي الحكم والانقسام الثقافي والسياسي في المجتمع, لان إنهاء حكم الإخوان, وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن يحسم المعركة, ومن ثم لابد من التعامل مع أحداث وتداعيات30 يونيو باعتبارها حلقة من حلقات الصراع السياسي, قد تؤدي إلي بقاء الأوضاع كما هي عليه, أو بداية مرحلة انتقالية جديدة, ربما تقود إلي انتخابات رئاسية جديدة, أو حكم عسكري, أو تتضمن بقاء الرئيس مرسي ولكن بعد وقف مخطط الأخونة وتعديل الدستور ووجود حكومة قوية والاتفاق علي خريطة طريق لانتخابات برلمانية نزيهة. خامسا: لاتزال أمام الرئيس وجماعته فرصة لتجنيب البلاد والعباد مخاطر30 يونيو وما بعده, تقوم علي التخلي عن العند والمكابرة ومراجعة الذات, والاعتراف بوجود أخطاء, وبالتالي طرح حل سياسي سريع يقوم علي تغيير الوزارة وتكليف شخصية محايدة بتشكيل وزارة تكنوقراط تشرف علي انتخابات برلمانية مع تغيير قانون الانتخاب وحل مشكلة النائب العام, ووقف مسلسل الأخونة, واعتقد أن الحل بسيط وممكن, ويفتح المجال أمام حوار وطني حقيقي بأجندة محددة. في مقدمتها ضمان مشاركة كل الفرقاء, وتعزيز قدرة الوطن في مواجهة مخاطر الداخل والخارج. لمزيد من مقالات محمد شومان