علي مدار سنوات طوال, ولا تزال, مسابقات وزارة الأوقاف تعكس مستوي التعليم بالأزهر, والتي كثيرا ما كشفت عن خلل كبير وضعف شديد في مستوي خريجي الكليات الشرعية بالأزهر, وقبل ايام جاءت نتيجة مسابقة الأوقاف الأخيرة للأئمة والدعاة لتؤكد هذا الضعف والتدني الملحوظ في مستوي الخريجين.. فنحو تسعين بالمائة من بين ستة وخمسين ألف متسابق حصلوا علي أقل من خمسين بالمائة في امتحانات المسابقة, أما عن حفظ القرآن والحديث وإجادة اللغة العربية فحدث ولا حرج. الأمر الذي شدد معه علماء الأزهر وأساتذته علي أن الارتقاء بمستوي الأئمة والدعاة يبدأ من التعليم الأزهري, الذي يعد منبع العلم الشرعي وملاذ الأمة للدعوة ونشر الوسطية والاعتدال. وفي حين ثمن العلماء الدعوة التي أطلقها الإمام الأكبر قبل عام تقريبا لتطوير التعليم الأزهري, إلا أنهم طالبوا بالإسراع بتفعيل هذه المبادرة, والتركيز علي الكليات الشرعية, وأن تكون هناك إرادة جادة وآلية واضحة للتطوير, وأن يقوم علي التطوير الأكفاء المتخصصون من أهل البيت الأزهري أنفسهم بعيدا عن المجاملات والاعتبارات الشخصية, وأكد العلماء أنه لا مجال للتراخي في إصلاح التعليم الأزهري بكل قطاعاته, لاسيما بعد أن تراجع الإقبال عليه وارتفاع حالات التحويل من التعليم الأزهري إلي العام. في البداية لفتت الدكتورة آمنة نصير عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بالإسكندرية سابقا, ألي إن الأزهر بأمراضه وعلله أصابه الوهن والضعف في الحقب الأخيرة شأنه شأن جميع مؤسسات الدولة, وأشارت نصير إلي أنها غير راضية عن مستوي خريج الأزهر ليس في كليات الدعوة وغيرها من الكليات الشرعية فحسب بل في جميع الكليات والتخصصات. ولأن الأزهر لم يكن بمعزل عن باقي مؤسسات الدولة فلقد أصابه ما أصاب جميع المؤسسات من وهن وضعف خلال العقود الأخيرة. وقالت الدكتورة آمنة نصير إننا بحاجة إلي تجديد وتحديث المناهج والمقررات الدراسية بما يتماشي ومستجدات العصر الذي نعيشه, بحيث لا نقتلع عن الجذور وفي الوقت نفسه لا نغترب عن مستجات العصر الذي نعيشه, فلا يمكن لهذه الدراسات أن تنكفئ علي نفسها بشكل تقليدي في المناهج وطرق التدريس أو مستوي التنمية للطالب الأزهري في هذه التخصصات, نحن بحاجة إلي تغيير اساليب وطرق التدريس, وإعادة تأهيل الطالب الأزهري, لاسيما طلاب كليات الدعوة وتدريبهم علي اعتلاء المنابر, وكيفية التعامل مع القضايا المعاصرة ومواجهتها مواجهة إيجابية وإيجاد الآليات المناسبة للوصول إلي هذه الغاية, حتي يكون مؤهلا فكرا وثقافة موسوعية بدلا من الحفظ والتلقين, كي يتمكن من الرد علي جمهور المسجد ويتعامل مع المعطيات والمستجدات التي ستواجهه كداعية وخطيب في عصر التكنولوجيا والإنترنت والسماوات المفتوحة. واعتبر الشيخ محمود عاشور, وكيل الأزهر الأسبق, عضو مجمع البحوث الإسلامية أن رسوب المرشحين لاعتلاء المنابر في القرآن الكريم كارثة بكل المقاييس, مشيرا إلي أن القرآن والسنة هما الأدوات الأساسية للعالم والداعية, التي بدونهما لا يستحق أن يحمل هذا اللقب ولا أن يعتلي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم, ويرجح الشيخ عاشور أن يكون السبب في تدني نسبة الناجحين في مسابقة الأوقاف الأخيرة أنها فتحت الباب للخريجين من سنوات طويلة بما بها من