وزير الأوقاف: مواقف الرئيس السيسي الثابتة تجاه سيناء موضع تقدير كل مصري    "آمنة" يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    ارتفاع عجز الميزان التجاري الأمريكي 12 % في مارس الماضي    وزارة التخطيط تشارك في الدورة العاشرة للمنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة    الأسواق الأوروبية تغلق على انخفاض .. وارتفاع أسهم التعدين 1.9%    أمريكا وفرنسا تطالبان بفتح تحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة    روسيا تدرس خيار خفض العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن    قبل مواجهة دريمز، قنصل مصر بغانا يؤكد تذليل كافة العقبات أمام بعثة الزمالك    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    مدرب يد الزمالك يوجه رسائل تحفيزية للاعبين قبل مواجهة أمل سكيكدة الجزائري    النيابة تعاين موقع العثور على جثة في ظروف غامضة بأكتوبر    «القطر مش هيتأخر».. مواعيد القطارات المتحركة بالتوقيت الشتوي بعد تطبيق الصيفي    الحكاية خلصت برجوع الحق، طرح بوستر جديد لفيلم السرب    10 ليالي ل«المواجهة والتجوال».. تعرف على موعد ومكان العرض    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    خالد الجندي: مصر لن تفرّط في حبة رمل من سيناء    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    تواصل عمليات توريد القمح للصوامع بالمحافظات    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    "إكسترا نيوز": معبر رفح استقبل 20 مصابًا فلسطينيًا و42 مرافقًا اليوم    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    بعد إعلان استمراره.. ثنائي جديد ينضم لجهاز تشافي في برشلونة    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    رابطة الحكام الإيطالية تختار طاقم تحكيم نسائي للمرة الأولى في الدوري الإيطالي    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    إصابة ربة منزل سقطت بين الرصيف والقطار بسوهاج    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    أول تعليق من ناهد السباعي بعد تكريم والدتها في مهرجان قرطاج السينمائي    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحريك الفتنة االطائفية بأيد علمانية
نشر في الشعب يوم 14 - 10 - 2006


بقلم: أ.د. يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]



جريدة الغد : متى كان لها اهتمامات علمية أو دينية ؟؟
جريدة الفجر : متى كان لها اهتمامات علمية أو دينية ؟
وأخيرا يصدر كل منهما ملفا كاملا ضد طائفة من أكرم الصحابة ممن لهم علاقة بأحداث الفتنة الكبرى وضد أم المؤمنين السيدة عائشة التي كرمها الله في كتابه ودفع عنها في قرآنه ورضي عنها بين خير خلقه ... وأدان ظالميها بقوله تعالى :
( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل منهم ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) 11 النور
( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين )16- 17 النور
( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )23 النور
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) 58 الأحزاب

لكن هواة الطائفية لايتعظون ، بل ينهضون للنفخ في النار ، وتحريك الفتن الملعونة بيد الأشرار
ثم يأتي إتهام الشيعة بإصدار هذين الملفين - لمحاولة اختراق مصر بعد أن تم اختراقها من المسكوت عنهم ممن هم أكثر فسوقا وأشد عداء منهم . أو بعد أن قام عدوها التاريخي باختطافها ، وفقا لمقال الدكتور حسن نافعة الأخير
والبقية تأتي
لماذا الآن ؟
الآن
في سياق هجمة البابا البنديكت ، والرسوم الدانمركية ومطاردة الإسلاميين باسم الإرهاب ، والتشكيك في صحيح البخاري ومسلم والسنة عموما باسم العقلانية والعصرانية .. و" الجهل " العلمي !!
وفي سياق انهماك العدو التاريخي بزرع الفوضى " البناءة !! " في مستنقع القتل في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين وأفغانستان وباكستان والسودان ، والبقية هي الأهم وهي على رأس القائمة ...
في هذا السياق تنشط العلمانية لتحريك مستنقع الفتن - والفتنة أشد من القتل - فيما بين مكونات الأمة الإسلامية بين القوميات ، والألوان والطبقات والأديان والطوائف والمذاهب والأحزاب والقبائل .
لحساب من ؟
من المستحيل أن يكون لحساب الإسلام أو لحساب طائفة منه ، فالدمار كان وما يزال يصيب جميع المسلمين في المقاتل
من المستفيد إذن ؟
إنه لحساب من انهمكوا في ضرب مايسمونه " التابوه " و " فرش الملاية " لما يسمونه " المسكوت عنه "
إنه لحساب العلمانية ، ولحساب العلمانية أولا وأخيرا
العلمانية التي رسمت استراتيجيتها في اقتلاع الإسلام على أساس الادعاء بفشله في التطبيق منذ وقوع الفتنة الكبرى ، ومن ثم فإن عليه أن يستقيل من التاريخ ...وفقا لما كتبه طه حسين عن " الفتنة الكبرى ، وفؤاد زكريا عن فشل الإسلام ، وما كتبه أسامة أنور عكاشة الذي استهل دورة جديدة من المعركة في مصر بشتم عمرو بن العاص منذ شهور قليلة !!.
فهل لنا أن نتغابى أو ننسى أوندعي النسيان ؟
أخيرا فما سبب هذا الهجوم المكثف في هذين الملفين ؟
في تقديري أنها العلمانية من أمام ومن وراء وراء .
العامانية العدو الحقيقي المشترك لكافة الاتجاهات الإسلامية وإن تسترت بحسب المناسبات .
العلمانية المتربعة على عروش الحكم والأحزاب والتشريع والتخطيط والثقافة والصحافة والإعلام والصفقات السياسة ، والسلطة والتوجيه
العلمانية التخريبية رسول الاستعمار والصليبية والصهيونية واللادينية منذ أكثر من مائة عام
العلمانية العاملة على تخريب التاريخ الإسلامي سعيا نحو إسقاط مشروع النهضة الإسلامية منذ سقوط الخلافة العثمانية
العلمانية المشرفة على دراسات التاريخ الإسلامي في جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا : منتشية بجهل أبنائه وسذاجة أنصاره وكيد خصومه على السواء
إنها العلمانية وقد استردت أخيرا "منجمها الذهبي " في طعن الصحابة أولا ، وصولا إلى تخريب أساسيات الإسلام وتخريب التاريخ الإسلامي ، لا لحساب طائفة بعينها ولكن لحساب القضاء على مستقبل الإسلام السياسي ، وهو هدفها الاستراتيجي في دعوتها إلى استبعاد الدين.. وأخيرا لحساب إسرائيل بعد صعود نجم المقاومة الإسلامية على المستوى الشعبي في جميع البلاد الإسلامية ، وهي تعمل في هذا المشوار الطويل لهدم الشيعة والسنة والإسلام كله على حد سواء .

