سيدي: أنا الزوجة والنصف الآخر من رسالة الفرصة الأخيرة.. هذه ليست المرة الأولي التي أرسل فيها إليك, فلقد أرسلت إليك منذ عدة سنوات رسالة حب وعرفان لأبي أشكره فيها علي ما قدمه لنا من عطاء وحب طوال سنوات من عمري وعمر اخوتي, خدمنا فيها بإخلاص وتفان, إذ كانت أمي لا تقوي علي خدمتنا بكامل طاقتها, حيث حملها المرض فوق طاقتها, ووضعها أبي في عينيه ولم يشك يوما ولم يضجر بخدمتنا ولم يتركنا نحمل هذا العناء وحدنا بل حمله عنا, واكمل رسالته معنا جميعا ومازال يحملها. هكذا تربيت يا سيدي.. تربيت في اسرة متحابة, بين اب يحمل المسئولية, وام افنت حياتها في عملها لترفع مستوي الأسرة, حتي أنهكها المرض وأتعبها من العمل. أما عني فأنا فتاة أتممت عامي الرابع والعشرين, كنت دائما أري نفسي أتحمل مسئولية نفسي, فعندما حملوني مسئولية أن اجتهد واذاكر ليروني في مكانة مرموقة ذاكرت واجتهدت وحصلت علي مجموع اهلني لدخول كلية من اصعب كليات القمة. دخلتها وانا في قمة الفرح والسعادة اني حققت امل ابي وامي في, وعندما حملوني مسئولية نفسي في بلد بعيد حيث كنت ادرس في صعيد مصر, تحملتها وكنت اراعيهما واراعي ربي في تصرفاتي. برغم اني كنت بعيدة كل البعد عن اهلي, وعن اعينهم, وكان من الممكن ان افعل اي شيء وان اعيش بالطريقة التي تستهويني, ولكني لم افعل ابدا اي شيء يسيء لهم, أو لنفسي بل علي العكس كنت اكثر قربا من الله, وكنت أواظب علي فروضي اكثر من أي وقت. تخرجت في الجامعة والتحقت بالعمل, وتقدم لي الكثيرون, لن اقول إن لي مميزات كثيرة بل يكفيني اني من أسرة محترمة جدا يتمني الكثيرون مصاهرتها. رفضت الكثيرين يا سيدي, فقد كنت دائما احلم بشاب ليس من الضروري أن يكون وسيما, ولا ذا مال, ولكن حلمت ان يكون متدينا ويحبني حتي يعوضني عن البعد عن اهلي حينما يأخذني من بينهم, وكنت احلم برجل يعوضني عن تعب سني المذاكرة والاجتهاد, ونبني معا بيتا نملؤه بالحب والسعادة. وبعد إلحاح شديد من أهلي أن أقبل بأحد منهم, خصوصا أن الكثيرين كانوا جيدين من وجهة نظرهم, ووافقت علي زوجي فقط لاني وجدت منه اصرارا شديدا علي, توسمت فيه هذا الحب الذي تمنيته, كما اني وجدت من ابي وامي ميلا شديدا له, فقبلت الخطبة وتوكلت علي ربي ان يكون فيه الخير والحب الذي اريده. وبعد فترة من خطبة اكتشفت فيه عيوبا كثيرة, فهو متقلب المزاج, وعصبي, بشكل غريب وبدون اي اسباب ينفعل علي ثم يهدأ ويعود ويعتذر واقبل اعتذاره. تكررت حالات الغضب والاعتذار, وعندما رفضت هذا الأسلوب وقررت أن أفسخ الخطبة قص علي وقتها ازمة حياته وكيف تعامل أبوه معه ومع والدته, ولم اكن اعلم اي شيء عن هذه القصة, فأنا منذ اللحظة الاولي التي رأيت فيها أباه وأنا لم احبه ولم استرح اليه مطلقا, ولكني ابدا لم اعبر له عن رأيي هذا, وعندما قص علي حكايته تعاطفت معه, ولم اقس عليه, وطلب مني أعوضه وأن أنسيه ذكرياته الأليمة, وبالفعل حاولت معه كثيرا لكنه يا سيدي استمر في معاملته السيئة