في مكتبة الاسكندرية, مدينة البحر والحضارة, وعلي مدي ثلاثة أيام, وبرعاية لجنة مانيوميد, لجنة المخطوطات الدولية الخاصة بالاتحاد الأوروبيأجرت مناقشات مفتوحة لأصول ومقدمات التراث العربي والاسلامي. وهو الموضوع الذي اختاره مركز المخطوطات بالمكتبة لمؤتمره السابع, والذي قد سبقته عدة مؤتمرات لمناقشة مصير المخطوطات العربية والذخائر التراثية. شارك في المؤتمر العديد من الدول, وأسماء بارزة في مجال التراث, كالدكتور رشدي راشد والدكتورة أنجيليكا زياكا من اليونان وعبد الله الغنيم من الكويت ورضوان السيد من لبنان ود. حسن حنفي من مصر. وفي كلمته قال د.اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية هذا المؤتمر يعد خطوة جديدة نحو فهم التراث العربي. أما عن اختيار المكتبة لهذه المناقشة, فربما لأن الاسكندرية كانت نقطة اتصال بين الحضارات, كما كانت مكتبتها علي صلة بخلاصة ما توصلت إليه مصر الفرعونية من فكر وما كان يتبلور من فكر اليونان في القرن الثالث قبل الميلاد. وهوما يعني اننا لكي نفهم تراث العرب والمسلمين لابد أن نفهم هذا التراث والفن, فلم تكن الحضارة الاسلامية وكما قال د. يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بالمكتبة لمعة مفاجئة مع انتشار الاسلام وسيادة العرب. فالحضارة الانسانية ركب يمتد بجهود متعاقبة. وقد استفاد المسلمون ممن قبلهم منذ استلهموا حفر الخندق من العسكرية الفارسية كما ترجم يهود الأندلس التراث العربي إلي لغتهم واللغة اللاتينية مرورا بامتدادات من التراث المسيحي في علم الكلام وشكل القبة, والنظر إلي مصر علي انها خزانة الدولة والترجمة من السريانية واليونانية إلي العربية. وتاريخ الفلسفة والعلوم والآداب لايستحق عناء البحث إذا لم يقدنا إلي ما ينفعنا في حاضرنا. فلابد من فهم الأصول اليونانية بتأكيد العالم الكبير رشدي راشد لكي نفهم نشأة الفكر الابداعي عند المسلمين. فهناك بعد اجتماعي لم يتوقف عنده الكثيرون وهو خاص بحقيقة نقل دواوين الدولة البيزنطية إلي العربية في خلافة الأموي هشام بن عبدالملك وما تبعه من نقل ابجديات المعرفة حتي جاء التوسع الكبير في حركة الترجمة عند تأسيس بغداد. مقارنة أدبية: ووسط هذا وذاك يبقي الأدب في كل عصر كاشفا لمدي التحضر والتقدم, ولهذا كانت مناقشة بعض الموضوعات الأدبية هي الجلسات الأكثر جدلا في المؤتمر الذي ضم ما يقرب من ثلاثين بحثا. نتوقف عندما قيل عن الأدب الجاهلي في ضوء نظرية مصادر التوراة. فالباحث د. أحمد هويدي رئيس قسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة يتعقب ما قاله المستشرق الايطالي جويدي من أن قصائد القرن السادس الميلادي تنبئ بأنها ثمرة صناعة طويلة, وأيضا ما قاله د. طه حسين بدعوته الي دراسة الأدب الجاهلي في ضوء الآداب السامية القديمة. أما د. أحمد سليم غانم فقد تناول علاقة التأثير في كتاب كليلة ودمنة. وإن كان هناك من ينظر بعين الاكتفاء الذاتي وعدم التأثر بالثقافات الأخري مثل عبدالله بن عمر اليمني في كتابه مضاهاة أمثال كتاب كليلة ودمنة بما أشبهها بأشعار العرب. فإذا كانت شعوبية العجم ظهرت بسبب التعنت ضد الموالي في الدولة الأموية, فإن الوجه الآخر للشعوبية يعمل علي ذم كل ما ينسب لهم من أدب خاصة في حضارة الفرس. والحقيقة أن كليلة ودمنة يضم حكمة الهند وجهود الفرس ولغة العرب وهو مشهد تكاملي لحضارة الشرقيين. أما نظرة الاكتفاء الذاتي والانعزالية وثقافة الجنس الواحد النقي فهي ما يمكن أن يهدم كل مظاهر الحضارة.