أثارت حالات القبض على عدد من المواطنين المصريين فى ليبيا، والاعتداء على راعى الكنيسة القبطية فى بنى غازى مؤخرا عددا من التساؤلات حول ملابسات هذه التجاوزات والانتهاكات، وهل هناك استهداف للمصريين وتمييزاً فى المعاملة ضدهم، وإلى أين وصلت التحقيقات فى هذه القضايا، بالإضافة إلى جهود رد مستحقات المصريين فى ليبيا والعراق والاتصالات مع الجانب السعودى لعقد اللجنة القنصلية المشتركة التى لم تنعقد منذ 5 سنوات. السفير على العشيرى، مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين فى الخارج، أكد فى حوار مع "الأهرام" أن التجاوزات ضد المصريين حالات فردية ولا تمثل ظاهرة عامة، مشددا على أن الحكومة الليبية أدانت هذه الاعتداءات بأشد العبارات، وأعلن العشيرى الاتفاق على عقد اللجنة القنصلية المصرية السعودية قريبا لبحث العديد من الملفات والمشاكل المزمنة. وفيما يلى نص الحوار: * تساؤلات عديدة تدور حول حقيقة ما تعرض له عدد من المصريين فى ليبيا مؤخرا، والاعتداء الذى تعرض له راعى الكنيسة، وغلق الحدود فى السلوم، واعتقال مجموعة من المصريين بتهمة التبشير.. هل هناك أزمة مع ليبيا؟ - أود أن أوكد فى البداية على حقيقة مهمة جدا، وهى أن العلاقات المصرية الليبية علاقات إستراتيجية متينة، ليبيا دولة جوار، يجمع بيننا والأخوة الليبيين تواصل ونسب ومصاهرة، فهى علاقات شديدة الخصوصية، وهناك حرص شديد من الجانبين على تعزيز وتقوية هذه العلاقات، ولعل زيارة رئيس الوزراء الليبيى الأخيرة جاءت فى هذا الإطار، وكانت فرصة مناسبة لمناقشة كل الموضوعات التى تهم المصريين فى ليبيا وجوانب العلاقات الثنائية بين البلدين. فيما يخص المصريين فى ليبيا لابد أن أعترف أن هناك بعض المشاكل وبعض التجاوزات، هناك بعض الانتهاكات أحيانا ضد بعض المصريين، إنما هى حالات فردية لا تمثل ظاهرة عامة، وهناك حرص من الحكومة الليبية، ومن المسئولين على إدانة هذه التجاوزات والانتهاكات. ليبيا تمر بفترة تحول ديمقراطى، وظروف استثنائية مثل دول الربيع العربى، هناك مشاكل مرتبطة بهذه الفترة، ونحن لسنا بعيدين كثيرا عن هذا الوضع. هناك بعض الجماعات المتشددة التى تقوم بمثل هذه التجاوزات والانتهاكات، وهناك استنكار قوى وشديد من الدولة الليبية. * كيف تفسر سبب هذه الاعتداءات ضد عدد من المصريين الأقباط هناك؟ - خلال الأسابيع الأخيرة أعلن أن هناك قضية تبشير متهم فيها عدد من المصريين وآخرين من جنسيات أخرى - وهذه نقطة مهمة جدا- هناك متهمون من أمريكا ومن دول أخرى، وأصبح المقبوض عليهم فيها أربعة مصريين، بعد وفاة المواطن الذى نتقدم لأسرته بخالص العزاء، تم تجديد حبسهم لمدة شهر آخر على ذمة التحقيقات، ومنذ اليوم الأول للقبض عليهم فى بنى غازى قام القنصل المصرى بمتابعة التحقيقات، ثم يقوم السفير المصرى فى طرابلس بمتابعة تطورات هذه القضية لحظة بلحظة مع السلطات الليبية، والمستشار القانونى يحضر كل التحقيقات. * كيف تعاملتم مع حالة وفاة المواطن عزت عطا الله الذى قيل إنه توفى بسبب التعذيب؟ - كانت هناك متابعة حثيثة لحالة الوفاة بالتنسيق مع زوجة المتوفى خلال وجودها فى بنى غازى، وطلبت تأجيل تشريح الجثمان، وتمت الاستجابة لهذا الطلب، وتحدثت معها هاتفيا خلال وجوده بمكتب السفير المصرى فى طرابلس، وطلبت منها أن تتقدم له بكل ما تريد من مطالب، حتى يتم متابعتها بعد سفرها، إذا كان هناك تعويضات أو مستحقات، فضلا عن مرافقة المستشار القانونى لها للقاء المسئولين عن الطب الشرعى، حيث كان المسئول الذى تولى عملية إعداد التقرير المبدئى مصرى الجنسية "بالمناسبة"، الذى أشار إلى أسباب صحية طبية معينة لحدوث الوفاة، واقتنعت زوجة المتوفى بذلك وطلبت استكمال شحن الجثمان وهو ما حدث بالفعل. * إذن الوفاة طبيعية وليست جراء تعذيب؟ - نحن مازلنا فى انتظار التقرير النهائى للطب الشرعى. التقرير المبدئى يتحدث عن أسباب طبية للوفاة، لأنها حدثت فى حضور الموقوفين المصريين الآخرين. * ماذا تقول للأقباط المصريين، الذين يشعرون بالغبن مما حدث نحوهم فى ليبيا؟ - الاعتداءات ليست ضد المصريين على الإطلاق، هناك اعتداءات متفرقة على بعض الآباء والرعاة والكهنة الذين يمثلون كنائس أخرى، لذلك فهى ليست مسألة ممنهجة أو موجهة، وإنما تأتى فى الإطار العام الذى تحدثت عنه من جانب جماعات متشددة تقف ضدها وضد انتهاكاتها الدولة الليبية على مستوى المسئولين والحكومة الليبية. نحن سنظل متمسكون بموقفنا وموافاتنا بالتحقيقات وملابسات الاعتداء وتعقب الجناة المسئولين عن ذلك. * هل هناك تحركات على الأرض مع السطات الليبية؟ - هناك وفد مصرى قضائى قام بزيارة ليبيا فى نهاية الاسبوع الماضى،حيث إلتقى بالموقوفين على ذمة القضية، وتواصل مع السلطات الليبية للوقوف على ملابسات هذه القضايا. * هل هناك آليات معينة للتنسيق مع السلطات الليبية لحل هذه المشكلات، وما هى الجهود المبذولة فيما يخص استرداد مستحقات المصريين خلال الثورة الليبية؟ - هناك تواصل بشكل يومى مع السلطات الليبية من خلال السفير والقنصل العام فى طرابلس وبنى غازى، ونحن على تواصل مع السفير الليبيى فى القاهرة، ويجرى الإعداد لعقد لجنة عليا مشتركة بين البلدين، لكى تبحث كل مجالات التعاون بما فى ذلك التأكيد على حاجة السوق الليبي للعمالة والشركات المصرية ومساهمتها فى إعادة إعمار وبناء ليبيا. كما نقوم بالإعداد للجنة قنصلية مشتركة تستضيفها طرابلس خلال الأسابيع القليلة القادمة، تتناول كل ما يهم الجالية والعمالة المصرية هناك، وقد عقدت عدة اجتماعات تنسيقية للتحضير لهذه اللجنة، التى ستدور موضوعاتها الأساسية حول معاملة المصريين، والمشاكل العمالية لبعض المصريين هناك، والشهادة الصحية وعدم اعتراف بعض الجهات بها فى ليبيا، ووضع آلية لهذا الموضوع، بالإضافة إلى المستحقات للمصريين الذين استشهدوا خلال ثورة 17 فبراير والمصابين وملف الاستحقاقات الخاصة بالمواطنين بصفة عامة، وكذلك التعاون فى المجال القضائى، خصوصا ما يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المصريين. * كيف تقرأ زيارة رئيس وزراء ليبيا للقاهرة مؤخراً؟ - كانت زيارة فى غاية الأهمية بعد تطبيق السلطات الليبية لنظام جديد يتعلق بفرض تأشيرة دخول على أبناء مرسى مطروح، تحديدا بعد أن كان لهم استثناء من شرط الحصول على التأشيرة، فى أثناء هذه الزيارة أكد الليبيون أن هناك أسبابا أمنية بحته هى التى حتمت ذلك، وأن هذه الأسباب الأمنية تصب فى مصلحة البلدين، وأنها مؤقتة، وخلال هذه الفترة الانتقالية سيكون هناك تسهيل لحصول أبناء مطروح على التأشيرة إما متعددة لفترة زمنية طويلة، بالإضافة إلى التفكير فى دراسة إمكانية إنشاء تمثيل قنصلى ليبى فى مطروح مصرى فى طبرق لتقديم الخدمات القنصلية للمقيمين فى منطقة الحدود ووعد رئيس الوزراء الليبى بالإعلان هذه التسهيلات لأبناء مطروح، وهناك حرص ليبى على تسهيل مرور الأفراد والشاحنات، ومازلنا فى انتظار إعلان الجانب الليبى عن هذه التسهيلات بشكل محدد وواضح، إنما لا توجد معوقات فيما يتعلق بالمرور والانتقال فى الفترة الحالية. * هل نفهم من ذلك أن مشكلة التكدس للشاحنات فى منفذ السلوم انتهت؟ - أستطيع أن أقول إنها انفرجت ومازلنا فى انتظار تنظيم معين سيعلن عنه قريبا من الجانب الليبى ينظم هذه المسألة بشكل أكثر وضوحاً. * كيف يمكن برأيك ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح .. وكيف تتعامل الخارجية مع السلطات الليبية فى هذه القضية؟ - هناك عدة لجان أمنية متخصصة يتم من خلالها بحث كل هذه الموضوعات مع الجانب الليبى، وهناك حرص شديد وتنسيق على أعلى مستوى لمصلحة البلدين. * هل هناك مطالب معينة من الجانب الليبى فيما يخص العمالة المصرية؟ - يحرص الجانب الليبى على أن تكون العمالة المصرية مدربة ، وهناك توجه للاهتمام بالتدريب حتى فى المهن المختلفة. الدول تتجه الآن إلى ضبط أسواق العمالة، وجزء من هذا الضبط النظر إلى المقيمين بشكل غير قانونى، التأكد من أن هؤلاء الذين يقومون بوظائف معينة يمتلكون المهارات اللازمة لهذه الوظائف، هو ما يلقى علينا مسئولية الاهتمام بالتدريب، أكرر أهمية التدريب للمصريين قبل سفرهم إلى الخارج. وهذا توجه مصر مع دول الاتحاد الأوروبي للاستفادة من فرص الهجرة الشرعية إلى أوروبا، التى تحتاج إلى اكتساب مهارات معينة حتى تستطيع أن تنافس بشكل قانونى فى سوق العمل الأوروبى. * هل هذه الإجراءات موجهة ضد العمالة المصرية فقط فى هذه الدول؟ - من حق هذه الدول أن تنظم سوق العمل بالشكل الذى تراه، وهناك حرص وتأكيد أنه لا توجد إجراءات تمييزية ضد المصريين، وأن ما يتم من أجل تنظيم سوق العمل بشكل عام وليس موجها ضد جنسية بعينها، بل على العكس يوجد احتياج للعمالة المصرية فى تخصصات معينة ولا يمكن عن الاستغناء عن هذه التخصصات، فالفرص متاحة والمجالات متوفرة، وأشير إلى أن زيارة الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء الأخيرة للعراق كان فى أحد جوانبها فتح السوق العراقى أمام الشركات والعمالة المصرية. * تواجه مصر ظروفا اقتصادية صعبة منذ تفجر ثورة 25 يناير.. كيف يمكن أن يساهم المصريون بالخارج فى دعم الاقتصاد القومى؟ - نتحرك على كل المستويات لرعاية المصريين المقيمين فى الخارج، وفتح فرص عمل جديدة أمامهم، المصريون فى الخارج يمثلون مصدراً مهماً جدا من مصادر الدخل القومى، حيث تتحدث أرقام البنك الدولى عن تحويلات بلغت 19 مليار دولار فى العام الماضى، أى تقريبا ضعف دخل السياحة. نحن نستهدف ليس فقط تحويلات المصريين بل ما هو أكثر من ذلك، وهو استهداف جزء من مدخراتهم، ليس للاحتفاظ بها فى البنوك، لكن لاستثمارها فى إقامة مشروعات متوسطة وصغيرة الحجم . نتطلع إلى اليوم الذى يكون فيه لدينا عدد من الشركات التى تطرح للاكتتاب العام للمصريين فى الخارج، وهذه فكرة يتحدث فيها المصريون فى السعودية والخليج. * كيف يمكن برأيك الوقوف على الاحتياجات للعمالة المدربة المطلوبة بما يتيح فرص عمل أكثر، خصوصا أن لدينا تجربة النموذج الإيطالى؟ - البديل الأكثر عملية بالنسبة لحالة ليبيا والدول العربية، هو ما طرحته خلال زيارتى للإمارات، الربط الإلكتروني المباشر، وهو ما طبقته وزارة القوى العاملة والهجرة بنجاح مع الأردن، حيث أستطيع من خلاله الوقوف على الاحتياجات والمؤهلات، ويكون دور وزارة القوى العاملة توفير هؤلاء المؤهلين وصياغة العقد وتحديد التزامات كل طرف ورعاية وتنفيذ شروط هذا العقد. نحن نطالب بتفعيله مع ليبيا أيضا، لو تحقق سيكون نقلة كبيرة جداً تساعد فى حل عدد كبير من حل مشاكل هذه الشريحة من العمالة التى تذهب دون الرجوع لوزارة القوى العاملة والهجرة. * ما هو المطلوب من الدولة لتوفير رعاية قانونية حقيقية للمصريين فى الخارج؟ - رعاية المصريين فى الخارج أولوية أولى للخارجية المصرية وبعثات مصر فى الخارج، ونحن نقوم بدور حلقة الوصل بين المواطن المصرى ومؤسسات الدولة فى الداخل. فى الحقيقة رعاية المصريين فى الخارج تتعدى وزارة الخارجية إلى كل مؤسسات الدولة بما فيها وزارات الداخلية والدفاع، القوى العاملة والهجرة. كل هذه الجهات وغيرها لها علاقة بتقديم الرعاية للمصريين فى الخارج. إنه جهد دولة يتطلب تضافر الجهود لتقديم أفضل رعاية ممكنة لأبنائنا فى الخارج. إن ما ينقصنا فى وزارة الخارجية أنه لا يوجد بند فى ميزانية الوزارة لتقديم الحماية القانونية للمواطن فى الخارج، وسنظل نتحدث عن هيئة رعاية المصريين فى الخارج وأهمية إقرارها من جانب مجلس الشورى لتقديم الرعاية القانونية . كلنا نعلم أن دول الخليج -على سبيل المثال- لا تسمح للمحامى المصرى أن يترافع أمام القضاء فى دولها. كما تعلم قضايا الرأى العام جميعها يكون لها شق قانونى، وكنا دائما نسأل خلال المشكلات التى حدثت لبعض المقيمين بالسعودية هل هناك محام يتابع التحقيقات، وكان الرد أن لدينا ثلاثة مستشارين قانونين فى جدة يقدمون المشورة القانونية ل800 ألف مصرى منهم على الأقل 800 لهم مشاكل. * هل يعنى ذلك إقرار منكم بالتقصير من أداء الرعاية المناسبة للمواطنين بسبب نقص الدعم المالى والبشرى؟ - لن نحقق ما نرجو من رعاية واجبة للمواطن المصرى أحيانا بسبب عدم توافر الموارد البشرية والمالية، التى تتيح التواجد بموقع الحدث فى الوقت المناسب، متابعة التحقيقات، وتهدئة خواطر ذوى وأهالى المتوفىين والاتصال بالمسئولين لإنهاء الإجراءات، وكلها أمور تحتاج إلى دعم، وهذا ما نتوقعه ونتمناه فى الفترة المقبلة. * هل هناك اتصالات مع الجانب السعودى لعقد اللجنة القنصلية المشتركة، التى لم تنعقد منذ خمس سنوات؟ - نعم تم الإتفاق على عقد اللجنة القنصلية قريبا على مستوى مساعدى وزير الخارجية فى البلدين، لذلك نعتبر أن هذه اللجنة حدث مهم جدا لطرح كل الملفات التى تتعلق بالمصريين فى المملكة، وتشمل المشاكل العمالية باعتبارها تستحوذ على جل الاهتمام، وملف مستحقات المصريين،وكذلك مستحقات المتوفين وسرعة اتخاذ الإجراءات لإنهاء شهادات الوفاة، ومسالة حضور التحقيقات مع المواطنين وسرعة إبلاغ السفارة المصرية بحالات القبض على المواطنين، الذى من شأنه أن يساعد على تفادى مشاكل كثيرة جدا جراء عمليات القبض والاحتجاز. كذلك سنطرح زيادة عدد المدارس السعودية التى تدرس مناهج مصرية ، وأن تكون مصروفاتها فى استطاعة الأسرة المصرية، كذلك التعاون فى المجال القضائى وتنفيذ الأحكام التى صدرت ولم تنفذ،وطرح بعض الحالات الفردية للمشاكل المزمنة من فترات طويلة، وملف المسجونين على ذمة قضايا أمنية، والحرص الشديد على الانتهاء منه، فضلا عن الحرص السعودى على إغلاق هذا الملف، حيث تقلص عدد المسجونين إلى 20 مصريا فقط.