لا شك أن علم الاقتصاد يعني بالدرجة الأولي بدراسة الخيارات; فهو لا يخبرنا بما يجب علينا اختياره, بل يساعدنا فقط علي فهم تداعيات اختياراتنا. وكلنا يتأثر بالسياسات الاقتصادية الحكومية وبالقرارات الاقتصادية للقطاع الخاص, ولا يمكن لأي فرد أن يخطط للمستقبل الذي سيحيا ويعمل فيه هو وأبناؤه دون أن يكون علي دراية بالقوي التي تشكل الحياة الاقتصادية, بالإضافة إلي أن الإلمام بمختلف الأفكار الاقتصادية من شأنه أن يساعد أي إنسان علي فهم الكيفية التي تؤثر بها أي سياسات جديدة علي الاقتصاد. فقضايا السياسة الاقتصادية التي نناقشها حاليا كالسياسة التجارية, والتضخم, والدور المناسب للحكومة, والقضاء علي الفقر, ووسائل رفع معدل النمو الاقتصادي ناقشها الاقتصاديون لأكثر من قرنين, وكثير من السياسات الاقتصادية الحالية الجيد منها والسيئ هي نتاج لأفكار أولئك العلماء الراحلين, ولن يتمكن من فهم الكثير من المناقشات الدائرة حاليا حول السياسة الاقتصادية إلا أولئك الذين لديهم علي الأقل قدر من الدراية بأفكار الاقتصاديين السابقين. يفسر هذا الكتاب مختلف النظريات الاقتصادية الحديثة, عبرمدخل شائق وجلي للأفكار الرئيسية في علم الاقتصاد من خلال دراسة الاقتصاديين العظام الذين شكلوا ملامح هذا العلم أمثال آدم سميث ومالتوس وديفيد ريكاردو, وجون ستيوارت مل, وألفريد مارشال, كارل ماركس, جون مينارد كينز, وميلتون فريدمان وغيرهم. ويبرز الكتاب ثلاثة تغييرات واسعة اعتبرها أثرت علي الاقتصاد العالمي في العصر الحديث تمثل التغيير الأول في سقوط سور برلين محررا مئات الملايين في أوروبا الشرقية من قبضة السوفيت القاسية, ودافعا إياهم نحو الأسواق التنافسية, أما التغيير الثاني فكان تحويل الاقتصاد الياباني لنفسه من عملاق مخيف في الثمانينيات إلي قزم صغير في التسعينيات; إذ تراجع سوق طوكيو الرئيسي الذي كان قد; صعد إلي39000 نقطة في1989 إلي17000 فقط في عام2007 ويأتي التغيير الثالث متمثلا في ظهور الصين كمركز قوة في التجارة العالمية. وعلي عكس كتب الاقتصاد التقليدية التي تركز بشدة علي الموارد التي تنعم بها الدول يكشف الكتاب كيف يكون التوجه الفكري أهم من الموارد الطبيعية في أحيان كثيرة, مشيرا إلي أن هونج كونج مجرد تل صخري. وكانت هولندا أشبه بفينيسيا الغارقة, وإن كان دون الجسور والمثلجات الرائعة التي تتمتع بها فينيسيا, لكنها في القرن السابع عشر فاقت جيرانها الذين يتمتعون بالموارد الطبيعية وفي أجزاء كثيرة من أفريقيا تمتليء الأرض بالمعادن, لكن دولها تعاني التخلف الاقتصادي نظرا لسيطرة طبقة صغيرة علي السلطة تمنع المجتمع من أن ينال نصيبه من رأس المال. وبدلا من النماذج الشكلية والرسوم المعقدة التي تملأ كتب علم الاقتصاد التقليدية, يعرض الكتاب شروحا واضحة مبسطة وأمثلة ملائمة للسياق, مما يجعله مثاليا لكل من يريد التعرف علي تطور علم الاقتصاد وأبرز الشخصيات التي شكلت هذا العلم. تأليف: تود جي باكولز ترجمة: كوثر محمود, حسين التلاوي مراجعة: محمد فتحي خضر صدر عن كلمات عربية للترجمة والنشر