شهد الأسبوع الثقافي ندوة علمية نظمها صالون طه حسين الثقافي حول الترجمة وآفاق التغيير في البداية تحدثت الكاتبة والفنانة التشكيلية زينب فهمي المشرفة علي الصالون مشيرة إلي أهمية الترجمة من حيث كونها النوافذ التي نفتحها علي العالم من حولها حتي نراه ويرانا, ولا تنهض أي أمة من الأمم بغير الترجمة, لأنها تمثل تلك الجسور التي تعبر عليها مختلف الثقافات والمعارف والحضارات والأفكار من شعب لآخر, ليتحول العالم الكبير إلي قرية صغيرة, عرفها أجدادنا وأدركوا أهميتها, فأنشأ هارون الرشيد الخليفة العباسي دار الحكمة في بغداد, وجلب إليها المترجمين لينقلوا له آداب العالم وثقافته وفنونه, ثم جاء من بعده ابنه عبدالله المأمون فزاد فيها واهتم بها, وأجزل مكافأة مترجميها حتي قيل إن ما ترجم في عهده يساوي ما ترجم من بعده وحتي اليوم, وتقول الكاتبة: إن بالترجمة تتلاقح وتتلاطم الأفكار والثقافات, وتتفق وتختلف ليحدث التغيير, وتتسع آفاقه وأبعاده. ثم تحدث د. أحمد عثمان أستاذ الأدب اليوناني ورائد الترجمات العديدة في مجاله معربا عن سعادته الغامرة بوجوده في بيت طه حسين, فهو يعتبر نفسه حفيد طه حسين في مجال الدراسات الأدبية, وبالذات في تخصص الدراسات اليونانية واللاتينية, لأن طه حسين هو مؤسس القسم الذي يعمل فيه, وذلك عام1925, وسماه قسم التاريخ القديم, لأن المسائل تتطور, حيث كان في الماضي التاريخ القديم معناه الدراسات الأوروبية القديمة, أو اليوناني واللاتيني, ثم تطور الاسم وأصبح الدراسات اليونانية, وكان ذلك في بداية القرن العشرين, وكان القسم اليوناني واللاتيني هو الوحيد آنذاك في العالم العربي كله وحتي اليوم, واليوم يوجد لدينا علي الأقل الآن سبعة أقسام, كلها تتبع هذا القسم, وتنبع من فكرة ومبادرة طه حسين, وإصراره علي أن يفرض اللغة اللاتينية علي كل كليات الجامعة المصرية, لأهمية ذلك, حيث إن كل المصطلحات العلمية أصلها لاتيني ويوناني, وهو يصر علي اللغات لأنها أساس الترجمة, وبالتالي كان اهتمام طه حسين باللغات الأجنبية, وبالذات اليوناني واللاتيني, مما يفسر لنا اهتمامه بموضوع الترجمة, فلا نهضة ولا تقدم بدون ترجمة. ويؤكد د عثمان أن الترجمة لها تاريخ قديم جدا, وأن أزهي عصور التقدم الثقافي والعلمي هي التي واكبتها أو سبقتها أو لحقتها حركة الترجمة, فمثلا الإسكندرية عاصمة البحر المتوسط الثقافية, شهدت فترة ازدهار ثقافي بدأ من القرن الثالث قبل الميلاد, وقبل فتوحات الإسكندر, وجاءت كلمة الإسكندرية من الإسكندر الذي أمر بتأسيسها, وقد أنشئت مكتبة الإسكندرية وكانت هي الأداة التي ساعدت علي قيام حركة ترجمة واسعة, فالبطالمة الذين أسسوا الإسكندرية وأسسوا( الموسيوم), وهي تعني معبد ربات الفنون, وهم تسعة يرمزون لكل العلوم الإنسانية والتاريخية والعلمية, وقامت حركة ترجمة واسعة لأن اليونانيين جاءوا من ثقافة أخري وفرحوا بالإسكندرية, والبطالمة علي أرض مصر, وهي صاحبة أقدم حضارة, فالإغريق القدامي ينظرون إلي مصر علي أنها النموذج الذي يريدون تقليدها وينهلوا من حضارتها, وذلك من خلال الترجمة كوسيلة لتحقيق رغبتهم, وهذا يعني كما يقول د. عثمان أن العصور القديمة عرفت الترجمة وأهميتها من خلال اتصال الشعوب ببعضها, وأن حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر قامت علي الترجمة, فقد تمت ترجمة الأعمال اليونانية واللاتينية إلي اللغات الحديثة, منها الإيطالي, والفرنسي, وقد زادت حركة الترجمات واتسعت وشملت اللغة العربية, ولغات شرقية, لأنهم أدركوا قيمة الترجمة من الشعوب الأخري. وفي العصر العباسي خلال القرنين الثامن والتاسع الميلاديين تقريبا, وقبل النهضة الأوروبية بدأوا حركة الترجمة, لذلك يري د. عثمان أن العرب العباسيين هم ورثة الحضارات القديمة, وحتي تسود العالم أعرق الحضارات القديمة السابقة عن طريق ترجمة تلك الحضارات, وهناك محاولات من أمريكا وأوروبا الآن لدراسة العربية والفارسية والصينية, لأنهم يريدون أن يسيطروا علي العالم, مما يؤكد أن الترجمة ضرورة لأي تقدم علمي, وهذا يعني أهمية الاتصال بالآخر, واحترام علم الآخر, وفتح الأبواب علي كل الحضارات.