بالرغم من تقلب مكاسب تصديره بشكل واضح, فإن القطن مازال يمثل المحصول التصديري الرئيسي في مصر, ومازال هناك اعتقاد بأن لمصر ميزة نسبية في انتاج الأقطان فائقة الطول والقصيرة, غير ان النجاح الذي تحقق علي المستوي العالمي بتقليل الفروق السعرية بين الأقطان الطويلة من ناحية والقصيرة من ناحية أخري قد قلل من مزايا الأقطان المصرية, وهو ما يعزي إلي التطور الذي لحق بتكنولوجيا تصنيع القطن, حيث أمكن انتاج منسوجات فائقة الجودة من القطن الطويل والقصير مثلهما, في ذلك مثل القطن فائق الطول. فخلال العقود الماضية قبل التسعينيات من القرن العشرين حينما كانت المزايا النسبية تحدد من يمتلك السوق العالمية ويستحوذ علي النصيب الاكبر من هذه السوق, كان مزارعو القطن المصري ومصنعوه يتميزون من حيث الانجاز, فوجود التربة الجيدة بدلتا النيل وباستخدام أساليب التربية المتفوقة بواسطة الباحثين المصريين, كلها عوامل أدت إلي انتاج الاقطان الفائقة في العالم, وهي الاقطان التي سادت سوق القطن طويل التيلة في الثمانينيات وما قبلها من القرن العشرين. ثم ظهرت الاصناف المنافسة وهي البيما وبركات وطور خبراء التصنيع والتكنولوجيا التي عملت علي تحويل الاقطان قصيرة التيلة إلي غزول تتسم بنوعية أفضل من السابق سواء كقطن صاف أو قطن مخلوط مع الالياف الصناعية, وفي الوقت نفسه استمر منتجو القطن الزهر ومصنعو الغزول القطنية في التمسك بموقفهم الذي يوصي بأن نوعية القطن المصري ومنتجاته القطنية كانت الافضل بالاسواق والمتفردة في الاستعمالات النهائية التي تستلزم الاقطان فائقة الجودة. وبهذا الموقف لمنتجي القطن الزهر ومصنعي الغزول القطنية المصرية ظلت أسعار منتجاتهم أعلي من نظائرها المنافسة, الامر الذي كانت له آثار عكسية ولغير صالح المنتجين والمصنعين المصريين, خاصة بعدما بدأت نوعية المنتجات التي يعرضونها في الاسواق في التدهور, فالاسعار المرتفعة لمنتجات باتت جودتها تتناقص لايمكن ان تحافظ علي النصيب السوقي وبالتالي تقلص بشدة النصيب السوقي للقطن المصري. وقد ساهم عاملان رئيسيان في انخفاض تميز صناعة القطن المصري, أولهما انهيار أسواق اوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي التي كانت تعمل بنظام اتفاق التجارة التبادلية للسلعة في مصر لمدة عشر سنوات مع اهتمام قليل بالجودة وبالتوقيت, وثانيهما تحول شطر لا يستهان به من المستهلكين من استعمال الزي التقليدي النمطي إلي الزي غير الرسمي, إلا ان هذين العاملين لم يكونا إلا مظهرا لتمسك مصر الشديد بمبدأ الميزة النسبية وهو ما لم يشجع التجار والصناع علي البحث عن وسائل جديدة للمنافسة. وبالتالي فلعل أفضل موقف الآن للقطن المصري بجميع نوعياته ودرجاته هو ألا يتم الانتاج إلا وفقا لنظم الزراعة التعاقدية سواء مع المصانع المحلية أو مع الاسواق العالمية, وبالرغم مما للزراعة التعاقدية من بعض السلبيات, فإنها الوسيلة التي يفضل تطبيقها في هذه المرحلة حتي لايضار المزارع أو الصانع وحتي تستقر الاسواق القطنية. د. محمود عيسي منصور معهد بحوث الاقتصاد الزراعي