مع بدء مفاوضات مصر مع بعثة صندوق النقد الدولي والتي تعقد اليوم وتستمر لمدة أسبوعين, استبعد هاني قدري, مساعد أول وزير المالية, وجود تباين في وجهات النظر بين مصر والصندوق. مشيرا إلي أن البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي بجوانبه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتطوير المؤسسي, تتفق مع ما هو مطلوب تحقيقه لإعادة بناء الثقة في الاقتصاد المصري. كشف مساعد أول وزير المالية في تصريحات لمندوب الأهرام شريف جاب الله عن أن مصر تستبعد أي إصلاحات تقشفية مثيلة لتلك المتخذة في دول أوروبا كقبرص, والبرتغال وإسبانيا, والتي تم فيها تقليص الأجور وإلغاء بنود في الانفاق الاجتماعي وبحث فرض ضرائب علي الودائع. وقال إن الاتفاق مع الصندوق لم يتطرق لأي من هذه العناصر.. ولكن ما سيتم هو إعادة هيكلة وترتيب أولويات الإنفاق العام.. ودلل علي ذلك بأن في الوقت الذي تقوم فيه الدول الأوروبية السابقة بتقليل العمالة, تقوم مصر بالعكس, حيث تقوم بتثبيت600 ألف عامل مؤقت.. كذلك لا يتم في مصر الحديث عن خفض الأجور, بل العكس هو الصحيح, حيث سيتم ضم علاوة مايو2008 بنسبة30% للمرتب الأساسي من راتب مايو المقبل, وبتكلفة17 مليار جنيه, وهو ما يعني تفعيل هذه العلاوة علي الأجر المتغير أيضا وليس علي الأجر الأساسي فقط, ويمثل الأجر المتغير عادة ما بين55 و65%, مما يحصل عليه الموظف. وقال قدري: إنه سيتم توفير التمويل السابق من إعادة ترتيب الأولويات في الموازنة, فهناك إجراءات لترشيد دعم الطاقة التي تفيد الأغنياء أكثر من الفقراء من خلال تطبيق منظومة البطاقات الذكية, أو التحريك المباشر للأسعار بالنسبة للصناعات والسياحة عدا الصناعات الغذائية, وذلك من خلال برنامج زمني يتم الاتفاق عليه مع المعنيين. وأشار إلي أن الإجراءات السابقة تستهدف إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام وبما يسمح بتخفيض عجز الموازنة, وإتاحة موارد لفئات معينة من المجتمع بعيدا عن سياسات تقشفية تنتهج خطوات لتخفيض الإنفاق علي الأجور, أو التعليم أو الصحة أو الجوانب الاجتماعية. مشيرا إلي أن سياسة ترتيب أولويات الإنفاق تشمل توسيع القاعدة الضريبية لتشمل أنواع من الأرباح والفوائض التي لا تعني الفقراء لكنها خارج المظلة الضريبية لأسباب انتفت الحاجة إليها في الوقت الراهن, مثل الضريبة علي توزيعات الأرباح والضريبة علي الاستحواذ والأرباح الناتجة عنه والرسم المقترح علي التعامل في البورصة.. فهذه كلها توسيع في القاعدة الضريبية, وسيتم توزيع هذه الموارد لتمويل برامج موجهة مباشرة للفقراء مثل معاش الضمان الاجتماعي سواء بزيادة عدد المستفيدين أو زيادة قيمة المعاش, وتوجيه50% من حصيلة الضريبة العقارية لصندوق تطوير المناطق العشوائية والتنمية المحلية, مع إعطاء وزن أكبر للمحافظات الأكثر فقرا لإعادة تدوير الفوائض. وحذر هاني قدري, مساعد أول وزير المالية, من أنه إذا ما استمر إرجاء الإصلاح واستمرت حالة عدم الاستقرار المنشود وطالت مسألة تعطيل الإنتاج, فلابد