العلمانية وقد جاءتها فرصة عمرها الذهبية مجانا مشتاقة تسعى إلى مشتاق فهبت تدخل من أوسع الأبواب دون حاجة إلى دعم مالي من هذا أو ذاك ، بل لتكسب الثروات في ترويج صحفها الصفراء باسم المشروع الشيعي أو باسم التخويف منه على حد سواء
إنها خطتهم الثابتة في تخريب التاريخ الإسلامي سواء عن طريق المحو : بطمس أهم معالمه .
فإن لم يمكن طمسها فعن طريق التشويه : تشويه أهم دعائمه
أو عن طريق تجميل تاريخ العدو بزعم كونه رسول الحضارة والديموقراطية والعلم والتقدم ، وتبرئته من ارتكاب المجازر التاريخية الكبرى تحت راية التعصب والعنصرية والحقد الصليبي والامبريالية
تخريب التاريخ الإسلامي سعيا إلى إسقاط الثوابت القطعية كما هو معلوم ، سعيا إلى نسف المشروع الإسلامي عدو المشروع العلماني في الأساس

أما عن محو التاريخ الإسلامي فقد جرت المحاولات بطمس فجره وضحاه ، وثمانمائة عام من تاريخه في أسبانيا ، وطمس محاولته فتح فرنسا !! ومحو حضارته في شرق أوربا وحوض البحر الأبيض ، واستهداف مسلميه في أفريقيا بتجويعهم تحت غوايات التبشير ، ومحاولات دفن حضارته في الشرق الأوسط جميعا ، ومحو رسالته في نشر الحرية ضمن جهاده في نشر عقيدة التوحيد ، وتجاهل منهجه في الربط بين " العلم والعمل " وتأسيس المنهج التجريبي ، ومن ثم بعث الحضارة الإسلامية وتوريثه للحضارة الغربية بالتالي إلخ

وأما الاتجاه الثاني : في تشويه مالا يمكن محوه من ذلك فنجده في تاريخ الصحابة ، وتاريخ الدولة الأموية ، والعباسية ، والعثمانية ومصر أثناء الحملة الفرنسية أيضا .


ولقد بدأ الغزو العلماني هنا بالتركيز على الصحابة والتابعين ، كأنما لم يجد العلمانيون مجالا يكتبون فيه بحوثهم أو مقالاتهم أو قصصهم إلا فترات الفتنة التي لا تتعدى بضع سنين هنا أو بضع سنين هناك ، وهي فترة تتيح لهم التخفي وراء الفتنة الطائفية بحسب المناسبات !! :
إنهم يكتبون عن " الفتنة الكبرى " ، و" يهمشون السيرة النبوية " بجعلها أساطير كأساطير اليونان، ويكتبون عن " الحسين ثائرا " أو ثأر الله" ، ويكتبون عن عليّ رضي الله عنه وكرم وجهه : " إمام المتقين" ، فمن يكون محمد إذن ؟ صلى الله عليه وسلم ، ويقدمون أولاد حارتنا في متاهة البحث عن الدين ، ويكتبون عن يزيد ، والحجاج .. وقرأناهم ، واستمتع بعضنا بهم ..وانزلق بعض رجال الدعوة الإسلامية ووقعوا في الفخ ، وصاروا يوجهون سهام نقدهم إلى فترات التاريخ الإسلامي ، ولا يجدون فيه – انسياقا مع هذا المخطط - فترة تستحق الاحترام غير الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم ، أو بعضهم في بعض الأحيان . فسهلوا على الغزاة اقتحام بقية الحصون . وصار المسلم المعاصر يشعر بالعار أمام تاريخه الطويل سواء سكت الساكتون أمام هذه الطعون ، أو أثاروها حربا شعواء من جديد .. فكيف له أن يحلم بالرجوع إليه .
وجاء العلمانيون – أخيرا – ليحصدوا الثمار قائلين : ها لقد فشل الإسلام تاريخيا ، فعليكم أن تواروه التراب .
لو كنا على وعي كاف بأبعاد المعركة لقاومنا هذا التيار ، ودافعنا عن الصحابة دفاعنا عن شرفنا وكرامتنا وهويتنا ووجودنا ، ، عن جميع الصحابة ، ومن جاء بعدهم ، أن نغار على تاريخنا إن لم نتعصب له ، من منطلق إيماننا واستنادنا إلى ما هو أقوى من رواياتهم المكذوبة بحكم المنهج العلمي الصحيح .
فالله سبحانه وتعالى يقول : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) 110 آل عمران ، ويقول : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) 8 التحريم ، ويقول : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) 18 الفتح ،ويقول ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، ) 29 الفتح ، والمراد بمن معه – عن ابن عباس رضي الله عنهما – من شهد الحديبية ، أهل بيعة الرضوان ، الذين بايعوه تحت الشجرة ، وكان عددهم 1115 صحابيا . وقال جمهور العلماء : المراد بهم جميع أصحابه صلى الله عليه وسلم .
وفي الصحيحين ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، وروى الترمذي بسنده عنه صلى الله عليه وسلم قوله : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
. ويقول صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما ، ولا أعلم له علة .
وفي الصحيحين ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، وقد جمعهم الله تعالى في آية واحدة هي قوله تعالى : (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) 100 التوبة ، ولا يرضى الله إلا عمن علم حسن خاتمتهم ووفاتهم على المحجة البيضاء .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) نجد طائفتين من الأئمة والعلماء : من يستشهدون به على فضل الصحابة .
ومن يحكمون بضعفه – أو بوضعه – من ناحية سنده ، لكن بعض هؤلاء كالحافظ ابن حجر العسقلاني فهو بعد أن يذكر أوجه الضعف في سند الحديث { حديث أصحابي كالنجوم .. } يذكر ما قاله الإمام البيهقي في صحة معناه ، لتطابقه مع معنى الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم بلفظ استنادا إلى حديث آخر صحيح أخرجه مسلم بسنده عن أبي بردة عن أبيه قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء ، قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم ههنا ؟ قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء ، قال أحسنتم أو أصبتم . قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ، فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )
وممن استشهد بحديث ( أصحابي كالنجوم ) ابن عبد البر في كتابه التمهيد ج 4 ص 263- 267 بعد حكايته خلافا بين ابن عباس والمسور بن مخرمة رضي الله عنهم في حكم غسل رأس المحرم : ورجوعهما في ذلك إلى أبي أيوب الأنصاري ، وأخذهما بما نقل أبو أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال ابن عبد البر : ( وهذا يبين لك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : أصحابي كالنجوم ) هو على ما فسره المزني من أهل النظر أن ذلك في النقل ، لأن جميعهم ثقات مأمونون عدل ، فواجب قبول ما نقل كل واحد منهم ، وشهد به على نبيه ) .
وفي تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري ج10ص155 –156 بعد شرح حديث" أنا دار الحكمة وعلي - أي ابن أبي طالب رضي الله عنه - بابها " أي الذي يدخل منه إليها ، وأنه لا يعني أن عليا بابها الوحيد يقول : ( ومما يدل على أن جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قوله صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " )
وجاء في المغني لابن قدامة المقدسي ج 3 ص 269 بعد أن ذكر قضاء الصحابة في بعض أحكام الصيد في حالة الإحرام : ( ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم ) وقال ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) ولأنهم أقرب إلى الصواب وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي ).
وقال القاري في شرح قوله صلى الله عليه : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به ..كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) – فيما نقله عنه المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي ج10-ص196 : ( والمراد بالأخذ عنهم التمسك بمحبتهم .. وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) .
وفي رسالة العلامة الشيخ عبد الحي اللكنوي الهندي الموسومة بإقامة الحجة ما نصه : ورد كثير من الأحاديث الدالة على الاقتداء بسيرة الصحابة كحديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " أخرجه الدارقطني في المؤتلف ، وفي كتاب غرائب مالك ، والقضاعي في مسند الشهاب ، وعبد بن حميد ، والبيهقي في المدخل ، وابن عدي في الكامل ،والدارمي ، وابن عبد البر ، والحاكم ، وابن عساكر ، وغيرهم ، بألفاظ مختلفة المبنى ، متقاربة المعنى بطرق متعددة ، كلها ضعيفة كما بسطه الحافظ ابن حجر في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف لكن بكثرة الطرق وصل إلى درجة الحسن ، ولذلك حسنه الصاغاني ، صاحب العباب في اللغة ، كما ذكر ذلك الجرجاني في حاشية المشكاة )[1]
( النجوم أمنة أهل السماء ) إلخ: ثم يقول : قلت : صدق البيهقي فهو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة ، وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض والله المستعان اه

