قد يتخذ المرء قرارا ويتراجع فيه أمام ضغوط من حوله, وربما يكون تراجعه صوابا تفاديا لازمات قد تواجهه فيما بعد, ولكن في أحيان كثيرة يكون هذا التراجع هو الخطأ بعينه, ويندم حينئذ علي أنه لم يستمر في قراره, ويعتبره قرارا نهائيا لا رجعة فيه! أسوق هذه المقدمة لأروي لك قصتي مع الزواج, فلقد كنت أبحث عن زوجة بمواصفات خاصة جدا, وبعد سنوات وجدتها, ولكن كانت مطلقة ولديها طفلة, وقد دفعها إلي الطلاق استحالة العشرة مع زوجها الذي لم يحسن معاشرتها ولم يقدرها حق قدرها, وانبهرت بأسلوب تفكيرها, وقررت أن أرتبط بها, وفاتحت أسرتي في زواجي منها فقابلوني بعاصفة من الانتقادات وارغموني علي نسيان هذا الموضوع لانهم لايمكن ان يوافقوا علي أن يتزوج ابنهم الذي لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره بمطلقة لديها طفلة, وهددتني أمي بأنها لن ترضي عني أبدا اذا أقدمت علي هذه الزيجة, ووجدتني امتثل لارادتهم مجبرا وساءت حالتي النفسية, وعشت فترة عصيبة وأنا أحاول الابتعاد عنها. ثم رضيت بأول عروس عرضوها علي, وحدث ما كنت أخشاه إذ وجدت فرقا هائلا بين طريقتينا في التفكير, وكان هذا الفرق لمصلحة المطلقة التي وجدتني أتعلق بها من جديد. ولكن أسقط في يدي ماذا أفعل؟ ورحت أتحايل علي زوجتي لكي تتغير, لاشعر معها ولو بجزء مما أشعر به مع حبي القديم, ولكن هيهات لها أن تفعل, فعقليتها جامدة, وأسلوبها جاف, ولاتلين أبدا. واندفعت باتجاه من أحببتها وأخبرتها بما حدث, وكانت تعلم تفاصيل كل شيء في حياتي, وعقدت العزم علي الزواج منها برغم كل العقبات التي تعترضني, وذهبت الي أمي وأنا اتطلع إلي ان تفتح لي صدرها لمناقشة مشكلتي فوجدتها غير مستعدة للحوار في هذا الموضوع ولو علمت زوجتي به فسوف تهدم المعبد علي رءوس الاسرة كلها, وسيتشرد ابننا الوحيد الذي ليس له ذنب في علاقتنا المتوترة, وفكرت في الزواج ممن ارتحت اليها بشكل سري, وعرضت الأمر علي أسرتها فقوبلت بالرفض التام من والدها وأحد أشقائها وبمرور الأيام أبلغتني بموافقة والدتها علي الزواج السري الموثق, وعقدنا القران في وجودها وشقيقها الأصغر وبعض المقربين منها, واشتريت لها شقة خاصة بها, واصبحنا نتقابل فيها كلما سمحت الظروف. وأحسست بالراحة والسعادة معها, ولكن كلما مرت الأيام أشعر بأن زوجتي الاولي سوف تعرف بزواجي الثاني وبالطبع ستطلب الطلاق الفوري وسوف يتهدم بيتي, وأنا حائر الآن بين الاستمرار في حياتي علي هذا النحو مع مافيها من عدم استقرار أو التضحية بزوجتي الأولي أو الانفصال عن الثانية التي سعيت للزواج منها برغم كل العواصف والأنواء.. فالقرار النهائي لم أصل إليه بعد, ولا أظن أنني باستطاعتي اتخاذه, فبماذا تشير علي؟ لقد أخطأت ياسيدي منذ البداية في عدم تمسكك بمن رأيت فيها الزوجة المناسبة, ولا يهم ان كانت فتاة لم يسبق لها الزواج, أو مطلقة معها طفل, مادمت قد ارتحت اليها ووجدت فيها المواصفات التي تريدها, وكان بامكانك أن تشرح لاسرتك موقفك منها وبأنك لن تكون سعيدا إلا معها, وأعتقد أنك بالاصرار كنت ستحصل علي موافقتهم ومباركتهم زيجتك, لكنك امتثلت لرغبتهم, ووافقت علي أول عرض من جانبهم من باب التجربة, ولأنك لن تخسر شيئا لكن الرياح تأتي دائما بما لاتشتهي السفن, فلقد أنجبت منها وارتبطت بها إلي الأبد, ولايعقل أن تطلقها فيتشرد ابنكما وتسوء صورة أسرتك, لذلك أردت أن تجمع كل شيء في يدك فرحت تلح علي أسرة السيدة المطلقة لكي ترضي بالزواج السري منك, ونلت ما تتمني برغم اعتراض بعض أفراد الأسرة وأظنهم يعلمون بهذه الزيجة, وأنهم كبلوك بقائمة منقولات وايصالات أمانة وغيرها, ولذلك صرت الآن في موقف صعب, وتخشي أن ينكشف سرك, ويضيع منك كل شيء. ياسيدي ما بني علي باطل فهو باطل, وزواجك السري هذا باطل, وأقصر الطرق دائما هو الطريق المستقيم, ولذلك لا بديل عن المصارحة التامة واعلان زواجك الثاني علي الملأ, ويمكنك أن تجمع بين الزوجتين مادمت قادرا علي ذلك, وحينئذ سوف ينشأ أبناؤك جميعا في كنف أسرة واحدة فيصبحون مترابطين. فما أكثر التجارب المماثلة للزيجات السرية المتعددة التي تكشفت بعد رحيل الزوج, ووقعت بسببها مشكلات ومآس بين الأبناء والزوجات, ولذلك لا أنصحك بالاستمرار فيما أنت فيه, وتأكد أن البتر هو الحل الوحيد دائما للأورام, وكذلك المشكلات من هذا النوع.. وكلما أخرت قرارك زادت التبعات والعقبات, فاتخذ القرار النهائي بالمصارحة, ووجع قلب ساعة ولا كل ساعة, والله المستعان.