لماذا تبدو جماعة الإخوان المسلمين حريصة علي الانفراد بحكم مصر مهما كان الثمن؟! لقد كانت الصورة السياسية لمصر حتي ديسمبر الماضي منقسمة بين الأحزاب المدنية وبين أحزاب الإسلام السياسي. ولكن الجماعة استطاعت بعبقرية نادرة أن تزيد من خصومها كما وكيفا خلال الأسابيع القليلة التي تلت صدور الدستور الجديد. وصار في جبهة الخصوم الآن أحزاب وحركات ذات مرجعية إسلامية خالصة مثل حزب الوسط وحزب مصر القوية وحتي حزب النور ومعه كثير من الرموز السلفية. وبلغ الأمر بشخص صبور وحليم مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية إلي حد وصف إدارة الإخوان لشئون مصر بأنها إدارة انتهازية وإقصائية وكارثية وقد يري بعض الإخوان أن هذه امور طبيعية مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب وأنها مجرد مهاترات انتخابية. ولكن هذه للأسف رؤية غير صحيحة لأن هناك بالفعل سلوكيات إخوانية تدعو إلي التذمر. ومرة أخري أستشهد بأقوال د. أبوالفتوح وقد كان من أبناء نفس الدار قبل أن ينشق عليها من هول ما رآه في كواليس الجماعة. فالرجل يقول إنه يختلف مع الإخوان لأنهم يخلطون الدعوة بالحزب ولا يقننون وضعهم في المجتمع لتظل الجماعة فوق القانون كما أنهم يرفضون الشفافية والأخطر من ذلك أنهم ليس لديهم إيمان حقيقي بالديمقراطية. ولأنني أحب الخير للإخوان كمواطنين مصريين مهما كان عمق اختلافي معهم فإنني لن أقول ما يقال عادة في مثل هذه المواقف من استشهاد بقول الله عز وجل في سورة يوسف وشهد شاهد من أهلها ولكن ألا ترون ان ما يقوله د. أبوالفتوح لا يخرج كثيرا عما تقوله أحزاب المعارضة المدنية. المسألة إذن ليست مدنية وإسلامية وانما هي في واقع الأمر ديمقراطية في مواجهة أفكار وسلوكيات غير ديمقراطية أو ديمقراطية سليمة في مواجهة تزييف متعمد للديمقراطية. إنني كثيرا ما ضبطت نفسي متلبسا بمحاولة البحث للإخوان عن ثغرة لكي أنفذ منها وأنصفهم ولكني للأسف فشلت في العثور علي أية ثغرة.. فالمرشد العام للجماعة يقول لأنصاره بوضوح إن الجيش أكثر مؤسسة رسمية منظمة في مصر وجماعة الإخوان أكبر مؤسسة شعبية منظمة في الشارع المصري وأن رسالة الإخوان هي جمع الحسنات وليس جمع الأصوات انطلاقا من كوننا دعاة إلي الله في المقام الأول وأتساءل: ما هذا الغرور ياسيدي؟ وما هذا الاستعلاء علي الناس الذين بدون أصواتهم لن تمكث جماعتك في حكم مصر سحابة نهار واحد. وإذا كان هذا هو منطق المرشد فإن منهاج الرئيس يلبد سماء وطننا الحر بالهم والحزن.. فكل قراراته تقريبا غير مدروسة وإصدار القرار عنده سهل والرجوع عنه أسهل. أما الحكومة فهناك ما يشبه الاجماع علي انها حكومة عاجزة والبلاء الأكبر انها منذ تشكيلها حبست عن الناس كل الخيرات بدعوي انها لا تستطيع لا هي ولا أية حكومة أخري أن تعمل بنجاح في هذا الجو المضطرب ثم فجأة ورغم أن الاضطراب المجتمعي والسياسي لا يزال مستعرا بدأت الحكومة تلقي للناس ببعض المكاسب المالية الضئيلة.. فتات لا يغني ولا يسمن من جوع.. وجاء تعليق الخبثاء سريعا أن حكومة د. قنديل تفعل ما كانت تفعله حكومات الحزب الوطني كلما اقترب موعد أية انتخابات وإذا انتقلنا إلي حزب الحرية والعدالة كذراع سياسية لجماعة الإخوان فسنجده يحاول إمساك العصا من المنتصف فهو مع من ينتقدون حكومة د. قنديل. كما أنه حاول ويحاول جذب المعارضة المدنية للاشتراك في الحوار الوطني ولكنه يتوقف دائما عند تعليمات الجماعة بالسمع والطاعة ولا أحد يمكنه أن يعرف هل حركة هذا الحزب ذاتية أم أن الأمر كله مجرد توزيع أدوار. ويبقي ان أقول إنه غير صحيح ان عناد جبهة الانقاذ هو سبب ما نحن فيه الآن من اضطراب فالجبهة من حقها أن تجري ما تراه محققا لأهدافها من مناورات سياسية حتي لو فعلت بالجماعة الحاكمة ما يفعله الجمهوريون بالرئيس الأمريكي أوباما هذه الأيام رغم أنه رئيس منتخب في انتخابات نزيهة ولاحظوا أن الجمهوريين يحاولون تركيع أوباما وحزبه بسحب سجادة المكاسب الاجتماعية التي منحها لفقراء الأمريكيين ومحدودي الدخل منهم بينما جبهة الانقاذ لا تريد من الجماعة والرئيس والحكومة وحزب الجماعة سوي الالتزام بقاعدة من القواعد المعتمدة في المجتمعات الديمقراطية عموما وفي فترات التحول الديمقراطي بوجه خاص وهي قاعدة الوفاق الوطني.. ولقد فجعت شخصيا عندما سمعت فقيها دستوريا مرموقا من أنصار الرئيس يصيح بأعلي الصوت في آخر جلسات الحوار الوطني وعلي الهواء مباشرة.. لا شيء هناك اسمه الوفاق الوطني.. ورغم فجيعتي فإنني حمدت الله لأنني عرفت بيت الداء.