السيدة ليلى مرزوق والدة خالد سعيد أعلنت مقاطعتها للانتخابات البرلمانية الحالية.. وهى لم تكتف بهذا ولكنها اعتبرت هذه الانتخابات غير معترف بها، لأنها وعلى حد قولها "تمت مخالفة لمطالب الشعب الذى طالب بضرورة أن يكون هناك تسليم للسلطة لمجلس مدني أولا ً ثم إعداد دستور مناسب وبعد هذا تتم العملية الانتخابية"..!! أما "زهرة" شقيقة خالد سعيد فهي ترفض هي الأخرى أن تجرى الانتخابات تحت قيادة المجلس العسكري واعتبرت "أن قرار إبقاء فترة التصويت لمدة يومين يثير الشكوك ويضع الانتخابات في دائرة إمكانية التزوير"..!! .. هكذا تحدثت والدة خالد سعيد وهكذا رأت شقيقته أن الانتخابات ستقع في دائرة التزوير.. وهكذا تلقف بعض الإعلام هذا الكلام وأبرزه في تصريحات وكأنه سبق صحفي لم يحدث من قبل.. ! نعرف أنه من حق كل مواطن مصري أن يتحدث ويعبر عن رأيه لكن أن تتحدث السيدة ومعها أبنتها وكأنها تعبر عن كل شعب مصر وتتحدث باسم كل المصريين وأنها تضع خارطة الطريق التي يجب أن يسير عليها مستقبل مصر حتى لو كان الأمر بعيداً عن اختيار أغلبية الشعب.. فهنا يجب أن نتوقف قليلاً أن ما نعرفه عن السيدة ليلى مرزوق.. أنها سيدة بسيطة مثلها مثل ملايين الأمهات المصريات التي تسعى في الدنيا لتربية أبناءها وخدمة أسرتها فى ظروف صعبة اقتصاديا واجتماعيا وحياة سياسية كانت تموج بمناخ الفساد .. ووسط كل هذا تعرض ابنها - وكما أشارت التحقيقات - إلى اعتداء من رجال شرطة أودى به إلى الموت وصدر حكم بشأنهم.. وجاء موت ابنها خالد سعيد ليمثل شرارة جديدة لجهود شباب الفيسبوك بإنشاء صفحة باسمه لطرح المزيد من التعبئة ضد النظام الفاسد السابق الذي كرهه معظم الشعب وتآكلت عليه الأسباب حتى سقط بفعل نزول الشباب إلى الميادين ووراءهم كانت وقفة الشعب المصري كله.. وأكثر من هذا لا أعرف عن السيدة شيئاً.. فهي والدة أبن أو شهيد من أبناء مصر الذين استشهد منهم ملايين غيره على مدار تاريخها فى الحروب والثورات ورغم ذلك لم نرى أمهاتهم قد تحولن إلى زعيمات ولا ثوريات ولا تحدثن باسم كل الشعب ولم يرمين التهم جزافاً على من يخالف أتباعهن في إدارة البلاد بأنهم مزورون !! ..أعرف أن لاشئ في الدنيا يساوى نقطة دم واحدة تسقط من "ضنى" أى أم.. وأن كل الدنيا لا تساوى عند نفس الأم أن تُزهق روح أبنها وأن تتركها إلى ربها فى عين حياتها حتى لو كان شهيداً.. وأدرك أنه حتى سنوات القصاص من قاتل الابن لايساوى نظرة عين واحدة للحظة فى وجهه أياً كان هذا الأبن.. مطيعا أو عاقاً.. سوياً كان أومدمناً.. رحيماً بأهله هو أو جاحداً.. أعرف أن الأم ستبقى تحمل فى صدرها وجنباتها وضلوعها حرقة الألم على فقدان إبنها.. وهى قد تفقد العقل والروح, وتحمل ثأراً لا يزول من نفسها لمن كانوا وراء فقدانه وهى لديها الحق - كل الحق - في هذا الشعور المرير لكن الذي لا أعرفه أن يصدق أهل هذا الابن أنهم تحولوا إلى زعماء سياسيين عارفين ببواطن الأمور.. عندما يتحدثون تنطلق من أفواههم الحكمة وعلى الشعب أن ينصت..! أما إعلامنا الذى يتلقفهم ويعلمهم مفردات التعامل مع الكاميرا والشاشات والتسجيلات ويبرز تصريحاتهم النارية وكأنهم مناضلو الأمة فهو له شأنه ومسئوليته التى تحول هؤلاء البسطاء إلى محترفين فى عالم "التلميع الإعلامي" أما دم باقى الشهداء الذين ارتوت بهم دماء هذه الأرض فى القريب أو البعيد شباباً كانوا أو من رجال الجيش في الحروب أو الشرطة وهم يحمون أمننا فلا نسمع عن كثير من أهليهم شيئاً لأن القاء الضوء عليهم لن يحقق نفس الأغراض بتسليطها على آخرين.. نعم باقى الشهداء لم يلتق الرئيس الأمريكى أوباما شقيقتهم محتفياً بها وبعظمة شقيقها مثلما حدث مع خالد سعيد لأنه من وجهة نظر الأمريكان وكما قالت تصريحاته مفجراً للثورة الجديدة فى مصر التى يريدها ..لكن هل هذا يتيح الحق للوالدة والشقيقة أن تتحدث بإسم كل المصريين ! .. ان المتاجرة بدم الأبناء أحياناً هو أصعب عقاب يمكن ان يلاقيه شهيداً وهو ينظر الى أهله من عالمه الطاهر إلى عالمهم المزيف المتلون خاصة لو كان هذا العالم هو عالم أوباما وجنوده فى الأرض!! الأمر لم يتوقف عند أهل خالد سعيد ولكنه بات يقترب من الظاهرة فأنا لا أفهم أن تسيل دماء شاب لم يتجاوز عمره 19 عاماً فى ميدان التحرير تحت أقدام سيارة أو بطلق نارى فى الصباح - هو أحمد سرور- وقبل أن يجف دمه نجد أمه تتوجه إلى أحدى الاستوديوهات فى المساء لتتحدث .. بأى قلب هذا.. وبأى روح أن يضيع الإبن وأذهب أنا تحت أى دعوى كانت إلى الاستوديو فى نفس الليلة حتى لو كانت للحديث عنه ..!! إننا أمام ظاهرة جديدة تصنع أبطالاً من الأمهات والآباء وليس من الشهداء والشهيدات.. ظاهرة يتلقفها البعض بل وربما يصنعونها بإحترافية لتحقيق أهداف سياسية ويقع فيها الأمهات والآباء البسطاء بعد أن تضيع أرواح أبناءهم ثم تكون مكافأتهم هى تصديق أنفسهم أنهم أصبحوا نواباً لكل هذا الشعب ويتحدثون بإسمه.. والثمن دم هؤلاء الأبناء ! المزيد من مقالات حسين الزناتى