ان ألا نستبعد ان نضطر في أي يوم لاتخاذ إجراءات تقشفية تماثل ما اضطرت إليه دول أوروبا. وأكد أن الأولوية خلال المرحلة المقبلة تتمثل في خفض عجز الموازنة لارتباطه بمكونات عديدة, منها تشغيل القطاع الخاص والاستثماري, حيث يؤدي عجز الموازنة العامة للدولة إلي زيادة الطلب علي التمويل المتاح في الاقتصاد, وهو ما يضع ضغوطا علي تكلفة هذا التمويل, وبالتالي زيادة الفائدة عليه, مع العلم بأن زيادة الفائدة بنسبة1% تزيد العبء علي الموازنة ب9 إلي10 مليارات جنيه سنويا لو استمرت الزيادة لمدة سنة.. وبالتالي فالمطلوب كضرورة حتمية لتشغيل القطاع الخاص والاستثماري هو خفض سعر الفائدة لمستويات تنافسية مع دول الشركاء الاقتصاديين, وهو ما يتطلب خفض عجز الموازنة العامة وزيادة الإنتاجية والإنتاج. وقال قدري: نأمل مع الانتهاء من برنامج صندوق النقد الدولي وإذا ما وفقنا في المفاوضات وعودة التدفقات المالية من الخارج نتيجة استعادة الثقة في الاقتصاد المصري أن تنخفض أسعار الفائدة ما بين3% و4% في المتوسط خلال العامين المقبلين. وردا علي تساؤل حول ما إذا كان برنامج الإصلاح الاقتصادي المقدم لصندوق النقد الدولي يحظي بتوافق مجتمعي, حيث إن تلك أهم محددات نجاح تنفيذه وقبول المواطنين له, خاصة أنه يتضمن إجراءات تحتاج لتضحيات مثل ترشيد الدعم والضرائب الجديدة. وردا علي ذلك, قال قدري: لقد تم الأخذ بالمقترحات التي تحقق ما بين المصلحة الاقتصادية للبلاد وبين رغبات المجتمع.. بتوازن بقدر الإمكان.. لأن هناك تباينا واضحا في الآراء لكل فيصل, ومن ثم فنحن حاولنا الوصول لنقطة وسط.. وهو ما تقدمنا به من خلال التعديلات التشريعية المطروحة حاليا علي مجلس الشوري, وبحيث تعكس نتيجة الحوار المجتمعي.. إلا أنك لا تستطيع أن ترضي جميع الأطراف إرضاء كاملا.. في ضوء ذلك لن تكون هناك نقاط خلافية كبيرة بين مصر والصندوق, خاصة أن الأسلوب الجديد للمؤسسة الدولية هو أن يتم الاتفاق علي الأهداف المالية والاقتصادية, ونترك اختيار السياسات التي تحقق هذه الأهداف للدولة. فالإصلاحات الضريبية هي ناشئة عن رؤية وطنية للجوانب المطلوب إصلالها في المنظومة الضريبية, كذلك برامج الحماية الاجتماعية المقترحة نابعة من رؤية وطنية.. الصندوق يمتحن هذه الإجراءات ومدي قدرتها علي تحقيق الأهداف التي يتم الاتفاق عليها نهائيا, ويعطيك بعد ذلك شهادة جدارة. ويقول قدري إن المشاورات بين الجانبين لم تتوقف قط, وشاركنا الصندوق بالتعديلات المطروحة علي مجلس الشوري بعد الانتهاء من الحوار المجتمعي وشاركناهم في الحوار المجتمعي وعناصره, من هذا المنطلق, آمل ألا تكون هناك معطلات كبيرة في المفاوضات القائمة, إنما هناك أمور أخري تخرج عن نقاط السياسة الاقتصادية وتتمثل في التوافق السياسي وعناصر الأمن والاستقرار, وهي متطلبات واجب توافرها حتي يكون هناك اطمئنان لنجاح تنفيذ البرنامج.. فالمسألة ليست الوصول لاتفاق, ولكن تنفيذ ما به من سياسات خلال المدي الزمني للبرنامج, وهو ما يتطلب هدوء وتوافقا وعودة استقرار العمل.