هناك أوقات يعجز الإنسان فيها عن التعبير عن مدي مايحس به من ألم عند فقدانه لإنسان عزيز عليه, وإنني أجد نفسي عاجزا عن التعبير عن عمق حزني وألمي لفقدان فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف.. فوفاة شيخنا الجليل خسارة فادحة لمصر والعالم العربي والإسلامي بل والعالم اجمع ولنا جميعا فقلما يجود الزمن برجل مثله, سوف يذكرالتاريخ هذا الرجل, سوف يذكره ولن يستطع ان يتجاهله لأنه كان احد صناعه, فالتاريخ لايتجاهل أو يهمل رجلا كان له إسهامات كثيرة علي المستوي الديني وعلي المستوي الوطني. لقد عرفت فضيلته منذ زمن بعيد, عرفته عن قرب فوجدت فيه الأب الحنون والعطوف المحب لوطنه, المحب لأبناء وطنه مسيحييه قبل مسلميه, لقد كان وطنيا بمعني الكلمة وله مواقف لاتعد ولاتحصي من المواقف الوطنية, منها زيارته لشهداء نجع حمادي ومواساة عائلاتهم.. نعم لقد أحببت هذا الرجل لحكمته وسماحته وفضائله الكثيرة, فله محبة عميقة في نفسي. لقد كان من المجددين والمجتهدين والمستنيرين, فأنا اعتبره امام المجددين في الوقت الحالي, فيمكن ان ندعوه محمد عبده العصر الحالي لأنه كان شجاعا في التطرق إلي قضايا كثيرة لم يتطرق إليها غيره من قبل أثارت جدلا عندما تناولها مثل فوائد البنوك وحق المرأة في الحصول علي المناصب القيادية وتأييده لقانون زراعة الاعضاء وقضايا أخري عديدة. كما كان شيخ الأزهر رجل حوار.. نعم كان رجل حوار فهو أرسي قاعدة لا حوار في العقيدة بل الحوار يكون حول القيم المشتركة بين الأديان) فقد حرص علي التواصل مع رؤساء الأديان الاخري من أجل مد جسور السلام والتفاهم وردم هوة الخلاف بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية لتجنب الدخول في صدام بين الحضارتين. كان نصيرا للمرأة ومؤمنا بمساواتها للرجل فقد دافع عن حقها في المساواة بالرجل في كل شيء في الحقوق قبل الواجبات فقد دافع عن حقها في الانتخاب وتولي القضاء بقوله بأنه لم يجد نصا يمنع المرأة من ولاية القضاء. لقد رحل عن دنيانا تاركا فراغا وألما وحزنا عميقا في قلوب الكثيرين فقد نعاه قداسة البابا شنودة معبرا عن حزنه وآلمه بقوله( إنها خسارة كبيرة لاتعوض فقد كان رحمه الله مجموعة من الفضائل, وكانت له محبة عميقة وكنت اعتبره أخا وصديقا وكنا نتفق في كثير من الآراء والمواقف ولا أجد عزاء في فراقه). فكلمات قداسة البابا تعبر عن محبة حقيقة له وتعكس مكانة فضيلة شيخ الأزهر لدي الكثيرين, ولا أنسي سرداق العزاء فقد كان مهيبا, فقد قدم المعزون واجب العزاء لقداسة البابا شنودة الذي كان أخا وصديقا لفضيلة شيخ الأزهر رحمه الله وأولاده المستشار أحمد والدكتور عمر اللذان طلبا الدعاء من قداسة البابا من أجل والدهما الذي كان أخا حقيقيا لوالدهما. أتمني أن يكون شيخ الأزهر المقبل في نفس صفات وفضائل شيخنا الجليل رحمه الله, وان يعوض خسارة البابا في شيخ الأزهر الجليل وان يكون ذا منهج ورؤية في محاربة التشدد والتطرف مثلما كان لشيخنا, وان يكون مستنيرا منفتحا علي الآخر ليعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام الذي يقبل الآخر المختلف عنه في العقيدة والجنس واللون ويعكس مكانة الأزهر الحقيقية كمنارة للإسلام المعتدل, والوسطي الذي يتعاطي مع العصر وعلومه وتطوره السريع والمتلاحق.. وأتمني من قلبي أن يسير شيخ الأزهر المقبل علي نهج شيخ الأزهر الراحل رحمه الله فيما يتعلق بالقضايا الوطنية التي تثار من وقت لآخر وان يكون علي استعداد لتحمل الهجوم من الغير مثل شيخنا الراحل رحمه الله رحمة الله.