علي مدي أكثر من ثلاثين عاما منذ انتخابه نائبا في البرلمان المحلي الأسباني وعمره لا يتجاوز28 عاما حرص ماريانو راخوي رئيس الوزراء الاسباني أن يكون نموذجا للسياسي المحنك, فهو متكلم بارع تارة ولاذع الانتقاد تارة أخري يستعمل لسانه مثل مسدس سريع الطلقات ضد خصومه حتي أن الكثيرين يقولون أن لسانه يسكن خارج فمه إلا أن الأيام القليلة الماضية دفعته لمواجهة فضيحة فساد تزداد اتساعا يوما تلو الأخر لتعيش أسبانيا طيلة الأيام الماضية زلزالا سياسيا حقيقيا.. بدأ راخوي مناضلا يمينيا صغيرا حيث كان يلصق إعلانات الحزب الشعبي ويوزعها في بداية سبعينيات القرن الماضي وتولي مناصب كبيرة داخل الحزب حيث شغل مناصب بدأت بنائب الأمين العام للحزب سنة1990 ليتحول بعد ذلك إلي العقل المخطط لكل الحملات الانتخابية للحزب, نتج عنه فوز الحزب بالأغلبية سنتي1996 و.2000 لكن ما بناه ماريانو علي مدي عقود يكاد أن يضيع, فبعد أكثر من عام علي توليه رئاسة الوزراء تفجرت أزمة ثقة بينه وبين شعبه تعود إلي ما عرف بفضيحة بارسيناس في منتصف يناير الماضي, حيث أكدت صحيفة الموندو أن أمين الصندوق السابق للحزب الشعبي لويس بارسيناس كان يوزع علي مدي عقدين مغلفات تحتوي علي أموال لقادة الحزب, ووفقا للصحيفة لم يتلق راخوي أية أموال إلا أن صحيفة الباييس الأسبانية نشرت مؤخرا وثائق تحتوي علي بيانات سرية توضح الرواتب التي تلقاها قادة الحزب الشعبي بمن فيهم ماريانو راخوي بين عامي1997 و2008 بمعدل25 ألف يورو في السنة, وذلك بعد أن كشف مسئولون سويسريون عن وجود22 مليون يورو مجهولة المصدر في حساب لويس بارسيناس ببنوك سويسرية والتي أوضحتها الجريدة أنها حسابات سرية خاصة بمالية الحزب الشعبي الحاكم تبرز أن الحزب حصل علي تبرعات من شركات عقارية جري توظيفها في حملات انتخابية خصصت مرتبات لقياديي الحزب طيلة العشرين سنة الأخيرة. وقد أخلفت هذه الفضائح استياء وغضب الشعب الاسباني الذي طفح الكيل به ولا سيما أنه يعاني من أزمة تقشف غير مسبوقة ونسبة بطالة قياسية تجاوزت26% مما أدي إلي اجتياح المظاهرات عدة مدن اسبانية للمطالبة باستقالة راخوي رافعين لافتات هذا المغلف يحتوي علي ما اقتطعوه من ميزانيتنا و الذين تلقوا أموالا خلسة لابد أن يكفوا عن تلطيخ اسم بلادنا علاوة علي مطالبته بالاستقالة علي مواقع الإنترنت من خلال عريضة وقع عليها أكثر من300 ألف شخص خاصة بعد أن عادت جريدة الباييس لتنشر كل الوثائق السرية الخاصة بميزانية الحزب الشعبي حيث يتبين أن ماريانو كان المستفيد الأكبر من التعويضات السرية مما نتج عنه إعلان المدعي العام الأسباني التحقيق في هذه الادعاءات, وأعلنت النيابة العامة لمكافحة الفساد فتح تحقيق في القضية ليواجه راخوي ومسئولين في الحزب تهمة الحصول علي أموال غير شرعية علي مدي نحو عشر سنوات بعنوان رواتب تكميلية. كل هذه المعطيات دفعت ماريانو الذي عرف عنه عناده ليخرج عن صمته دفاعا عن نفسه من هذه التهم قائلا أمام قيادة الحزب الشعبي الذي يرأسه لم أتلقي أموالا من أحد في هذا الحزب السياسي, لا توجد هناك أشياء أخفيها, ولا أخاف من الحقيقة مضيفا بيان عائداتي وميراثي سيبث علي الموقع الإلكتروني ويوضع في تصرف كل المواطنين اعتبارا من الأسبوع المقبل واعدا بممارسة أكبر قدر من الشفافية في هذه القضية وأكد أيضا أنه لم يقرر جعل السياسة مهنته لكسب المال, وكلف الأمين العام للحزب ماريا دولوريس بالرد علي التقرير الذي نشرته الصحيفة, وتحقيقا لوعوده بالفعل قام راخوي بنشر اقرارات ضريبية تخصه لمدة عشر سنوات علي صفحة الحكومة الاكترونية تشمل عائداته من2004 إلي2011 وممتلكاته حتي عام2007 أملا في وضع حد للاشتباه في تورطه الشخصي لهذه الفضيحة. وأعلن أمام البرلمان أنه سيفرض ضرائب جديدة لإدارة النشاطات المالية للأحزاب السياسية ومحاربة الفساد وأضاف أنه سيقوم بإصلاح قانون الجرائم لزيادة العقوبات علي الفساد في صفوف المسؤولين السياسيين. وعلي الرغم من ذلك أودت هذه الفضيحة إلي هز صورة حزب الشعب بعد أن كشف استطلاع للرأي انه لم يعد يحظي سوي24% من أصوات الناخبين في حين حصل منذ سنة علي نسبة45% عندما فاز في الانتخابات التشريعية, وذلك بسبب الاحتقان الشعبي, علاوة علي أن مطالبة الحزب الاشتراكي المعارض ماريانو راخوي بتقديم استقالته هي إرهاصات أزمة مؤسسات حقيقية في اسبانيا قد ينتج عنها غياب أي اتفاق بين الحكومة والمعارضة حول القوانين الكبري التي تتطلب إجماعا بين القوي السياسية, وعمليا فهذه الفضيحة التي لا يتردد البعض في وصفها بأكبر فضيحة سياسية في البلاد خلال الأربعة عقود الماضية, وسيجد راخوي صعوبات حقيقية أذا لم تبرئه التحقيقات.