ونذكر هنا ردا على من يهاجمون الصحابة من حيث ما وقع بين بعضهم من اختلاف ما روي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان يقول : ما سرني لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة " ،.

وفي كشف الخفاء لابن العجلوني ج1 ص 66- 68 في حديث (اختلاف أمتي رحمة ) جاء قوله :
( قال في المقاصد : رواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى بسند منقطع عن ابن عباس بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعملَ به ، لا عذر لأحد في تركه ، فان لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية ، فإن لم تكن سنة مني فما قاله أصحابي ، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء ، فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة " ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني والديلمي بلفظه وفيه ضعف .
وعزاه الزركشي وابن حجر في اللآلئ لنصر المقدسي في الحجة مرفوعا من غير بيان لسنده ولا لصاحبه .
وعزاه العراقي لآدم بن أبي إياس في كتاب العلم والحكم بغير بيان لسنده أيضا بلفظ : اختلاف أصحابي رحمة لأمتي ، وهو مرسل ضعيف .
وبهذا اللفظ أيضا ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية بغير إسناد ، وفي المدخل له عن القاسم بن محمد من قوله "اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لعباد الله " وفيه أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول : ما سرني لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة " وفيه أيضا عن يحيى بن سعيد أنه قال : اختلاف أهل العلم توسعة وما برح المفتون يختلفون فيحلل هذا ويحرم هذا فلا يعيب هذا على هذا .
ثم قال في المقاصد أيضا : قرأت بخط شيخنا يعني الحافظ ابن حجر: أنه حديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في مباحث القياس بلفظ " اختلاف أمتي رحمة للناس " وكثر السؤال عنه ، وزعم كثير من الأئمة انه لا أصل له ، لكن ذكره الخطابي في غريب الحديث مستطردا فقال : اعترض هذا الحديث رجلان ؛ أحدهما ماجن والآخر ملحد ؛ وهما إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ ، وقالا : لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ، ثم تشاغل الخطابي برد كلامهما ولم يشف في عزو الحديث ، لكنه أشعر بأن له أصلا عنده ، ثم قال الخطابي والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام : الأول في إثبات الصانع ووحدانيته وإنكاره كفر ، والثاني في صفاته ومشيئته وانكارهما بدعة ، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوها ؛ فهذا جعله الله رحمة وكرامة للعلماء ، وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة . انتهى .
وقال الإمام النووي في شرح مسلم : ولا يلزم من كون الشيء رحمة أن يكون ضده عذابا ولا يلزم هذا ويذكره إلا جاهل أو متجاهل ، وقد قال تعالى " ومن رحمته جعل لكم الليل لتسكنوا فيه " فسمى الليل رحمة ، ولا يلزم من ذلك أن يكون النهار عذابا انتهى .
ومثله يقال فيما رواه ابن أبي عاصم في السنة عن أنس مرفوعا " لا تجتمع أمتي على ضلالة" ورواه الترمذي عن ابن عمر بلفظ " لا يجمع الله أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة " ورواه أحمد، والطبراني في الكبير عن أبي نصر الغفاري في حديث رفعه " سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة" فقد قيل مفهومه أن اختلاف هذه الأمة ليس رحمة ونعمة ، لكن فيه ما تقدم نظيره عن النووي وغيره ، وفي الموضوعات للقاري أن السيوطي قال : أخرجه نصر المقدسي في الحجة ، والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند ، ورواه الحليمي والقاضي الحسين وإمام الحرمين وغيرهم ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا .
ثم قال السيوطي عقب ذكره لكلام عمر بن عبد العزيز : وهذا يدل على أن المراد اختلافهم في الأحكام الفرعية ، وقيل في الحرف والصنائع والأصح الأول، فقد أخرج الخطيب في رواة مالك عن اسماعيل بن أبي المجالد قال قال هارون الرشيد لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب يعني مؤلفات الإمام مالك ونفرقها في آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة . قال يا أمير المؤمنين إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة كل يتبع ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد الله تعالى.
وفي مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعا : اختلاف أصحابي لكم رحمة .
وذكر ابن سعد في طبقاته عن القاسم بن محمد أنه قال : كان اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للناس .
وأخرجه أبو نعيم بلفظ كان اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة لهؤلاء الناس أه من كشف الخفاء .


