حتي لا نستغرق في الحالة التوصيفية التي تنتهي بنا الي لا شيء سوي إلقاء المسئولية علي آخرين بحسب موقعنا, هل لنا أن نقترب من محاولة طرح رؤية لطريق يقودنا للخروج من النفق الطويل الذي صرنا فيه؟ وهو أمر لم يعد أحد البدائل المطروحة بل هو خيارنا الوحيد حتي نضع نقطة في نهاية سطر الفوضي المقيمة والتي صارت واحدة من ابرز سمات حياتنا اليومية علي مستويات متعددة في الحضر والريف وفي كل مؤسسات الدولة حتي الي قمة السلطة, وطالت القرارات السيادية والحيوية, ويزداد الأمر خطورة ونحن نتابع الانهيار الإقتصادي الذي كاد ان يسلمنا الي إفلاس لا ينكره حتي الموالاة والمناصرون للنظام ظالما كان أم مظلوما, الأزمة كوننا نتعامل مع الأحداث تأسيسا علي ان المرحلة الانتقالية انتهت بكل ارتباكاتها ودخلنا في الجمهورية الثانية, وترتب علي هذا ان صار النظام الحاكم مصرا علي تمتعه باستحقاقات الديمقراطية, وأحال كل مطالب التغيير الي الصندوق, وهو ما يعني ان يرحل الإصلاح بحسب مطالب القوي السياسية المدنية والمعارضة لأربع سنوات كاملات, يتم فيها السيطرة علي مفاصل الدولة ونتحول الي حكم ممتد للنظام الحاكم وما يمثله من توجه, فنتحول حثيثا إلي شكل آخر من أنساق الحكم الأبدي وتصير الديمقراطية لافتة بغير محتوي, وربما يفسر لنا هذا لماذا صارت المعارضات والاحتجاجات في رأي وفعل السلطة الحاكمة أعمال بلطجة يقوم بها الخارجون علي القانون, وترتب علي هذا برأيها مشروعية مواجهتهم بالقوة المتصاعدة من قبل السلطة, ويصبح الخروج من دوامة الانهيار بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا. المرحلة تحتاج الي التعامل بنفس روح الثورة وتخطي القيود البروتوكولية والبيروقراطية, وقراءة الشرعية بعيون ثورية تضع تحقيق اهدافها نصب اعينها, والتجرد من الصراعات والمكاسب الآنية الضيقة, لصالح وطن يستحق, ربما يأتي علي رأس هذه القراءة الإقرار بانتقالية المرحلة وهذا يستوجب صدور اعلان ثوري رئاسي يقضي بتشكيل مجلس رئاسي لمدة سنة يضم رئيس الجمهورية وممثلا لجبهة الإنقاذ وممثلا للقوات المسلحة, يصدر قراراته بإجماع الآراء, وتشكيل حكومة خبراء ائتلافية مدنية عسكرية مطلقة الصلاحيات مدعومة بعناصر ثورية من الشباب تجمع بين اهل الخبرة والقدرة علي التفكير خارج الصندوق, وفتح الأبواب للحلول المبتكرة بعيدة عن صراعات الأيديولوجيات والتوجهات الحزبية والموروث الثقيل والانتهازية. ويحتاج هذا الي وقف العمل بالدستور الجديد محل الجدل والاختلاف والعودة لدستور71 مع تقليص صلاحيات الرئيس المتسعة الواردة فيه والنص علي انتقالية المرحلة. فضلا عن تأجيل انتخابات البرلمان الحالية لحين الانتهاء من عبور المرحلة الانتقالية( بحد أقصي عام)يتم فيها وضع دستور توافقي بشكل جاد, ثم انتخاب رئيس جديد وفق قواعد صحيحة يكون الرئيس الحالي احد مرشحي المنصب. ووقف حالة الصراع الاعلامي والحزبي بشكل قاطع, وإعادة الهيبة للدولة بتفعيل القانون والسيطرة علي الانفلات الأمني واسقاط العقوبات عن العناصر الثورية لبناء جدار الثقة مع الشارع. البديل كارثي وفق التصعيد الدامي الذي يشهده الشارع والمواجهات العنيفة التي تصر عليها ادارة الأزمة, وهو تصعيد لابد ان يكون محل تحقيق موضوعي وجاد تتولاه لجنة قضائية محايدة ومستقلة وفق القواعد القانونية الصحيحة, حتي لا تجد مطالب التحقيق الدولي طريقها الي المؤسسات الأممية الدولية, والتي قد تتضافر مع تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي يقف علي الأبواب ويطرقها بقوة, وغير بعيد حالة العصيان المدني التي بدأت ببورسعيد وتنتقل الي محافظات أخري, وحالة الترويع التي تشهدها العاصمة بقوة والمتمثلة في قطع الطرق والكباري واحتلال الميادين وغل يد وزارة الداخلية فيها بل وطرد قواتها من ميدان التحرير في دلالة علي خلخلة الدولة والنظام, وهواجس الحرب الأهلية التي تترجم حثيثا علي الأرض عبر ارهاصات العصيان والاستقلال الذي يعلن تباعا, حتي وإن بدا رمزيا, فمعظم النار من مستصغر الشرر,الخرق تجاوز القدرة علي الرتق, ولم تعد سيناريوهات المؤامرة كافية لتبرير المشهد المعيش. فهل يملك المتنفذون القدرة علي اعلاء مصلحة الوطن فوق مصالحهم الضيقة ؟ وهل يتوافر لديهم الإرادة السياسية للخروج بالوطن من النفق المظلم الطويل والخانق؟ أم ننتظر الأسوأ؟