لي, وكلما رفضت أسلوبه ضغط علي أهلي بالاستمرار معه, وان أتحمله لأنه شاب جيد, ولأنه يحبني وبحجة أنه واضح منذ البداية, وأنه أفضل من الآخرين الذين يظهرون بوجه حسن ايام الخطبة وبكلام معسول ثم تظهر حقيقتهم بعد الزواج.. واستمر مسلسل الضغط هذا من جانب زوجي ومن جانب اهلي, فقد أحبه اهلي جدا ولم يروا منه السيئ, فقد كان أمامهم طيبا ويحبني ولا يدرون ماذا يفعل في من تدمير لنفسيتي واعصابي, وكنت اصبر من اجل ابي وامي, وحتي لا اغضبهم, وكنت اقتنع بآرائهم تارة وأتعاطف معه تارة اخري, واقسم لك يا سيدي انه كان يتصرف تصرفات كثيرة غريبة واحيانا كان يتطاول علي بالالفاظ, ولكني ضعفت ولم اعد أقاومهم خشية ان تموت امي بسبب كثرة مشاكلي مع خطيبي وهي من جانبها لم تقدر ابدا احساسي ولم تعلم مدي قدرته علي التلون امامها فكانت تنصفه دائما علي. لن اطيل عليك كثيرا, فقد قبلت بالزواج بعد ان وعدني ان يتغير وانني سوف اري شخصا آخر بعد الزواج, وان كل هذا من تأثير ابيه عليه, وان مجرد ابتعاده عنه واحساسه انه اصبح له كيان واسرة بعيدة عنه سوف يكون انسانا آخر, فوافقت ياسيدي علي مضض, لم اكن مقتنعة تمام الاقتناع بكلامه, ولكني من داخلي كنت اشعر انه طيب, وانه ظلم كثيرا وان الله اعطاني من داخلي إنسانه حنونة استطيع ان أعوضه بحناني عما فقده وان أغيره, لكن هيهات ياسيدي, لقد انخدعت فيه خدعة عمري, فما ان تزوجنا حتي ظهر الوجه الأكثر قبحا مما رأيت ايام الخطبة, لم افرح مثل اي عروس في أول زواجها, رأيت بعيني مالم أره في حياتي وجدت شخصا لا يعرف معني التفاهم ولا تقوي الله في المعاملة, فبدون اي سبب ينفعل وأجده ينهال علي سبا وتجريحا علي اتفه الاسباب, ويكسر اي شيء يجده امامه, وعندما ابتعد من امامه خائفة ان يؤذيني يلحقني ويتهمني بعدم احترامه, ويدفعني بكلتا يديه لأسقط ارضا ويسقط من نظري! ثم يأتي بعدها ليعتذر ويجلب الورد, واصفي واهدأ واصبر, ثم تتكرر نفس المأساة من جديد, ويهين ويخطيء في حقي واسامح واعود, كأن لم يحدث شيء, بل واحاول ان اقربه مني, وان اجعل من بيتنا جنة, واجعله فيه ملكا متوجا, وكنت أضحك وأملأ البيت فرحا واصنع له المفاجآت, واذا سافر أو غاب عن البيت يعود ليجدني في ابهي صوري انتظره وفي يدي هدية له لعله يتغير, ولعلي اجد راحتي انا الاخري بجانبه, وبعد كل هذا ياسيدي وقبل سفره الي البلد الذي يعمل اذ به يختلق مشكلة جديدة, ويسبني بأهلي ويقول لي بالحرف انت لا تصلحين ان تكوني زوجة, ويدفعني مرة أخري ساقطة علي الأرض! قل لي يا سيدي لو انني ابنتك هل تقبل لي كل هذه المهانة والذل... واذا قلت لك إنني قبلت وسامحته من جديد وقبلت اعتذاره بل وساعدته وبعت له من مصاغي حتي يسد ما عليه من ديون, قبل سفره, ماذا سيكون ردك؟ ووصيته قبل أن يسافر أن يعاملني بالحسني وألا يعيد تكرار ما فعله من جديد ووعدني..... وبمجرد ان سافر عاد مرة اخري للإهانة علي اتفه الاسباب, وحدث الأشد قسوة, فاذ به يتصل بي ويسألني عن سبب ذهابي لشقتي بمفردي فقد كنت ذاهبة لإحضار اشياء احتاجها منها فاخبرته اني لست بمفردي وان اختي معي فينهال علي بالسب في شرفي واخلاقي وانه سوف يعود ليربيني لأن اهلي لم يحسنوا تربيتي, وكلام آخر يندي له الجبين ولم انطق بكلمة ولم ارد عليه, وما إن عدت الي بيت اهلي وجدته هو قد سبقني واتصل بهم ليشكوني لهم, ولكني لم استطع الاحتمال ان تصل الاهانة الي سلوكي واخلاقي, وقصصت لهم ما قاله لي. أي كرامة تلك واي أنثي ستحتمل كرامتها كل هذه الاهانات, هل تقبلها انت يا سيدي علي أختك أو ابنتك؟! أنا لم اقص عليك التفاصيل فهي اكثر ايلاما واكثر قسوة ولا استطيع سوي ان اقسم لك بالله انني لم ارتكب في حقه اي اثم ولم اكن ابدا تلك الزوجة النكدية التي تجلب الغم والنكد لزوجها أو لنفسها, بل انني حاولت بكل جهدي ان ارضي الله وارضيه, كنت افعل كل ما في استطاعتي ونيتي لله ان يرضي عني زوجي, وان ينام وهو راض عني, ولكنه ابدا لم يقدرني, ولن يقدرني فهو فاقد لأشياء كثيرة وفاقد الشيء لا يعطيه....... هذه المرة انا لا استطيع ان اغفر, لم اعد اقوي علي التسامح ولا النسيان, لقد ذبح كبريائي وكرامتي, وللمرة الاولي اقف في وجه الجميع بمن فيهم ابي وارفض العودة وأرفض التسامح, لم افعلها من قبل, لم اخرج من قبل عن طوع اهلي, ولم ارفض لهم كلمة, لكن هذه المرة لم اقبل منهم كلمة ولم استطع ان ارضخ لاعذارهم الواهية بأن اقبله هذه المرة, وان اعتبرها الاخيرة, وحملتهم مسئولية زواجي منه وطلبت الانفصال.. لا تطلب مني يا سيدي فرصة اخيرة, لقد اعطيته بدل الفرصة الف فرصة, لم اجرحه يوما ولم اهنه, وأنت تطلبها مني الآن لم يعد بداخلي له اي شئ, لا حب, ولا احترام, ولا يوجد بيننا طفل اتحمل من اجله, ولا عشرة سنين تبقيني علي مثل هذا الشخص, أنا اثق تمام الثقة في انه غير متوازن داخليا, فهل تطلب مني ان اكمل, فتتفاقم مشكلتي بوجود طفل يخرج لهذه الحياة ليجد ابا يربي به العقد ويخرج للحياة نسخة اخري جديدة لتتعذب بها فتاة جديدة. لا يا سيدي استمحيك العذر لن أعود سأتحمل خطئي وسأتحمل نتيجة اختياري الخاطئ, وساتحمل انني لم اقف في وجه الدنيا جميعا. وارفضه من البداية, لكني ابدا لن اعود! فأنا للمرة الأولي من سنتين أشعر بهذه الراحة والسعادة التي اشعر بها الآن, فمنذ ان اخذت قراري بالانفصال وانا اشعر كأن الطوق الذي كان علي رقبتي قد انفرج اخيرا, فعدت مرة اخري تلك الفتاة المرحة المحبة للحياة التي تهوي الضحك والهزار, فرجعت لعملي الذي حرمني منه, ورجعت اتعامل مع الناس بدون خوف. فهو لم يحتوني يوما وأنا الأنثي, بل احتويته أنا وهو الرجل, هو لم يعطف علي يوما ولم يحبني ابدا, بل ملأ حياتي بالنكد والغم والحزن والخلافات والاهانة, واستخدم معي نفس طريقة والده في معاملة والدته, انا لم اكن له سوي برواز جميل يكمل به وجاهته الاجتماعية امام الناس, ويهينها في بيتها, ويقلل من قدرها ويحاول بشتي الطرق أن يقلل من ثقتها في نفسها, بل والابشع من ذلك انه