وقد اعتبر علماء المسلمين – ومنهم الإمام مالك رضي الله عنه – أن القدح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح في الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتلفيق الروايات في مثالبهم وخلافاتهم لا يعدو أن يكون القصد منه الرسالة المحمدية ،والذي جاء بها ، والذي جاء فيها .
يقول الإمام أبوبكر الاسماعيلي ت 371 ه عن اعتقاد أهل السنة فيمن يبغض الصحابة ( ومن غاظه مكانهم من الله فهو مخوف عليه ما لا شيء أعظم منه لقوله عز وجل ( محمد رسول الله والذين معه ) إلى قوله ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار ) فأخبر أنه جعلهم غيظا للكافرين .
وأنهم – أي أهل السنة - ( قالوا بخلافتهم – أي الصحابة - لقول الله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم " فخاطب بقوله " منكم " من ولد الآن وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه ، فقال بعد ذلك " ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " فمكن الله بأبي بكر وعمر وعثمان ) [2]

يقول الإمام ابن حجر : ( اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة ، وإثبات العدالة لهم ، والكف عن الطعن فيهم ، مع الثناء عليهم فقد أثنى الله عليهم في كتابه العزيز ) .

ونحن نقول : - وبناء على ما تقدم من تحقيق منهجي في مكانة الصحابة يصبح - على المسلم أن يرفض أي رواية تاريخية تخالف هذه المكانة لأنها كاذبة بحكم منهجه العلمي والعملي والإيماني معا
خصوصا إذا جاءت ممن يكتبون للراقصين والراقصات والعاهرين والعاهرات ويتكسبون من من قصصهم وتسويقهم ، والترفيه على حساب أعراضهم لحساب إفك عصبة منهم ، وترويج أنباء الفسقة فيهم ، ونشر " أدب " المواخير المكشوفة وغير المكشوفة ، ، وإشاعة الفاحشة بين المواطنين ومكافأتهم على ذلك كله بالجوائز الدولية والمحلية .
إنه من الغريب أن بعض هؤلاء الذين يشككون في الصحابة يتساهلون إلى أبعد حد في قبول بعض أخبار التاريخ ، وقد يكون نبأ من فاسق ، وهو الأمر الذي جر الويلات في طعن تاريخنا في الصميم .
وإنه ليغيب عن الكثير منا أن التاريخ الإسلامي لم يكن يكتب في حينه غالبا ، ولكن في ظل الدولة الجديدة ، وقد تولى كتابته نماذج مختلفة من المؤرخين ، يتباينون في اتجاهاتهم ، ودوافعهم ، وهم مؤرخون ثقات ، أمثال ابن جرير الطبري ، وابن الأثير ، وابن كثير ، وقد وضع هؤلاء لأنفسهم منهجا علميا معلنا : هو أن يذكروا أسماء الرواة الذين ينقلون عنهم ، وأن يذكروا الأخبار كلها من مختلف المصادر ، ثم يتركون لمن بعدهم أن يميز بين الصحيح وغير الصحيح .
ثم لحق التشويه بمنهج هؤلاء ممن جاء بعدهم حيث ذكروا رواياتهم بعد أن جردوها من الأسانيد ، وضموا الروايات بعضها إلى بعض للاختصار ، أو لأغراض خاصة ، فاختلط الحابل بالنابل ، وأصبح من الصعب على قرائهم أن يفرقوا بين روايات الثقات ، وروايات أصحاب الأهواء ، فنشأ من ذلك ترديد لكثير من الأخبار التي اختلقها أعداء الإسلام ، ووصل الأمر – حديثا - إلى نقل الأخبار من مراجع السمار ، كالذي انساق إليه الكتاب المحدثون من الأخذ من كتاب " الأغاني " لأبي الفرج الأصفهاني ، واعتباره مصدرا للتاريخ ، ودرة للتراث !!

وإن المرء ليستغرب من هؤلاء المحدثين لو أنهم كانوا يهدفون إلى متعة البحث ، أو إلى متعة الفن ، أو إلى متعة الصراع بين الحق والباطل ، ( الدراما ) فقد كان أمامهم متسع لا يلتقون فيه بالشبهات ، ولا يحركون فيه مواجع المسلمين ، ولا يدفعونهم إلى تأجيج نار الثأر ، وتحريك عوامل الفرقة والتمزق ، لقد كانت أمامهم : حروب الردة التي اشتعلت في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحروب مدعي النبوة من أمثال : الأسود بن كعب بن عوف العنسي ، ومسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خالد الأسود ، وذي التاج لقيط ين مالك الأزدي .
وفي حروب الدولة الإسلامية مع فرقة الراوندية التي ابتدأ خروجها منذ أواخر الدولة لأموية وامتدت في عهد المنصور : وقد كانوا يطوفون بقصره قائلين ( هذا قصر ربنا ) فلما صدهم عن ذلك ثاروا عليه وحاربوه .
وفي الحرب البابكية التي استمرت أكثر من عشرين عاما ، من عهد المأمون ، (201) ه إلى عهد المعتصم (223) ه ، وكانت حربا فارسية ضد الإسلام ، تحالفت في الوقت نفسه مع الدولة البيزنطية .
وفي حروب المسلمين مع الدولة الرومانية التي لم تهدأ قط منذ ظهور الإسلام ، مرورا بالحروب الصليبية إلى نكبة الأندلس ، إلى العصر الحاضر حيث تعتبر أوربا نفسها وريثة تلك الدولة الرومانية ، في ثأرها ضد من أزاحوها من جنوب البحر الأبيض وشرقه . وحيث تعتبر أوربا نفسها في صراع مستمر مع الإسلام الذي أزاحها من هذه المناطق .
وإن المرء ليتساءل : وكم كان عدد أسوأ شخصيات التاريخ الفرعوني ، وهل كان منهم صاحب الصنم الذي تم ترحيله أخيرا من ميدانه في توقير لم ينله الأولياء ولا الأحياء ؟ .
في كل ذلك وفي غيره مجالات لا تنفد لمن يريد استنطاق التاريخ دروس النهضة والتنمية والحق والخير والجمال . .
لكن أولئك يجدون أنفسهم مزنوقين في حوادث الفتنة بين الصحابة والتابعين لأغراض لا تخفى على أحد .
إلى أن جاءت الطبعة الأخيرة من المحاربين للإسلام ليقولوا : ( إن التجارب التاريخية – في الحكم الإسلامي – لم تكن إلا سلسلة طويلة من الفشل .. )
وإذا كانت هذه الحقائق تعني نفي القول بعصمة الصحابي فإنه وبنفس القوة والمنطق لا يصح أن تعني – ونحن في موقع الصدر الأول بين المثالية والواقعية – أن يفتح الباب لكي يخوض الخائضون في اختلاف الصحابة أو بعض الأخطاء لبعضهم ، ليمارسوا ما يمارسونه من تشويه التاريخ الإسلامي ، تنكرا منهم لشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، وتمردا على إنجازاتهم التاريخية التي احتوت أو تماهت مع إنجازات الإسلام نفسه في فجر ظهوره .
إنه من المسلم به أن عصر الخلفاء الراشدين كان هو الأقرب إلى مثالية النظام الإسلامي ، وهوبالنظرة العلمية أيضا – قابل للتكرار ، وفقا لقانون السبب والنتيجة ، فكلما حصل السبب كان لابد للنتيجة أن تحصل ، وليس في الأمر خصوصية فرد ، أو معجزة عصر ، ولكن حيث يتوفر القبول للنظام الإسلامي والرغبة فيه يظهر الإنسان المشابه والعصر المشابه لعصر الخلفاء الراشدين .
ومهما يكن من أمر فإنه ليصح القول بأن النظام الذي يثمر أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعمرا ذلك القائد المظفر الذي لا يزال ينهل الثواب من كل كلمة لا إله إلا الله ينطق بها مسلم في مصر منذ فتحها وطرد منها الرومان وإلى قيام الساعة .. أقول إنه ليصح القول بأن هذا النظام الذي أنتج العشرات والمئات وعشرات المئات ممن نهج على نهج هؤلاء ولو على سبيل الندرة جدلا لهو أفضل – تاريخيا وعمليا - من الأنظمة التي لم تثمر شيئا من ذلك ، إن الندرة – مع كونها كذلك – تظل مقياسا تقاس به طبيعة الأنظمة ، ومدى ما تصل إليه في مدارج الصلاح أو الفساد على مدى التاريخ .
فالنظام الذي يكون أعظم ما يصل إليه – بالندرة – أن يقدم شخصية عمر وعمرو غير النظام الذي يكون أقصى ما يصل إليه شخصية الإسكندر ، أو شخصية هتلر ، أو شخصية كلينتون ، أو بوش ، أو توني بلير ، أو شخصية " مايكل جاكسون " المغني المخنث ذائع الصيت ، أو كتاب الخنا والفجور ، وما يستنسخ منهم في ثقافة العصر وقصصه ومسلسلاته ، ولكلِّ دلالته على فضيلة عصره أو خسته.

