درجت كثير من الكتابات النقدية علي اعطاء العوامل الخارجية أهمية كبيرة عند الحديث عن حكم مصر.. حدث ذلك طوال عصور التاريخ المختلفة باستثناء عصور الأسرة المصرية في المملكة القديمة أو مابعدها. هذا الجدل لم ينقطع حتي يومنا هذا.. دأب البعض علي اعطاء وزن ضخم في تغيير النظام السياسي أو تعديل الدستور أو اجراء اصلاحات سياسية لعوامل الضغط الخارجية.. فانصاع البعض لإمكانية ان تحدث خطة جورج بوش الصغير جونيور وجماعة المحافظين الجدد التي حكمت أمريكا ابان ولايته فيما يسمي نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط فرمي بعضهم نفسه في أحضان كوندوليزا رايس أو تحت قدميها متصورين ان هذا هو الطريق للصعود السياسي أولا وللتغيير ثانيا. الا ان الكتاب المرجعي للمؤلف الوطني صبحي وحيدة في أصول المسألة المصرية الذي أعادت دار الكتب والوثائق القومية طباعته بتقدير خاص من الدكتور محمد صابر عرب رئيس الهيئة لأهميته يرد المسألة الي أصولها, صبحي وحيدة يرد المسألة الي ظروف مصر الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ويجعل منها مسألة داخلية وهو يقدم تحليلا علميا رصينا للتدليل علي مقولته. ويقول وحيدة ان المصريين اتصلوا بشعوب المشرق والمغرب منذ القدم.. اتصلوا بشعوب أسيا القريبة ولكنها تظل علي الدوام صلة عوالم قائمة بذاتها تتغير في اللغة والدين والتفكير وان تفرع عن ذلك أصل واحد أو أوجدت الظروف الاقليمية المتقاربة بعض العناصر المشتركة بينها. لقد اتصلت مصر بالدويلات اليونانية عدة قرون قبل حرب طروادة وتردد علماء اليونان وقادتها علي مصر مثل أرفيون وفيثاغورس وكريتون وديمقريط وأفلاطون وأقدم الأمراء المصريون علي جلب رجال السيف من الأغارقة لجيوشهم, كما فعل بسماتيك. ثم يعرج صبحي وحيدة علي فترة الفتح العربي لمصر وكيف تغيرت الأمور فيها تغيرا كبيرا ويستعرض وجهتي نظر ماسبيرو الذي قال ان الموجة العربية لم تؤثر بالتالي في كيان المصريين الي مقولة طه حسين الذي قال ان المصريين لم يتغيروا قط وان الذي تغير وتمصر هو من هبط عليهم من الخارج وينتقل الي فترة الحروب الصليبية التي أصابت مصر بشرور كثيرة نتيجة للغارات العنيفة التي كانوا يشنونها عليها من الشرق والغرب والشمال. ويرد علي من ينتقصون مصر لترحيبها بالاسكندر وقبولها الرومان ورضاها بالعرب ويقول: إنهم ينسون ان العهود اليونانية والرومانية والعربية هي عهود ثورات عالمية اجتاحت العالم المعروف علي أيامها ولاشأن لها البتة بالحروب الحديثة التي تنشب بين أمم مستكملة وعيها القومي متمتعة بمستوي اجتماعي واقتصادي واحد فدخلت تحت الاسكندر جميع هذه الشعوب وان انفراد المصريين دون من بقي علي قيد الحياة من الشعوب القديمة والشعوب الحديثة كافة بمعاصرة تقلبات الحياة البشرية المعروفة هو إلي حد بعيد السبب فيما يؤخذ عليهم من اختفائهم من مناصب القيادة الحكومية المدنية والعسكرية قرونا عدة فقد كانت هذه التقلبات تهز حياتهم هزا. كتاب في أصول المسألة المصرية يقدم عرضا وافيا لتطورات مصر في فترة الفتح العربي, ثم ما يسميه حكم المغل أي العهد المملوكي ثم الموجة الغربية وعلاقة مصر بالنهضة الأوروبية الحديثة وعلاقة أوروبا بالسلطة العثمانية وأثر ذلك في حياة مصر تحت محمد علي وابنائه, ثم يتطرق الي مايسميه أعراض المراهقة وهو عرض لتفاعل الموجة الغربية وظروف مصر الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ثم الفصل الخامس الذي يفرده عن عقد النقص. يظل مؤلف صبحي وحيدة قادرا علي التفسير رغم تباعد سنوات صدوره عن عالمنا الراهن. [email protected]