من ينظر إلي مجريات الأحداث في مصر يجدها تتقلب فوق حديد ساخن, ولم تهدأ منذ بدء الثورة إلي الآن, وأهم هذه الأحداث هو ما يثيره بعض الأحزاب الدينية وإن كان في خفاء من نية مرشحيها الدخول في معترك انتخابات رئاسة الجمهورية, وخوف الكثير من هذا الأمر وانقسامهم إلي فريقين, فريق يعتريه القلق وهم الأقباط, وفريق يتحفظ وهم المسلمون, وأنا انتمي إلي الفريق الثاني وعندي أسباب التحفظ. ولا ضرر في رأيي من أن يكون الرئيس القادم منتميا إلي الجناح الديني ولكن بشروط, فالدولة الإسلامية التي حكمت بالشريعة والدين لم تستمر أكثر من أربعين سنة منذ أن أرسي دعائمها رسول الله صلي الله عليه وسلم وأقام دولته الإسلامية بالمدينة المنورة, ثم حذا الخلفاء الراشدون حذوه وساروا علي نهجه من بعده, حيث كانت شئون كل من الدين والحياة تسيران معا وعلي وتيرة واحدة دون تناقض بينهما أو اختلاف في مذهبهما, وما كان ذلك ليتم إلا بفضل ورعهم وفهمهم الصحيح لأمور الدين والحياة. انظر إلي الرسول وعدله ورحمته عندما كان يشدد علي قائديه في غزواتهم بألا يقطعوا شجرة أو يهدموا بيتا أو صومعة بها راهب أو ديرا به ناسك وألا يروعوا الأطفال والنساء, علي الرغم من أنهم ليسوا علي ملة الإسلام, ثم انظر إليه في معاملته الحسنة مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه في بداية الدعوة ثم عاده في مرضه فبهت اليهودي وتعجب من سماحة النبي فما كان منه إلا أن نطق بالشهادتين ودخل في زمرة المسلمين. فهل الرئيس القادم من الجماعات الاسلامية يعامل غير المسلمين بهذه السماحة, ثم انظر إلي سيدنا أبي بكر الصديق(11 ه 13 ه) عندما تولي أمور الخلافة وتلا علي الناس موثقه وعهده: أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني, وإن أسأت فقوموني.. ألا إن الضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له, ألا إن القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه, اطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم.ثم انظر إلي رقته ورحمته وهو يحلب الشياه للعجائز ويعجن بيديه خبز الأيتام. ثم انظر إليه وهو الموصوف باللين في حربه ضد المرتدين إذ شمر عن ساعده وكشر عن أنيابه وأرسل الجيوش لمحاربتهم بكل شدة وبلا هوادة حتي كانت له الغلبة والنصر وأعاد دولة الإسلام إلي سابق عهدها أيام الرسول بعد أن كادت فتنة المرتدين تطيح بها, حتي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: لقد قمنا بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم مقاما كدنا نهلك فيه لولا أن من الله علينا بأبي بكر فهل الرئيس القادم سيكون لينا وشديدا في آن واحد وبما تقتضيه الظروف لكل حالة أم سينهج أحد النهجين ويهمل الآخر؟ ثم انظر إلي عمر بن الخطاب(13 ه 23 ه) عندما صعد المنبر يوما فقال: يامعشر المسلمين ماذا تقولون لو ملت برأسي إلي الدنيا هكذا؟ فيشق الصفوف رجل ويقول وهو يلوح بذراعه كأنها حسام ممشوق: إذن نقول بالسيف هكذا! فيسأله عمر: اياي تعني بقولك؟ فيجيب الرجل بلا خوف: نعم إياك أعني بقولي. فتضئ الفرحة وجه عمر ويقول: رحمك الله والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوم عوجي.تري ماذا سيكون حال الرئيس القادم لو تعرض لمثل هذا الموقف, هل يحذو حذو عمر بن الخطاب أم سيأمر رجال أمن الدولة بالقبض عليه ودق عنقه أو سجنه في أحسن الأحوال؟ وانظر إلي شهادة أحد الأعداء في حق عمر وعدله عندما رآه نائما قرير العين تحت ظل شجرة فقال: حكمت فعدلت فنمت آمنا يا عمر.. فهل الرئيس القادم سيكون عادلا بحيث ينام قرير العين وكذلك رعيته؟ ولن أتحدث عن مآثر عثمان بن عفان(24 ه 35 ه) وعلي بن أبي طالب(35 ه40ه) وعمر بن عبدالعزيز(99 ه 101 ه) وغيرهم. والسؤال: هل لدي الأحزاب الدينية مرشح للرئاسة يتصف باللين مع الشدة والحزم مع العدل ويسير علي نهج الخلفاء ولا يعرف الظلم له طريقا, يمسك دفة الدين بيد ودفة السياسة باليد الأخري, فلا تقوي واحدة علي الأخري, فإذا طغت دفة الدين فليترك أمرها لرجال الدين ويكتفي منهم بالنصح والمشورة ويكتفون منه بالرعاية والحماية بما لديه من مؤسسات لها قوة القانون وسلطة التنفيذ. فمن يمتلك هذه الصفات ويجدها في نفسه بلا رياء أو تكلف مع أني أشك في ذلك فليتقدم مرشحا نفسه وسنكون له عونا وسنرفع من شأنه ونشد من أزره.. أما إذا لم يكن يتمتع بها فليبتعد عنا وليتنح جانبا ويتركنا وشأننا. وأخيرا أقول: إن الحكم المدني الديمقراطي هو أنسب طرق الحكم لمصر في وقتنا الراهن, حيث إن التربة غير خصبة والأجواء غير مؤهلة لاستقبال حكم إسلامي يطبق أحكام الشريعة بكل حذافيرها تطبيقا يرضي عنه الله ورسوله, فالعقول مازالت قاصرة علي فهم الدين وارتباطه بالسياسة فهما صحيحا, وهناك دائما متشددون لديهم الاستعداد في أي وقت للاختلاف وإثارة المشكلات في توافه الأمور التي لا يقف عندها الدين. محاسب صلاح ترجم حلوان