تشويه صورة الأمويين
إن الأمويين عموما كما يقرر المؤرخون أصحاب دعوة إسلامية : تمرنوا على قيادة الجيوش ، وحكم الناس ، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان أكثر عماله منهم ، وقد امتد ملك الإسلام في عهدهم من سواحل الأطلنطي إلى بلاد الصين ، ومن جبال القوقاز ، إلى خط الاستواء وما وراءه . ودخلت الإسلام في عهدهم أمم الأرض كلها : من العرب والسريان ، والفرس ، والكلدان ، والمصريين ، والنوبيين ، والبربر، والسودان ، واليونانيين ، والهنود ، والترك والتتار ، وأمست آي القرآن تتلى في سمرقند كما تتلى في قرطبة ، وكاد الإسلام أن يستقر في جنوب فرنسا بعد أن اجتاحها .
هذا الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ينصبونه هدفا لطعناتهم للتاريخ الإسلامي وإفراغه من محتواه يقول عنه الدكتور عمر فروخ : ( لما جاء الحجاج إلى العراق كانت حروب الفتن قد خربت الدور ، وطمرت الأفنية ، فخلت المزارع من فلاحيها ، وهجر معظم أهل القرى قراهم ، فلم يبدأ الحجاج إصلاح البلاد وتنظيم الإدارة بإصدار المراسيم ، والقوانين ، ولكنه أعاد بناء البلد وأصلح الطرق ، وأعاد حفر الأقنية ، بعدئذ أمر أهل القرى بالرجوع إلى قراهم ، وأخذ بجمع الضرائب وإرسال الجيوش إلى الفتوح ، فانتشر الأمن في طول البلاد وعرضها ، حتى كانت المرأة تنام وحيدة في بيتها ، وباب بيتها مفتوح ، ولما مات الحجاج بن يوسف خلف مصحفا وسيفا ، وعشرة دراهم فضة . )
وماذا عن الدولة الأموية بالأندلس ؟ ألم تكن هي التي استقرت هناك ، حتى تمكنت على يد الوالي القائد عبد الرحمن الغافقي – الذي عين واليا على الأندلس من قبل هشام بن عبد الملك عام 112 ه – من دخول فرنسا وفتح النصف الجنوبي كله من الشرق إلى الغرب في بضعة أشهر والاستيلاء على بواتييه وإن وقعت هزيمته فيها والخروج منها بعد ذلك ؟

وما ذا عن الدولة العباسية ؟
لا خلاف على أن كانت جماع التقدم البشري العالمي شعرا وأدبا وعلما دينيا وعلوما دنيوية ، وسياسة ، وقوة ، وهيبة ، واتساعا ، ومستوى معيشة أصبح يرمز إليها في وجدان الغرب بعالم ألف ليلة وليلة . يقول الأستاذ محمد كرد علي في كتابه عن الحضارة الإسلامية : ( في القرون التي كانت فيها العرب تنعم بلذائذ العقل والعمل والمال وتأخذ من مسرات الحياة الفاضلة بأوفر نصيب ، ويهاب سطوتها البدو والحضر ، وتؤلف أمة متحضرة وحكومات ناهضة ، كان الغربيون – بمواريثهم اليونانية والرومانية واليهودية والمسيحية – متوحشين جاهلين لا يعرفون الترف ، ولا يتذوقون عيش الرفاهية ، لا أمن ولا إدارة ، ولا ملوك يعرفون واجبهم في إقامة العدل ، وتوطيد الأمن )