تراكمات, فهناك من تجاوز تخرجه في الجامعة عشر سنوات ويعمل في غير مجال الدعوة ودفعته ظروف الحياة والمعيشة إلي احتراف مهنة أو حرفة لا علاقة لها بتخصصه, ومن ثم يصعب عليه مراجعة ما تلقاه في التعليم, وربما لا يجد الوقت الذي يقرأ فيه القرآن الذي حفظه بالجامعة. إصلاح حقيقي من جانبه أكد الدكتور محمد أبو زيد الفقي العميد الأسبق لكلية الدراسات العربية والإسلامية بكفر الشيخ أن الأزهر يحتاج إلي إصلاح جذري وليس جراحة تجميل, وطالب بإلغاء المعاهد فوق المتوسطة التي تم إلحاقها بجامعة الأزهر قبل نحو أربع سنوات, مشيرا إلي أن الأزهر تم تلخيصه في هذه المعاهد, وهو الأمر الذي أدي إلي تخفيض المنتج الصالح للدعوة حيث إنه بإنشاء هذه المعاهد تراجع عدد الملتحقين بالكليات الشرعية الدعوية من30 ألف داعية أو خريج يصلح للدعوة إلي3500 فقط! وهذا مؤشر في غاية الخطورة حيث إننا إذا كنا نشكو في السابق من ضعف خريجي الأزهر ودعاته فإننا في وجود هذه المعاهد لن نخرج دعاة أقوياء ولا ضعاف المستوي..وهذا يهدد الدعوة التي يعد الأزهر الحارس الأول لها. وطالب الفقي بإعادة تحقيق كتب التراث وتدريسها للطالب من خلال شرح جديد للأساتذة المتخصصين وليس بهيئتها التي هي عليها منذ مئات السنين. واعترف الفقي بأن الإصلاح يحتاج إلي إمكانات ووقت وقبل ذلك وبعده إرادة قوية وإدارة أقوي, غير أنه يري بالتوازي مع هذا التطوير المنشود ضرورة الإسراع بالبدء حاليا في الإصلاح بالناحية الإدارية وتفعيل الموجود من قوانين وما يوجد بها من آليات وضوابط كالحرص علي دور المعهد أو الكلية وإحضار المدرس في حصته طوال الوقت وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب, وعدم التهاون مع المقصر وغلق باب المجاملات والاستثناءات, ليكون الأزهر قدوة لغيره في الالتزام والضبط. وفيما يتعلق بالجامعة فيجب إعادة الثقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس ورئيس الجامعة, ولعل خضوع منصب رئيس الجامعة للانتخاب يعد الانطلاقة الأولي لهذا الأمر. وأشار الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية اصول الدين بالقاهرة إلي أن ضعف المستوي, هو حصاد سنوات طويلة مضت, كانت خلالها الدراسة في المرحلة قبل الجامعية ضحلة أو مضمحلة, فكان يأتي للجامعة ناتج ضعيف, رغم كثرة الملتحقين بالجامعة كل عام, وكان الكم أي عدد المقبولين بالجامعة دائما يأتي علي حساب الكيف أي جودة المستوي. وأشار إلي أنه كثيرا ما دعا إلي تقليص أعداد المقبولين وأن توضع ضوابط وشروط للقبول وهو ما سبق أن أعلنه بمجلس الجامعة عام2008 حيث طلب من رئيس الجامعة بأن يسمح ل250 طالبا فقط للالتحاق بكلية أصول الدين بالقاهرة, مشترطا أن يكونوا ممن يحصلون علي80% علي الأقل في الثانوية الأزهرية, ويحفظون القرآن الكريم كاملا حفظا جيدا وسليما وأن يطبق علي الطلاب المنهج المتبع في كلية الشرطة أو الكلية الحربية بأن يسكنوا جميعا بالمدينة الجامعية تحت إشراف نخبة من الأساتذة داخل المدينة بحيث يجمع الطالب بين الدراسة النظرية والتطبيقية, ويجعل صلاة الفجر في جماعة بالإضافة إلي قيام الليل والتهجد..