من جديد أعود للحديث عن أدوات ووسائل التضليل الإعلامي, الذي يمارسه إناس بلا ضمير, ويشارك فيه من يعمل علي إرهاب وترويع المواطنين, بإطلاق الأكاذيب, وبث الشائعات, وطرح التحليلات والتعليقات الشاذة. إنهم بذلك يزرعون الفتنة واليأس والإحباط بين أبناء مصر, وخصوصا بين الشباب, ويشاركون في استمرار تدهور الوضع الاقتصادي, وتعطيل دولاب العمل والإنتاج, ومنع الاستثمارات المحلية والخارجية من التدفق والإنجاز, وبالتالي تزداد الحالة المعيشية لكافة أفراد الشعب سوءا, وهو ما يؤدي كذلك إلي استمرار تردي الأوضاع الأمنية, وانتشار حالة الفوضي والانفلات في كل مكان, وهو ما يعني الدخول إلي النفق المظلم, وإغراق السفينة التي تحملنا جميعا إلي بر الأمان. هذه الحالة الإعلامية الشاذة لم تمر بها مصر من قبل, إنها حرب أكاذيب واختلاق أخبار مشبوهة, وترديد شائعات مغرضة, وتعمد إثارة الفتن, وبث وسائل التحريض علي الفوضي والعنف, وتأويل المواقف لزرع الريبة بين المواطنين ومؤسسات الدولة, ومادام الجاني يشعر بأنه آمن من الملاحقة القضائية, بسبب حالة التراخي وعدم الحزم في تطبيق القانون, فإنه يتمادي أكثر في إطلاق أكاذيبه, ويزيد من اجترائه علي تشويه الحقيقة, ويشعل الحرائق والفتن المتعمدة ليل نهار. إن حجم الشائعات والأكاذيب التي ترددت مؤخرا, وبالتحديد علي شاشات بعض الفضائيات الخاصة يفوق التصور, بل وصل الأمر إلي التعرض لما يضر بالأمن القومي دون أدني ضمير وطني, من خلال محاولة الزج بالجيش المصري في حالة التجاذب السياسي الحالية, عبر اختلاق شائعات والحديث عن احتمالات, ثم تدور الاسطوانة المشروخة عن الأسباب والتداعيات والمخاوف, في مكلمة صاخبة لا تحترم عقول المشاهدين, ولا تلتزم بأي معيار خلقي أو ضمير وطني أو مهني. لقد ضج الجميع من استمرار هذه الحالة الشاذة, ومن يسير في شوارع مصر, وفي مدنها وقراها, ويتحدث مع عامة الناس, يدرك حالة الرفض والغضب الشديد من هذا الانفلات الإعلامي, ولا شك أن أول من يتألم بسبب عدم مواجهة هذا الانفلات المهني والأخلاقي هم الإعلاميون الشرفاء, الذين يغارون علي مهنتم من الأدعياء والعابثين وأصحاب المصالح الخاصة, وأيضا من الباحثين عن المال أو الجاه أو الشهرة, دون أن بؤلمهم وخز الضمير مما يجري لهذا الوطن علي أيديهم. ولو أننا طبقنا القانون بحزم, وسارعنا إلي مواجهة هذا الانفلات الإعلامي من خلال التوجه إلي القضاء النزيه, لدخلت هذه الفئران سريعا إلي جحورها, ولتوقفت آلة صناعة الكذب وترويج الشائعات عن العمل, وساعتها سوف ينعم الشعب المصري بالهدوء والسكينة, وتبدأ عجلة الاقتصاد والإنتاج في الدوران من جديد, ويشعر رجال الأعمال والمستثمرون بأن الأوضاع تتحسن, وأن الوطن يتجه إلي الاستقرار واستتباب الأمن, وهو ما يؤدي إلي تحسين ظروف المعيشة. إن الحرية هي أغلي ثمرات ثورة الخامس والعشرين من يناير, وهي الأمل في انطلاق حضاري حقيقي للشعب المصري, لكنها الحرية الإيجابية المسئولة, التي تبني ولا تهدم, تعمر ولا تؤدي إلي تخريب أو إضرار بمؤسسات الدولة ولا توجد حرية في الدنيا كلها بلا قيم أو ضوابط, ولا يمكن قبول حرية الفوضي أو العبث. لازلت أري أن حاجتنا إلي تشكيل لجنة من خبراء الإعلام( الورقي والسمعي والبصري), ترصد التجاوزات المهنية والقانونية للعاملين في مجال الاتصال بالجماهير, وتقدم من يخالف ميثاق الشرف الصحفي إلي العدالة, لا تزال أكثر إلحاحا, لأن غياب المساءلة والعقاب لمن ينشر أخبارا كاذبة, أو يبث الشائعات والتحريض في المجتمع, سوف يغرق الوطن كله, وعلي من يتجاوز القانون أو المهنية أن يتحمل النتائج.