وما ذا عن الدولة العثمانية المفترى عليها ؟
إن هذه الدولة – كما يقرر المؤرخون المتخصصون ومنهم أد أحمد عبد الرحيم مصطفى – استطاعت أن تعيد لدار الإسلام حضورها وهيبتها ومنعتها بعد ما لحق بها من التفرق والانحسار ، وأن تحمي حياض المسلمين من البرتغاليين الذين غزوا شرق الجزيرة العربية توطئة لدخول البحر الأحمر والزحف إلى مكة المكرمة وهدم الكعبة .
فمن للكعبة اليوم ؟
وظل العثمانيون طوال ستة قرون الدرع الواقية للأمة الإسلامية ضد أطماع الاستعمار الأوربي ، وكانوا الذين فتحوا باسم الإسلام مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ، وأطلقوا عليها اسم إسلامبول ، ومنها انطلقوا يرفعون راية الإسلام ، في قلب أوربا : في يوجوسلافيا ، وبلغاريا ، وألبانيا ، ورومانيا ، واليونان .
وكان العثماني يعتبر امبراطوريته التي ما لبثت أن ضمت كل المراكز الإسلامية الكبرى وكأنها الإسلام ذاته ، بحيث أصبح الإسلام في العهد العثماني – وفي أوج قوة الدولة – على مستوى رفيع من الأهمية والنفوذ .
في تلك الدولة – كما يقول الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى - تغلغل الإسلام في كيان الأمة حتى لم يعد لمصطلح " عثماني " مدلول قومي ، وبحيث ظل العثمانيون حتى القرن التاسع عشر يعتبرون أنفسهم مسلمين في المحل الأول ، وكان الإسلام هو الشرط الأساسي للتمتع بالسلطة والامتياز .
ولم يكن لفظ " تركي " يستعمل في أوج العصر العثماني إلا قليلا للإشارة إلى " التركمان " ثم بعد ذلك إلى الفلاحين الخشنين الجهلة ، الذين يتكلمون اللغة التركية ، ويقطنون قرى الأناضول ، وحتى القرن التاسع عشر لم يتخذ التركي لقب تركي .
وحين استعمل الأوربي هذه الكلمة كان يعني في الواقع " مسلما أو كافرا " ، ويشهد التاريخ بأن الدولة العثمانية كانت حتى قبل توسعها في العالم العربي تطبق الشريعة الإسلامية بدلا من القانون البيزنطي القديم في المناطق التي لا يجد سكانها صعوبة في فهمها ، ثم ما لبثت بعد أن استقرت في استامبول عام 1453م أن أخذت بالقوانين الإسلامية دون غيرها حتى انهيارها في الحرب العالمية الأولى.
ورغم أن السلطان العثماني كان يتمتع بسلطة لا يقيدها قانون مدني إلا أنه لم يكن بذلك حاكما مطلقا كما يقال ، وذلك لأنه لم يكن ليستطيع خرق الشريعة الإسلامية ، علنا على الأقل ، ولم يكن يتمتع بالجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالمعنى الصحيح لهذا المصطلح لتقيده الأساسي بالشريعة الإسلامية ، وكانت القوانين التي يصدرها لا مفر من أن تكون متفقة مع القرآن والسنة والمذاهب الفقهية الأربعة .
ومنذ أواخر القرن الخامس عشر كان السلاطين قد أقاموا هيئة من أهل العلم الفقهاء والتي كان رؤساؤها شيخ الإسلام ، وكبار القضاة ، يستشارون فيما يمس شئون الدولة الهامة ، وكانت مشروعات القوانين تعرض على شيخ الإسلام قبل إقرارها لكي يدرس مدى مطابقتها للشريعة الإسلامية ، وكان هو المختص بأن يصدر الفتوى - قبل إعلان الحرب – بأن أهدافها لا تتعارض مع الدين ، كما كان له الرأي في علاقة الدولة بالدول غير الإسلامية وقوانين الضرائب ، ولم تكن هذه الإجراءات صورية ، فكثيرا ما أدى رفض المفتي إلى إرغام السلطان على العدول عن مشروعاته ، بل إن تصريح المفتي بأن السلطان لا يحترم مبادئ الشريعة يعني مباشرة انه غير صالح لتولي الحكم ، وكان ذلك كفيلا بالتمهيد لخلعه . ولم يكن هذا النفوذ الشرعي محاصرا في شخصية المفتي الأكبر ، أو شيخ الإسلام ، وإنما كان يمثل القاعدة الشعبية للدولة ، إذ أنها حرصا منها على المحافظة على الشريعة أبدت اهتماما رفيعا بالفقهاء الدينيين الذين أدخلتهم في جهاز الدولة .. ، ومن ثم كان الوزراء العثمانيون الأوائل من الفقهاء ، وما لبث تنظيم الفقهاء أن امتد إلى جهاز الدولة بأسرها بحيث تطرق إلى أدنى المستويات في الولايات ، فقد كان كل سنجق يضم قضاة ومفتين لابد من استشارتهم في كل المسائل التي تتعلق بالشريعة ، وكانت أحكامهم بمثابة قوانين لا يحد من فعاليتها سوى الرجوع إلى استامبول.

ومن التشويه ما يشاع ضد الدولة العثمانية من أن تعصبها للإسلام أدى بها إلى اضطهاد المسيحيين ، وذلك بغرض تكريس النهج العلماني في البلاد الإسلامية ، وغلق باب التفكير في إعادة هيمنة الإسلام على الدولة ، ويرد الأستاذ الدكتور أحمد طربين أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة دمشق على ما جاء من ذلك بكتاب " أزمة الفكر ومشكلات السلطة السياسية " لمحمد مخزوم نشر بيروت عام 1968 ، فيقول : ( إن عديدا من المؤرخين المنصفين يرون أن السلاطين برغم اعتقادهم في قرارة نفوسهم بأن المسيحيين لابد أن يكونوا حلفاء طبيعيين للقوى الأوربية المسيحية المعادية للعالم الإسلامي فإنهم لم يتجاوزوا حدود معاملة المسلمين السمحة التي كانت سائدة في العالم العربي الإسلامي قبل استيلائهم عليه ، بل كان تسامح الأتراك العثمانيين مع مسيحيي الولايات العربية أشد وضوحا من تسامحهم مع مسيحيي البلقان الذين كانوا في بلادهم أغلبية تتآمر مع النمسا .
كما يرون أن الدولة العثمانية حافظت على أملاكهم وحرية عبادتهم وكنائسهم ، وفتحت لهم أوسع أبواب العمل الحر في الزراعة والصناعة والتجارة . فانتظموا في سلك الحرف المختلفة على قدم المساواة مع زملائهم المسلمين ، وكانوا معهم في تعاطف وود ، بل إنهم برزوا في ميدان التجارة الخارجية لصلتهم مع الأوربيين ، وتكونت منهم طبقة بورجوازية غنية ، وتشهد بذلك سجلات المحاكم الشرعية في مختلف الحواضر العربية ) [3]

