عاشت الأهرام ليلة عصيبة بين حلقات المتظاهرين في الميدان وفي الشوارع المحيطة وحتي صباح أمس, رصدنا المواجهات الدامية بين الشرطة والمتظاهرين وسط اصرار غريب من الجانبين علي الفوز بالمعركة بعد أن بلغت حصيلة الوفيات29 شهيدا وقرابة ثلاثة آلاف مصاب. حيث شهدت المنطقة المحيطة بوزارة الداخلية حرب شوارع وعمليات كر وفر. وكان لشارع محمد محمود نصيب الأسد في تلك المواجهات التي استمرت دون توقف منذ يوم السبت الماضي, بينما خصص المعتصمون بالميدان حارات مرورية لتسهيل مهمة سيارات الإسعاف بين شارع الموت والمستشفي الميداني أمام مجمع التحرير, حيث لا تتوقف حركة السيارات أو الدراجات البخارية التي تنقل المصابين لتلقي الإسعافات للحظة واحدة. وبدأ الشباب في تقسيم أنفسهم إلي مجموعات لتأمين الشارع من الداخل لمدة ساعة تقريبا وتخرج مجموعة لتدخل أخري مكانها حتي يتمكنوا من مواصلة صد هجمات الأمن وتحجيمهم لضمان عدم دخولهم الميدان, وأكد عدد كبير من الشباب المشارك في المواجهات أنه لا توجد لديهم النية لحرق مبني وزارة الداخلية بدليل تمكنهم من الوصول إلي المبني مرات عديدة علي مدي الأيام السابقة وعدم مساسهم به ولكنهم يخشون غدر الأمن المركزي كما فعل من قبل بمعاودة الهجوم. وأرسلت القوات المسلحة تعزيزات أمنية لحماية مبني وزارة الداخلية ونشرت المدرعات في شارع الفلكي الرابط بين شارعي باب اللوق ومحمد محمود, بينما فشلت في عزل المنطقة المحيطة بالوزارة بالأسلاك الشائكة, ووصف المتظاهرون تعامل الشرطة معهم بالغباء الشديد, وقالوا إن جهاز الأمن يكرر نفس أخطاء الماضي ويمارس نفس أسلوبه القمعي مع المواطنين. وشهد الميدان تزايدا واضحا في حالات الاختناق والإغماء نتيجة قذف القوات لهم بالقنابل المسيلة للدموع بكثافة شديدة. وأكد الدكتور أحمد فاروق المنسق العام لأطباء المستشفيات الميدانية أن القنابل المسيلة للدموع لا تتسبب في الأعراض التي يعاني منها المتظاهرون جراء تعرضهم للغازات التي يلقيها الأمن عليهم في الميدان, وقال إنه يشتبه في أن تلك القنابل بها غاز الخردل السام الذي يسبب الوفاة, وأشار إلي أنه تم إلقاء القبض علي6 أطباء داخل المستشفي الميداني بشارع الفلكي المتقاطع مع شارع محمد محمود بعد قذف المستشفي بالقنابل والخرطوش. وحملت معظم اللافتات شعارات تؤكد مطالب محددة وهي تنحي المشير حسين طنطاوي ورجوع الجيش لثكناته وتسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني وتشكيل حكومة انقاذ وطنية ومنها: احنا الشعب الخط الأحمر. يسقط يسقط حكم العسكر والشعب قرر تسليم السلطة الآن ووحدة كلمتنا ترجع ثورتنا وقوم يامصري مصر دايما بتناديك وتسليم السلطة للمدنيين مطلب كل المصريين.. معتصمون بالتحرير حتي يسقط المشير. ولم تخل اللافتات من روح الفكاهة التي يتمتع بها الشعب المصري في أحلك الظروف مثل لافتات مكتوب عليها: اعمل الصح يامشير, أين أشيائي و جدع ياباشا و سيدي المشير.. عفوا لقد نفذ رصيدكم, و التحرير صانع الأبطال, و كلنا معتقلون. ولم يهدأ الميدان طوال ليلة أمس الأول حتي السادسة صباحا وتراجعت حدة المواجهات في شارع محمد محمود وافترش المعتصمون الأرض في العراء واحتموا بالبطاطين التي حصلوا عليها من جمع تبرعات من المتظاهرين ليحصلوا علي قسط من الراحة حتي ولو لبضع ساعات قبل أن يبدأوا يومهم الخامس سواء بالهتاف أو صد هجمات الشرطة أو نقل المصابين. واتفق المعتصمون علي الترتيب لعمل جنازة ضخمة في جمعة الغد للشهداء الذين سقطوا أثناء المواجهات, كما خرجت مسيرة ضخمة ضمت الآلاف من ميدان التحرير أمس وطافت الشوارع المحيطة به لحث السكان والمارة علي الانضمام إلي المعتصمين بالميدان والمشاركة غدا وعدم الاكتفاء بالمشاهدة عبر شاشات التليفزيون. ورددوا خلال المسيرة شعارات منددة بالمجلس العسكري, وتؤكد ردود الفعل الغاضبة لبيان المشير الذي وصفوه بأنه يذكر هم بالبيانات التي ألقاها مبارك قبل تنحيه وأنه لا يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصري مثل ارحل.. ارحل و سلمية.. سلمية. وبدأت ملامح الميدان تتحدد خاصة بعد أن نصب المعتصمون خيامهم وتحددت أماكن المستشفيات الميدانية إلا أنه غاب عن المشهد المركز الإعلامي الموحد للميدان, كما غابت اللافتات التي تحمل دعاية حزبية أو إشارات إلي ائتلافات أو جماعات, كما حدث في اعتصام8 يوليو الماضي, واكتفت القوي السياسية المشاركة في الاعتصام بكتابة اسم الجهة المشاركة علي الخيمة فقط دون أي دعاية أو مزايدة. واتفق المعتصمون علي ثلاث قواعد ملزمة للتيارات والقوي السياسية للمشاركة بالميدان, وطبعوها علي لافتات كبيرة تم توزيعها علي مداخله بعنوان قواعد ميدان الثورة المصرية القاعدة الأولي عدم تشييد أي منصة منفردة لحزب بعينه أو تيار أو قوي سياسية والثانية عدم رفع أي شعارات تخص أي قوي سياسية أو حزبية والقاعدة الأخيرة أن للميدان ميكروفونا واحدا فقط, واختتمت اللافتات بعبارة صوت واحد.. معركة نخوضها تحت شعار كلنا مصريين. وجمع المعتصمون توقيعات ورقية والكترونية علي تعهدات بعدم عقد أي من الفصائل أو الأفراد المشاركين في الاعتصام أي اجتماعات مع المجلس العسكري بهدف إبرام أي اتفاقات تخص المتظاهرين أو الثورة ووضع من يخالف هذا التعهد في قوائم سوداء يتم تعليقها والإعلان عنها داخل الميدان وحرمانه من المشاركة في الاعتصام. كما أصدر المعتصمون بيانا صباح أمس وصفوا فيه الأحداث بموقعة الجمل الجديدة وحملوا فيه المجلس الأعلي للقوات المسلحة المسئولية الكاملة عما وصفوه بالأعمال الإجرامية المدبرة محذرين من مجزرة دموية بين أبناء الوطن الواحد.