تناقشت عبر الفيسبوك مع ثلاثة من الباحثين غير الأمنيين وغير الشانئين للإخوان.دار النقاش أو التكاتب حول فرضية وضعها وصدقها باحث يزعم أن الإخوان حركة شاخت فكرا وقيادة. وباعتباري واحدا من الباحثين المتابعين للحركة من الداخل, أستشعر نوعا من التعسف في الحكم, وربما قصورا في منهج البحث. الرجل طبق نوعا من القياس علي مآلات الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي العربي. أعتقد مبدئيا أن قياس حركة إسلامية بوزن الإخوان علي تلك التنظيمات, ليس أمرا علميا. ثمة فوارق أو مسافات كتلك التي تبعد الأرض عن السماء. وقديما وصفت أنواع من القياس غير الجيد بالفساد, أو قيل قياس مع الفارق. إن الظاهرة الإسلامية, بتنوع أطيافها, كالشجر الوارف المتجدد بطبعه وبطبيعته. الثوابت والأحكام الربانية القرآنية المصدر, والسنية الشرح والتفصيل, لا تشيخ, وهي أيضا غير قابلة للتغيير أو الإضافة علي يد البشر; فلا اجتهاد مع النص. أما غير الثوابت فالاجتهاد فيها أمر واجب وحتمي لمسايرة التطور. ولعل رد النبي صلي الله عليه وسلم علي من سألوه عن تأبير( أي تلقيح) النخيل, دليل علي ضرورة البحث والتطوير: الرد النبوي هو كما نعلم أنتم أدري بشئون دنياكم. وأظن أن جوهر الفكر التنظيمي الإسلامي ذو طبيعة شبه ثابتة, لأن وسائله ومقاصده محدودة ومحددة. إنها:1- جماعية العمل الدعوي( أو بلغة العصر أفضلية العمل المنظم كفريق, حتي تحت الضغط),2- وانتخاب القيادة,3- وشورية صنع القرارات,4- الأخذ بيد العباد إلي خيري الدنيا والآخرة عبر منهج الله تعالي وابتغاء مرضاته. لقد كانت الوحدة أو الخلية التنظيمية الصغري منذ السيرة الحركية للنبي صلي الله عليه وسلم هي العشيرة. وقد تحولت اسما عند الإخوان إلي الأسرة. مضاعفات الأسرة تنظيميا ليست تهم فيها المسميات, كتيبة كانت أو مخيما. وقد نقل لنا مؤخرا الدكتور علي عبد الحليم أحد كبار التربويين الإخوان نقاشا بشأن الأسرة في التنظيم الإخواني, تحول إلي تحدي عدد من علماء الاجتماع المسلمين في أمريكا. كانت المناسبة انتقاد أولئك العلماء قدم وتاريخية الأسرة الإخوانية كوحدة تنظيمية أولي ومحضن تربوي. قيل لأولئك العلماء إذن فلتخلوا إلي أنفسكم يومين أو ثلاثة لعلكم توجدون لنا بديلا.عادت المجموعة بخفي حنين وأقرت بفشلها في إيجاد بديل. التنظيم إذن لا ولن يتغير كثيرا, ولن يشيخ أو يهرم أو يتجاوزه الزمن. وبالمناسبة قال صحفي ياباني كبير قبل نحو أربعة عقود إن اليابانيين عقب هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية وتدمير بلدهم, اعتمدوا لإعادة البناء, نظاما يشبه نظام الأسرة الذي ابتدعه حسن البنا في تنظيم الإخوان عام.1928 لقد استعصي التنظيم الإخواني علي من استهدفوا هدمه أو اختراقه طيلة أكثر من ثمانين عاما. وكان من حاولوا ذلك أعتي أجهزة الاستخبارات والقمع محليا وإقليميا ودوليا. إنه نفس الاستعصاء أو المنعة التي حالت دون تمكن قريش وامبراطوريتا الفرس والروم من دعوة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم. وعلي الصعيد الحركي الميداني أقول إنني واحد ممن عايشوا مطبخ الإخوان السياسي والإعلامي, عقب نحو ثلاث سنوات في مطبخ السلطة الساداتية. وقد توصلت إلي عكس ما انتهي إليه الباحث المجتهد القائل بشيخوختهم. لعل من أهم الأدلة الحية علي تجدد وديناميكية وشبابية حركة الإخوان, هو تلك الأجيال التي تسلمت القيادة في النصف الثاني من السبعينيات فأبدعت وأينعت. وعلي مدي الثلاثين سنة العجاف من حكم المخلوع مبارك توارثت أجيال ماهرة دؤوبة الراية في كنف الجيلين القديم والوسيط. لو حلل محلل المنتجات الحركية الإخوانية تحليلا علميا ربما وقف علي ما وقفت عليه. خذ أمثلة العمل بين الطلاب ثم المهنيين ثم أساتذة الجامعات, ثم العمال والفلاحين, وأخيرا العمل الخيري التكافلي المفتوح وسط المجتمع ككل, بعدما حاصرت السلطة القمعية وأغلقت كل المنافذ المؤطرة. لقد كان متوسط أعمار من أنجزوا هذه المنتجات الحركية إضافة إلي نجاحات البرلمان وبعض المجالس المحلية لا يزيد كثيرا علي الأربعين. ولو بحث الباحثون فيما أنجزه من شاركوا من الاخوان الشباب في ثورة يناير2011 فسوف يكتشف أن متوسط أعمارهم لا يتعدي الخامسة والعشرين. أما من يتطوعون حاليا في الشارع بالتنظيف والصيانة وخدمة الناس في الريف والحضر بلا كلل ولا ملل, فهم مئات الآلاف من الشباب والرجال والنساء والكهول. من أراد دليلا فليدقق النظر في المليونيات التي دعا إليها الإخوان, والصور موجودة وسهلة الاسترجاع. ليت باقي التنظيمات اليسارية والليبرالية والقومية والأحزاب الجديدة ترينا من أنفسها عطاء بخلاف الكلام والشعارات. إن الحركة الإخوانية تخطئ وتصيب فهي, قيادة وصفا, بشر من البشر, يصيبهم ما يصيب غيرهم في المجتمع من أمراض. لعل أهم ما يميز الإخوان عن سواهم ممن تداهمهم الأمراض هو الالتزام قدر الطاقة بمنهج الشوري وعدم التضحية بالثوابت العقيدية والعبادية في سبيل الدنيا. إن هذا الالتزام يشبه في رأيي المتواضع حرص الإنسان علي وسائل الوقاية قبل العلاج, وإذا داهمه المرض يهرع فورا إلي الطب والدواء, ويرفع يده إلي السماء. لمزيد من مقالات حازم غراب