كثيرون من حولي لا يعجبهم " الحال المايل " للبلد ، ولا تروق لهم حالة الانفلات الأمني والأخلاقي والسياسي التي نمربها ، ومع ذلك فلست متشائما لأن المشهد علي الساحة السياسية الآن يؤكد أن الشعب المصري شعب طبيعي يعيش حالة النقاهة من مرض الخوف والقهر الذي عاني من طويلا علي مدي عقود . في هذا السياق لا يبدو لي غريبا ما يجري من منازعات بين مجلس الوزراء ومجلس الشعب ، وما يحدث من انشقاق في الجماعة السياسية يصل الي درجة التشرذم ، ولا محاولات حزب الاخوان السيطرة المبكرة علي المشهد السياسي ، واعادة انتاج نظام الحزب المسيطر مثلما فعل الحزب الوطني المنحل . كذلك الحال بالنسبة لوسائل الاعلام التي تتلقي الاتهامات بأنها السبب الرئيسي في حالة التمزق التي تعيشها البلد بعد انتشار البرامج والمحطات التي تتوسع في ترديد الأخبار والتحليلات الشاذة أو غير المألوفة ، وأنا هنا لا أتحدث عن تقييم الممارسات بمعيار الصواب و الخطأ ولكنني أرصد ماكان يجري طوال السنوات الماضية ، وما يحدث حاليا بعد ثورة 25 يناير . المشهد السياسي وتطوراته المثيرة للجدل بين الرافضين لها بشدة وبين المعترضين عليها بقوة ، لا ينفصل في اعتقادي عن المشهد الاعلامي وتجاوزاته أو ممارساته ، فالملاحظ أن الممارسة علي المستويين السياسي والاعلامي لا تعجب أحدا ولا ترضي مؤيدا أو معارضا ، فالأداء في كلا الحالتين لا يرقي الي أقل درجات الطموح الي حلم تحسين الأوضاع الذي كان مطلوبا بعد الثورة ، وسبب الارتباط بسيط للغاية وهو في بساطة العلاقة بين الأصل والصورة ، فالاعلام هو مرآة عاكسة لكل ما يجري في المجتمع وقلما يكون منشئا لوضع سياسي الا من باب التاييد والترويج أو المعاكسة والمعارضة لوضع قائم بالفعل . لذلك لا أتصور وجود مجتمع صالح يعبر عنه اعلام فاسد أو وجود مفاهيم واضحة للأداء السياسي يفسدها التدخل الاعلامي الا بقدر يسير يسهل كشفه والتعرف عليه . الموقف العام اذن هو حالة من الغضب وعدم الرضا من ممارسات الجميع ، ورغبة من عناصر انتهازية القفز فوق المشهد للحصول علي منافع ليست من حقهم ، لكنهم يتحركون بمنطق المتسابقين الي نهب الوطن في غيبة المحاسبة وفي ظل شيوع فوضي مصطنعة يحرص الانتهازيون عليها عن طريق اختلاق خصومة مع اجهزة الأمن لتقييد قدرتها علي التحرك لاقرار وحماية النظام العام . لا أعتقد أن عقلاء هذه الأمة سيقبلون المضي في طريق الفوضي والتنازع علي المنافع والمصالح السياسية الحزبية الضيقة التي كانت السبب المباشر في ثورة الجيش سنة 1952 ، كما لن يقيل أحد أن تؤدي حالة الانفلات والفوضي بعد ثورة يناير 2011 الي أن تخرج المظاهرات المعادية للديمقراطية تهتف في الشوارع بسقوط الفوضي والديمقراطية معا .