يرد الأستاذ محمد جلال كشك على تساؤل يراود بعض الشباب : لماذا نجح الأسبان في إبادة المسلمين في الأندلس في ثماني سنوات ، ونجح الصرب الذين يعملون في إبادة المسلمين في البوسنة ، بينما حكم المسلمون الأتراك صربيا أربعمائة سنة - 1463- 1882 دون أن يطبقوا سياسة الإبادة نفسها وإذن لنجا المسلمون مما يحدث لهم ؟ قائلا :
إن الإسلام يفقد معناه ورسالته ومبرر وجوده لو اتبع وحشية الآخرين .. صحيح أن التسامح بغير قوة تحميه هو أشبه بالعجز .. وصحيح أننا ندفع الثمن ، ولكنه ثمن الضعف وليس ثمن المبدأ الأسمى ، إن التاريخ مرصوف بضحايا دعوات الضم والنقاء العرقي .. ولكن الإنسانية عطشى لدعوة التسامح والتعايش ... ومهما طال الليل فلا بد أن تنتصر الإنسانية وتبزغ شمس الإسلام من جديد [4]
مقياس الوطنية
ومن السهام الهدامة الموجهة ضد تاريخنا في مجمله – وفي سياق تقويم الدولة العثمانية بالذات – ما يجري من محاكمة هذا التاريخ باسم مذاهب سياسية محدثة كالقومية والوطنية ، ومن ذلك القول بأن مصر لم تعرف الاستقلال الوطني والحكم بيدي مصري منذ عشرات القرون إلا بعد الثورة المصرية عام 1952 .
ويرد على أصحاب هذا القول : بأن جميع الشعوب كانت كذلك إلى عهد قريب ، انجلترا وفرنسا ،وإيطاليا وألمانيا إلخ ، ونقول لهم ما قاله مارستون بيتس في كتابه ( الانفجار السكاني ) وهو بصدد تقسيم البشر إلى أنواع ، ومقاييس هذا التقسيم : هل هو العنصر أو السلالة ، أو الجغرافيا ، أو الثقافة ؟ حيث يقول : ( كلما أمعنا في التفكير في هذا الأمر ازداد غرابة في نظرنا ، "فالحكومة الوطنية " هي اختراع حديث العهد من الوجهة التاريخية . ويحمل الناس أحيانا الثورة الفرنسية وما تلاها من المغامرات النابليونية وزر هذا الاختراع .
أما إيطاليا وألمانيا فلم تظهرا على المسرح كأمتين إلا في عام 1870 م ، ومما لا ريب فيه أن أمما كثيرة مثل فرنسا وانجلترا كان لها تاريخ عريق في السيادة الوطنية على مناطق لا تكاد تختلف عن حدوده الحالية ، ولكن هذا الأمر يبدو نتيجة لسلسلة من الأحداث التاريخية والجغرافية أكثر منه ظاهرة وطنية .
ومن جهة أخرى فليست هناك دولة وطنية تطابق مجموعة عنصرية واحدة .
وهناك عدد من الأمم متجانسة السكان تقريبا من وجهة النظر العنصرية ، ولكنها لا تمثل في الحقيقة إلا شطرا صغيرا من العنصر الذي يعيش فيها ، لأن القسم الأعظم من الأشخاص الذين ينتمون إلى ذلك العنصر ينتشر ما بين الأمم الأخرى .
ولقد أصبحت الخصائص الوطنية مؤخرا من المواضيع التي يوليها علماء الأجناس البشرية كل اهتمام في دراساتهم ، ويبدو أن فكرة "الرجل الإنجليزي " و" الرجل الإمريكي " أو الرجل الألماني " أصبحت الآن حقيقة واقعة ، لا تختلف بشيء عن فكرة وجود عنصر خاص أو حضارة قبلية ) [5]
والمتأمل في هذه الحقائق يجد أنه من الخطأ والظلم معا محاكمة التاريخ الإنساني السابق على هذه المفاهيم الوطنية أوالعنصرية ، وبخاصة لو أدركنا بخصوص الحضارة الإسلامية أن أبناءها كانوا في مرحلة حضارية قد تجاوزت من الناحية القيمية هذه المفاهيم ، ولو عرضت عليهم لرفضوها كما رفضوا الشعوبية ، والتجزئة ، والقبلية والعنصرية ، استمساكا منهم بالأفق الأسمى المفتوح أمامهم بتعاليم الإسلام ، والذي يطبق مفهوما ساميا من العالمية ينبني على الأخوة في الإسلام .

تشويه مصر في الحملة الفرنسية :
إن عملية تشويه التاريخ الإسلامي لم تقتصر على التاريخ القديم والوسيط وإنما انسحبت إلى التاريخ الحديث أيضا .فقد لقنوا المتعلمين في المدارس والجامعات أن هزيمة المماليك أمام نابليون كانت نموذجا مطلقا لهزيمة التخلف أمام التقدم .. : ولكن لننظر إلى ما تقوله الدكتورة ليلى عنان المتخصصة في الحضارة الفرنسية ردا على هذه المزاعم :( كان سلاح الفرسان الفرنسي ضعيفا أمام فرسان المماليك الذين يبرعون في ركوب الخيل والحرب بالسيف ، وذهب الكثير من فرسان الفرنسيين ضحية مهارتهم الفائقة كما ذهبوا ضحية مدفعية المماليك . أي نعم : مدفعية المماليك ، في معركة إمبابة ، على ما قيل في كتب التاريخ المدرسي في فرنسا ، ونحن – كما تقول الدكتورة – لن نلجأ إلى ما قاله الجبرتي ، فقد كانت كتابته صحفية ‍‍‍، أسهمت كمرجع ، ولكنها ليست المرجع التاريخي الموضوعي الذي يؤتمن ، فكتابته فيها من الذاتية ما يجعلنا نتعامل معها بحرص شديد . فهو – على سبيل المثال – يهتم بما كان يصيح به المارة ، وما يقال في المقاهي و " أعاجيب الزمان " .
ونجد كتابة " نقولا ترك " – والكلام ما يزال للدكتورة ليلى عنان – لنفس العصر أكثر جدية من حواديت الجبرتي ، على غزارة المعلومات التي نجدها عنده . يؤكد نقولا ترك مذكرات الجنرال برانوييه ، والكابتن موراييه مثلا وهي تصف لنا المعارك التي اشتركا فيها ضد المماليك ، وما قاساه الجيش الفرنسي من مهارة هؤلاء الفرسان ، ونيران مدافعهم ، لنصل إلى وقائع لابد أن تخفى رسميا عن القارئ الفرنسي ، لأن هذا القارئ لن يشعر بالزهو إزاء عرض ما قاساه الجيش الفرنسي على أيدي من يسمونهم باحتقار شديد "الفرسان المسلمين المنقبين " لا لشيء إلا لأن لهم كرامة الوطني ، وشجاعة المحارب ، وهي صفات ينكرها علينا الغرب لأسباب تخص سياسته الاستعمارية ، وقراءته الخاصة جدا والذاتية جدا للتاريخ ) هكذا كتبت الدكتورة ليلى عنان ذات الثقافة الفرنسية والتخصص الدقيق في الحضارة الفرنسية . [6]