وبذلك يمكنني أن أخرج250 داعية بعد أربع سنوات, لكن الجامعة حينها لم تستجب لهذا المقترح وأجدد الدعوة اليوم إلي تقليص العدد في الكليات التي يكون الكم فيها علي حساب الكيف, مع العناية بالكليات الأصلية( الشرعية), وأن توجه إليها من الميزانية ما يعينها علي التطوير, بدلا من أن توجه معظم الميزانية للكليات العلمية. مشاركة المتخصصين الأمر نفسه أكده الدكتور مصطفي عرجاوي عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بالقليوبية حيث أوضح أن أهم البرامج التي يقتضيها الإصلاح هي: الكتاب والأستاذ والظروف التي تتم فيها العملية التعليمية( المعهد أو الكلية), فلا ينبغي أن تضم معاهد غير مطابقة للمواصفات من حيث المساحة والمواصفات الفنية لمجرد ضم عدد من العمال أو المدرسين بها, فكل تلك المخالفات وغيرها التي تمت في السابق تحتاج إلي مراجعة, وهؤلاء المدرسون الذين تم إلحاقهم بالمعاهد بهذه الطريقة ينبغي أن تعقد لهم دورات لإعادة تأهيلهم ومن يتجاوب منهم يستمر ويبقي, ومن لا يستجيب يتم تحويله إلي أعمال إدارية. وركز الدكتور يسري محمد هاني عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية, أستاذ الدعوة بكلية أصول الدين بالمنصورة, علي الطلاب المرشحين لاعتلاء المنابر الدعوية مشيرا إلي أن تراجع مستوي خريجي جامعة الأزهر يرجع إلي عدة أسباب تتعلق بضعف مستوي التعليم في المراحل قبل الجامعية( الابتدائي والإعدادي والثانوي), فمستوي التعليم بهذه المراحل به ضعف شديد ومعلوم لدي الجميع مما يدفع بصفوف من الحاصلين علي الشهادة الثانوية الأزهرية للجامعة فنفاجأ بضعف المستوي العلمي والتكويني المتمثل في الضعف في حفظ وتلاوة القرآن الكريم, والفقر في اللغة العربية وآدابها, بالإضافة إلي ضعف الثقافة العامة. نقطة أخري يشير إليها د.يسري هاني وهي أن مكتب التنسيق لقبول الطلاب بكليات الدعوة لا يعني بالمواهب التي تناسب التخصص الذي سيذهب إليه الطالب, فلا تجري لطلاب الدعوة وأصول الدين اختبارات شخصية أو ثقافية لبيان المستوي المهاري والعقلي عند المتقدمين لها, وبالتالي نفاجأ بأن نسبة عالية من الملتحقين بكليات الدعوة ليست لها مؤهلات الداعية, والمعلوم أن الجامعة لا تنشئ طالبا وتؤسسه إنما تتلقاه من الثانوية لتسير به في الإجادة والمهارة. ويشير إلي أن المقررات التي تدرس بتخصصات الدعوة بالأزهر تحتاج إلي مراجعة ورأي المتخصصين, فهل يعقل مثلا أن تلغي مادة الخطابة العملية فيظل الطالب يدرس خطابة نظرية ولا يتدرب علي منبر ولا كرسي وعظ, وقال إن الجامعة منذ سنوات طويلة قامت بإلغاء مادة الخطابة العملية وأصبح الطالب يخرج من الكلية إلي المنبر مباشرة, وتساءل: هل يعقل أن يتخرج طبيب دون أن يري مريضا؟! بل الأمر الأشد مرارة, والكلام للدكتور يسري هاني, أن نري توصيفا جديدا للمقررات الدراسية بأقسام الدعوة, فإذا بنا نفاجأ بأن مادة الخطابة ألغيت من مقررات الفرقة الرابعة التي هي علي وشك التخرج حيث كان في السابق تخصص مادة الخطابة للفرقة الرابعة لدراسة خطبة الجمعة وفقهها والمهارات المطلوبة للخطيب, لكن بكل أسف ألغيت هذه المادة ووضعت مكانها مادة مقارنة الأديان, ولا ندري ما وجه الشبه والعلاقة بين المادتين. التدريب علي الخطابة ويري د.