كان يحاول ان يوقع بيني وبين اهلي, فتارة يقول لي ان اهلي يكرهونني, وتارة يقول لي ان فلانا يعامله معاملة سيئة فيزرع الكره بداخلي ناحية اهلي من اجله, ارجوك يا سيدي لا تلمني علي موقفي, إنه يعتذر الآن امامك وامام قرائك ويقول انه قد تغير ويطلب فرصة اخيرة وانا ارفض هذا التغيير وارفض العودة, ولن اعطي الفرصة حتي لا اقع في ابغض الحلال عند الله, فالطلاق في حالتي هذه هو اعمار وليس خرابا, وليكن تغييره الذي يدعيه لنفسه في حياته وليس لي. واسمح لي ان اقدم لأبي كل اسفي واعتذاري أني احزنته علي واني رفضت طلبه مني ان اعود, سامحني يا ابي لم ارفض لك طلبا من قبل, لكني ارجو منك ان تجعلني اختار حياتي هذه المرة, وانا اجد سعادتي في البعد عن زوجي, وأعلم انك تريد سعادتي, واعذرني يا سيدي اني انفعلت في كتابتي, فمجرد الكتابة توجعني وتؤلمني كثيرا وتذكرني بما ألم بي من مصيبتي في زوجي, وارجو الا تقسو علي في ردك فتكفيني قسوة الايام... انا اثق تماما في آرائك ومتابعة جيدة لبابك, واعلم انك طلبت مني الفرصة الاخيرة خوفا علي من الندم يوما, ولكن هل تري بعد ما قصصته لك ان اعود, أو ان ما فعله معي منطقي ويمكن إصلاحه؟! سيدتي... لا أستطيع أن أطلب من زوجة منح زوجها فرصة أخيرة وهي لم تعد تحبه أو تحترمه.. يمكن للإنسان أن يعيش مع آخر بواحد من الاثنين الحب أو الاحترام, فاذا فقدهما معا تستحيل الحياة. نعم كنت أتمني أن تمنحيه فرصة أخيرة لما لمسته من ندم حقيقي وإحساس عارم بالذنب تجاهك, معتقدا انه واع لأزمته مكتشفا لأسباب انحرافه السلوكي, ولم أكن أعلم أنه وعدك مرات ومرات وأخل بوعده, أو انه اتهمك في شرفك أو مد يده عليك بلا ذنب اقترفته. كان يمكنني مطالبتك بفرصة أخيرة مع كل هذا لو كان في قلبك تجاهه بقايا حب أو احترام يمكن البناء عليها, أما وقد ذهبا فلا معني للحديث عن فرصة الآن. واطمئني فرسالة والدك الأسبوع الماضي تؤكد أنه لا يلومك بل يقدر موقفك وما تعرضت له من ظلم, وأن أمله في مراجعة نفسك رهينة بقدرتك علي ذلك. وأنت الآن في أشد الحاجة إلي الراحة والهدوء والدعاء إلي الله أن يلهمك صواب القرار. أما زوجك, صاحب الرسالة الأولي, فأقول له, باعترافك أخطأت كثيرا واستنفدت رصيدك, وربما فيما حدث خير لك حتي تواجه نفسك بأخطائك ولا ضير من اللجوء إلي طبيب نفسي يعينك علي تجاوز ما عانيته في صغرك من والدك وترسب في داخلك حتي جعلك تفعل ما لا تحب ولا ترضي في حال الغضب والانفعال. أمامك فرصة كبيرة كي تثبت لنفسك أولا قبل زوجتك أنك بدأت في التعافي, سرحها بإحسان, كن كريما عطوفا, رجلا في تطليقك لها, اثبت لها أنك نادم علي ما فعلته معها, وأنك قادر علي دفع الثمن حتي لو كان الطلاق.. ومن يدري ربما بتصرفك هذا تغرس فسيلة جديدة للاحترام بداخلها, دعها تنمو بداخلها, وربما تجني ثمارها بعد أن تلتئم الجراح وترق القلوب بعدما تري بوادر الشفاء والحب في تصرفاتك.. أقصد ابدأ من جديد.. ربما تتلاقيان بعد أن استحال اللقاء.