من يتابع التناول الإعلامي لاختيار البابا الجديد, عبر بعض الفضائيات, سوف يشتم رائحة الفتنة التي تختبئ بخبث في ثنايا الموضوعات المطروحة, والتي حملت لغة تحريضية للبابا الجديد, وبدلا من أن تبحث هذه القنوات المشبوهة عن القضايا المشتركة والقيم التي تعزز روابط الوحدة الوطنية, راحت تنبش في قضايا طائفية اعتبرتها من الموضوعات التي يجب أن تتصدر أجندة البابا, كما أسرفت في تناول العلاقة بين الكنيسة والسياسة وذهب أحد الضيوف الي أن البابا يجب أن يكون ندا لرأس الدولة ويرفض السيطرة علي الكرسي البابوي تحت أي نوع برغم أنه من الطبيعي ألا تكون هناك سيطرة, إلا أن إثارتها بهذا الشكل يطرح تساؤلات كثيرة لا تخدم الوحدة الوطنية وتنقل صورة غير حقيقية تسيء للكنيسة كمؤسسة دينية رعوية لشئون الأقباط كما يظهرها علي أنها دولة داخل الدولة. وفي تقديري أن البابا الجديد أمامه مهام جسام في ترسيخ دور الكنيسة وتعظيم شأنها خلال مرحلة فارقة تمر بها البلاد وتحتاج فيها الي رؤية حكيمة من رأس الكنيسة في التعامل مع قضايا الوحدة الوطنية, بروح التسامح والتصالح ودعم جسور المحبة والود بين جميع المواطنين ونبذ روح التطرف والفرقة التي تسعي بعض الأطراف من خلال قنوات الفتنة إلي زرعها بين أبناء الوطن. وقد أصاب البابا تواضروس الثاني في أول تصريح له عقب اختياره أمس بأسلوب ديمقراطي راق, حينما أكد أنه سيكون خادما لكل المصريين ليؤسس بلغة عاقلة وحكيمة خطاب رجل دين من الطراز الأول, ومن المؤكد أن هذا الخطاب كان بمثابة الصدمة لدعاة الفتنة وسوف يصعدون من لغة التحريض خلال الفترة المقبلة, من خلال هذه القنوات المأجورة التي استغلت حالة الفوضي الإعلامية التي تعيشها مصر في بث سمومها دون وازع من ضمير. في المقابل, ومن الانصاف الإشارة إلي بعض القضايا المعلقة التي يجب حسمها في الملف القبطي لقطع الطريق أمام دعاة الفتنة, في مقدمتها بناء الكنائس وإعمال القانون في كل القضايا الطائفية دون تمييز تأكيدا لروح المواطنة والتعامل بحزم مع أي خروج علي القانون, فما أحوج الوطن إلي سواعد كل أبنائه للخروج من هذه الأزمة التي تهدد الجميع.