يسري هاني أنه لابد من التدريب العملي للطلاب علي الخطابة أثناء سنوات الدراسة بالكلية, مشيرا إلي أنه اقترح علي الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف بأن تتعاون الوزارة مع أقسام الدعوة بكليات الجامعة للعمل علي رعاية الطلاب وتدريبهم منذ الفرقة الأولي في مساجد الأوقاف وبإشراف الأساتذة المتخصصين كما هو الحال في كليات التربية, وأوضح أن وزير الأوقاف وعد بالعمل علي إنجاز هذا الأمر. كما أعد قسم الدعوة بكلية أصول الدين بالمنصورة مشروعا لعرضه علي الوزير والبدء بتطبيقه تمهيدا لتعميمه علي مستوي جميع الكليات.بحيث تفتح الوزارة مساجدها للتدريب المبكر واستخراج المواهب وتهذيبها حتي تري المنابر خطيبا بعد إعداده إعدادا جيدا, خاصة أن علماء الخطابة يجمعون علي أن الخطابة موهبة ودراسة وتقوم بالأساس علي التدريب. في السياق نفسه دعا د.هاني وزارة الأوقاف إلي ابتكار وسائل جديدة في اختبار الأئمة وإتباع معايير موحدة تعتمد علي التخطيط التربوي الحديث لتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المتقدمين, بأن يتم جمع متسابقي كل محافظة في إحدي الكليات ثم يعقد امتحان تحريري موحد في القرآن الكريم والثقافة العامة لجموع المتسابقين علي مستوي الجمهورية في وقت واحد, بدلا من الامتحان الشفهي الذي يتم في خمس دقائق للمئات من الطلاب, ومن ينجح في هذا الامتحان يجري له مقابلة شخصية للتأكد من توافر مقومات الداعية فيه. برامج جديدة الدكتور حسين عباس الأنصاري بطب الأزهر دعا إلي استحداث برامج تعليمية جديدة للمراحل الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية الأزهرية لتخفيف العبء عن الطلاب ورفع مستواهم التعليمي, ومساعدتهم علي استيعاب المواد المقررة عليهم بطريقة سهلة. واعتبر أن ذلك حق مهضوم لطلبة الأزهر يخوله لهم الدستور والقانون أسوة بما تم في مراحل التعليم العام لجميع الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية منذ سنوات عديدة في حين أن هذه البرامج لا تقدم لطلاب الشهادات الأزهرية في المواد الشرعية من فقه وحديث وتفسير وعقيدة وغيرها, رغم أنهم في حاجة ماسة إلي تقديم هذه المقررات في صورة مبسطة تعينهم علي تخفيف ما يحملونه من أعباء ثقال بسبب ما هو مقرر عليهم من منهجين كاملين: منهج التربية والتعليم, ومنهج الأزهر. وللتغلب علي ضعف مستوي الخريجين في حفظ وتلاوة القرآن الكريم, يقترح الدكتور حسين الأنصاري إجراء بعض تعديلات علي عدد سنوات الدراسة بالمراحل قبل الجامعية وأن تكون المرحلة الابتدائية أربع سنوات فقط يتم تخصيصها لحفظ القرآن الكريم فقط إلي جانب بعض المعلومات البسيطة التي تناسب سن الطالب في هذه المرحلة, ويكون الطالب في هذه المرحلة قد بلغ العاشرة من عمره, وهو يحفظ القرآن الكريم كاملا وذلك أقوي سلاح لتأدية رسالته فيما بعد. وطالب الأنصاري بعودة مدة الدراسة في المرحلة الإعدادية إلي أربع سنوات كما كانت في السابق, حتي يستطيع الطالب أن يلم بالمنهجين, منهج الأزهر, ومنهج التعليم العام..وذلك مع اختصار كم مقررات التعليم العام فقط, من دون المساس بمنهج المواد الشرعية. هذا بالإضافة إلي عودة مدة الدراسة للمرحلة الثانوية إلي خمس سنوات أو أربع سنوات علي الأقل, حتي يمكن للطالب استيعاب المنهجين ويكون الاختصار في مقررات التعليم العام إذا لزم الأمر, علي أن يراعي امتحان الطالب في القرآن الكريم كاملا شفهيا وتحريريا كل عام حتي يحافظ عليه, وبذلك يمكن أن نضمن تخرج عالم أزهري ينفع نفسه وينتفع به الناس.