ومهما يكن من أمر فإن أحدا لا ينكر أن النظام الإسلامي لم يصل قط إلى مرتبة التطبيق الكامل الذي يحلو لبعض العلمانيين أن يحاكموه عليه
.وهكذا الأمر في كل الأنظمة عند التطبيق وطنية أو قومية أو ديموقراطية او علمانية أوغيرها :
على أن ذلك لا يحسب على الإسلام ضد صلاحيته التاريخية ، ولكنه يحسب له باعتباره هدفا خالدا لهذا التطبيق في سياق التاريخ .
إن سرا عظيما من أسرار بقاء الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان يكمن في أنه يعلو دائما فوق كمال التطبيق ، ليظل مثلا أعلى تسعى البشرية إلى الاقتراب منه وتجاهد في الوصول إليه.
إن أي نظام – في التطبيق – لا يجد التطبيق الأمثل الأكمل ، حتى هؤلاء المبهورين بنظم الغرب لا يجسرون على القول بأنها نظم شاهدت اكتمال التطبيق ، سواء النظم الديموقراطية ، أو الاشتراكية أو العلمانية ، وهاهو فوكوياما في مقاله الأخير وفي معرض دفاعه عن الديموقراطية الليبرالية يقرر أن عجزها التطبيقي في بعض المواقع لا يدل على فشلها . ويقول روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي الذي دخل في الإسلام : ( لقد أطلق مؤرخونا بحق على الأعاصير العاصفة – مثلا – التي بناها تيمورلنك بسبعمائة ألف جمجمة بعد احتلاله أصفهان : اسم الغزوات البربرية .
ولكن مما يدعو إلى العجب أن هذه التسمية تتغير حينما يقوم الأوربيون بمثل هذه الغزوات ، فماذا نقول إذن عن إبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد الفاتحين الأوربيين أصحاب المدافع ؟
وما ذا نقول عن تخريب أفريقيا بانتزاع عشرة ملايين إلى عشرين من سكانها السود ، وهذا يعني أن عدد الضحايا بلغ مائة مليون إلى مائتين إذ كان أسر كل أسير يكلف عشرة أفراد ؟
وماذا نقول عن مذابح آسيا وحرب الأفيون والمجاعات التي فتكت بملايين الهنود بفضل الاستعمار وفرض الضرائب؟
وما ذا نرى في ضحايا الحرب العالمية الأولى والثانية ؟
وماذا نرى في حرب فيتنام ؟
وماذا نرى في تشريد الشعب الفلسطيني ليحل محله شذاذ الآفاق من اليهود والصهاينة؟
وماذا نسمي النظام العالمي للسيطرة الغربية وقد أنفق – في عام واحد – هو عام 1980 – أربعمائة وخمسين مليارا من الدولارات على التسليح ؟ وتسبب في العام نفسه في موت خمسين مليونا من البشر في العالم بسبب المجاعة ولعبة المبادلات التجارية الظالمة ؟
وهكذا يعتبر الغرب – كما يقول روجيه جارودي – إلى أبد الآبدين أكبر مجرم في التاريخ .
ويذهب إلى هذا التقدير أيضا نعيم تشومسكي في كتابه " ماذا يريد العم سام " ترجمة عادل المعلم

ولذلك فإننا نقول للمسلمين بعامة - والدعاة منهم بخاصة – حذار ، حذار من الوقوع في الفخ ، حذار من مسايرة النقد الأعمى للتاريخ الإسلامي . إن تاريخنا هو ذاتنا في الماضي ، وهو قلعتنا في الحاضر ، وهو زادنا نحو المستقبل .
إن من حقنا أن ننظر إلى تاريخنا بعين الفاحص ، ونقد المحقق ، ووعي المتبصر ، ولكن من واجبنا أن تكون عيننا الأخرى على مؤامرات الغزو الثقافي العلماني ، ومن أهم أهدافه اقتلاعنا من جذورنا الإسلامية عن طريق تشويه تاريخنا الإسلامي وانخراطنا في المشروع العلماني الفاشل .

إنها معركة ضارية
تهدف إلى توزيع دم التاريخ الإسلامي بين جهل أبنائه وسذاجة أنصاره وكيد خصومه
كاشفة بين أنقاضها عما أصاب ثقافة المسلم المعاصر من دمار في عملية التزييف بشعبها الثلاثة :
أولا في تعمد التجهيل بالتاريخ الإسلامي في صفحاته التي توقظ فينا الوعي بموقعنا من الدين وموقع الدين منا .
وثانيا : في تشويه التاريخ الإسلامي بما يضيف إلى جهلنا به كراهية له .
وثالثا : في تجميل صورة العدو بما يغلق الدائرة التي تعزلنا تماما عن التقييم الديني لمواقفنا المصيرية ومن ثم تغلق علينا منافذ البقاء ..
وإنه لمن بدهيات الإعداد للانتصار في معركة حاسمة مع العدو – واقعة أو آتية لا محالة - أن نزيل الغشاوة المظلمة التي تحول بيننا وبين تحديد : من عدو الإسلام والمسلمين ؟ دفعا لنا إلى تصحيح أوضاعنا ومبادئنا وثقافتنا وحاضرنا ومستقبلنا .
إنها العلمانية في أثوابها المتلونة : إذ جاءت على يد إبليس أولا ، ثم ظهرت على يد الملاحدة ثانيا ، وهاهي تتعهر في ثوب الفتنة الطائفية آخرا .
وإن ما نحن بأشد الحاجة إليه اليوم هو هذا التحديد .
وهي قضية تعنى بها الأمم التي ترغب في البقاء وهو أمر غير مستحيل .

وإذا كان لأحد أن يتساءل : لماذا ينكر الجاحدون مجد الإسلام وقوة نظامه ، أو يتعمدون انتقاء الروايات الضعيفة المتهافتة من كتب الأسمار والحكايات ، ويتركون الروايات الدقيقة الصحيحة التي خدمها رجال الحديث – مثلا – على أعلى مستويات النقد ؟ فالجواب على ذلك بسيط : إنها العمالة في عملية الغزو العلماني لساحة الإسلام ، وهي العلمانية في عملية تكريس التبعية ، ولكن وبالإضافة لذلك – فإن الأمر كما يقول الأمير شكيب أرسلان : ( هذا الميل في النفس إلى إنكار الإنسان لماضيه وطعن آبائه بأنهم كانوا سافلين وأنه يبرأ منهم .. لا يصدر إلا عن الشخص الخسيس ، وضيع النفس ، أو عن الذي يشعر بأنه في وسط قومه دنيء الأصل ، فيسعى هو في إنكار أمته بأسرها ، لأنه يعلم نفسه منها بمكان خسيس ، ليس له نصيب من تلك الأصالة ) .

والله أعلم .


------------------------------------------------------------------------
[1] كتاب الرد على الفرقتين للسمنودي ج2 ص 228-231
[2] اعتقاد أهل الحديث لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي ج1 ص 73
[3] أنظر المجلة العربية للعلوم الإنسانية التي تصدر عن جامعة الكويت العدد 31 ص 269
[4] كتاب ( إنهم يذبحون المسلمين ) ص 70-71-73
[5] الانفجار السكاني ص 79-80
[6] وانظر كتابها ( الحملة الفرنسية بين الأسطورة والحقيقة ) من سلسلة كتاب الهلال رقم 500


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.