أعجب من الكثير مما يقال ويُفعل هذه الأيام ويصيب الناس بالكآبة والقلق وكأننا مقبلون علي نهاية العالم ، كتاب ومحللون ومفكرون لاهم لهم سوي زرع اليأس في القلوب والعقول بأن الثورة قد انتهت وكأنها لم تقم أصلا ورجال سياسة يهدمون المعبد فوق رؤوس الجميع وكأن مصر تتحول إلي غابة لايحكمها سوي قانون القوة الغاشمة فلا شيء عندهم يسير بصورة طيبة أو طبيعية ولابارقة أمل في تحسن الظروف في مصر لا في القريب العاجل ولا المستقبل البعيد فهم يعزفون سيمفونية التنفير من كل شيء ولاعزاء لمن يبشرون بأي أمل ! لست مع القائلين بأن الثورة اختطفت فهي في حالة ارتباك وفوضي ماقبل قدوم الديمقراطية القادمة علي الطريق والتي لم يشم المصريون ريحها منذ عشرات السنين ، معظم من في المشهد السياسي منقسمون يتخبطون تتضارب أقوالهم ومواقفهم بين الحين والآخر ويصغون لأصوات الشارع التي أحيانا ماتصاب بالتشوش وضبابية الرؤية واستباق الأحكام وعاطفية وعصبية المواقف لكن لا أحد يشكك في وطنيتهم هم فقط متعجلون وأحيانا مايخطئون التعبير ويتجاوزون فيه ، لكن علي الجانب الآخر لايوجد القدر الكافي من الاستجابة للمطالب الذي يروي ظمأ المتعطشين لرؤية الثورة وقد حققت أحلامهم التي دفع المئات من الشهداء حياتهم ثمنا لها ، الخلاصة أننا نعيش مرحلة ماقبل هبوب رياح الديمقراطية ونسماتها وهي مرحلة طبيعية علينا جميعا أن نتجاوزها بأقل الخسائر الممكنة التخوين والإقصاء والتشكيك في النوايا والتحريض وتسميم الأجواء واحتكار الحقيقة واحتقار وتسفيه آراء الآخرين في الصراع بين القوي السياسية وهي من علامات المرحلة خاصة أننا حرمنا طويلا من ممارسة الديمقراطية لأنها كانت من الممنوعات في العهد السابق ، ألم يقل مبارك " خليهم يتسلوا " ، ألم تحكمنا سلطة عسكرية طوال ستين عاما لكن الغريب أن يأتي عدد من المدافعين عن الديمقراطية والحريات - أو يدعون ذلك - للمطالبة ببقاء المجلس العسكري لفترة أطول ويرشحون رئاسته لقيادة البلاد بينما تصريحات المجلس لاتقول بذلك ثم يثار الجدل حول إمكانية تكرار سيناريو عام 4591 بالانقلاب علي الديمقراطية وإلغاء الحياة السياسية رغم أن الجميع يعلم جيدا أن الظروف قد تغيرت وأن عقارب الساعة لن تعود للوراء ولكنها محاولة للوقيعة بين المؤسسة العسكرية والشعب والتحريض علي البقاء في السلطة لايمكن بالطبع إغفال حالة الفوضي غير الخلاقة التي شهدناها الفترة الماضية وماتزال والتي يقف وراءها قوي الثورة المضادة ممن لم يتم تقديمهم بعد للمحاكمة من النظام السابق أو أتباع المتهمين في مزرعة طرة ، الشعب له الحق في المعرفة ، لماذا لم تعد تنظم مليونية أو مباراة للكرة دون وقوع أحداث عنف في نهايتها ، أليس إضراب المدرسين إساءة لمهنة التعليم فقد كان بإمكانهم التعبير عن احتجاجهم بصورة حضارية أفضل ، وكذلك إضراب العاملين في النقل العام الذي طالت مدته رغم الاستجابة لمطالبهم مما أصاب الناس بحالة من الغضب الشديد تجاه السائقين الذين تسببوا في معاناتهم طوال أسبوعين ، ولاننسي العديد من الانفلاتات السياسية والإعلامية طوال الفترة الماضية ، ماحدث من الوريث المتهم من إشارات خارجة في نهاية إحدي جلسات المحاكمة ، لماذا لايتم التحقيق بشفافية في امتلاك صاحب إحدي القنوات تلك القدرات المالية الضخمة التي مكنته من شراء 41 قناة فضائية في شهور قليلة في استمرار تكرار واستمرار لظاهرة الاحتكار التي كان يمثل أحمد عز نموذجها الصارخ ولماذا لايتم مكاشفة الرأي العام بحقيقة من يقف وراء هذا التمويل الضخم لتلك القنوات ؟! ولماذا لم يكشف النقاب حتي الآن عن المنظمات والجمعيات التي تلقت التمويل الأمريكي بعد الثورة وماهي حقيقة الأدوار التي لعبتها هذه الجهات ؟ ولماذا لايتم الكشف عن رجل الأعمال الذي قام بتمويل البلطجية في أحداث العنف والشغب التي وقعت حول السفارة الإسرائيلية ؟ ولماذا لاتقوم وزارة الداخلية بتقديم كشوف المسجلين خطر والبلطجية وتطبيق قانون الطواريء عليهم والسيطرة علي حركتهم لحماية المجتمع من خطرهم ؟! ومتي يتوقف مسلسل قطع الطرق وترويع الناس وسرقات سياراتهم وأموالهم وأحيانا قتلهم في حالة الدفاع عن أنفسهم ؟ ولماذا تترك الأسواق دون حسيب أو رقيب لمثل هذه الحالة من الانفلات في الأسعار! الشعب يريد الحقيقة التي تريح الجميع حكاما ومحكومين فالتعتيم والضبابية يخلق مناخا تروج فيه الشائعات والتكهنات والتأويلات التي يمكن أن تقود البلاد في اتجاهات خاطئة ومسارات غير مرغوب فيها ، الشعب يريد أمانا من خلال شرطة تعرف مسئوليتها وتؤدي واجبها بضمير وإخلاص وعمالا لايعطلون الإنتاج لتحقيق مطالبهم علي الفور وإلا ، نريد أن يعود جيش مصر الذي يقدر دوره كل مواطن إلي مهامه الرئيسية في حماية الوطن من أعدائه بعد قدوم حكومة منتخبة ورئاسة ووضع دستور للبلاد. أما الذين يريدون إطفاء أنوار الثورة ويهيلون التراب علي كل شيء نقول لهم إن الشعب قادر بوعيه وحكمته أن يعيدهم لدائرة الظلام التي يريدون لنا أن نظل فيها وعلينا أن نوقد الشموع بدلا من لعن الظلام وستخرج مصر إلي دائرة النور والحضارة مرة أخري فهذا البلد يستحق أبناؤه حياة حرة وكريمة بعد زمن القهر والطغيان الذي يوشك أن يغادرنا ! كلمة أخيرة : الحق يحتاج رجلين .. رجل ينطق به ورجل يفهمه (جبران خليل جبران)