أطل الربيع علي العالم العربي بالثورة التونسية, ولم تكن الثورة لتتمكن من إدراك النجاح دون الموقف الجسور لرئيس أركان حرب القوات المسلحة رشيد بن عمار عندما رفض أمر رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي بنزول القوات المسلحة إلي الشارع والسيطرة علي الموقف. بعد أن فشلت قوات الأمن في مواجهة المظاهرات والمتظاهرين. ولم تكن هناك سابقة مماثلة أمام رشيد بن عمار ليقتدي بها, وكان كل ما يملكه القدرة علي تمييز الخطأ من الصواب, وقد اختار الصواب الذي أدي إلي نهاية حقبة بن علي.ولم يتمكن رئيس الجمهورية من عزل أو إقالة بن عمار بعد أن أدرك أن كبار القادة قد اصطفوا من خلفه لمساندته ودعم موقفه. في هذه اللحظة أدرك أنه وصل إلي نقطة النهاية, فحزم أمتعته ورحل. وطوال الفترة التي أعقبت خلع وإزاحة رئيس الجمهورية وحتي الآن لم يشغل الرجل أي موقع من مواقع السلطة, وترك الأمر للقوي السياسية المدنية وللمثقفين والنخبة والثوار, ولم يحاول أن يلعب دور الوصي أو الرقيب, ولم يتطلع حتي الآن إلي أبعد من المنصب الذي يشغله, وسجل له التاريخ هذين الموقفين, موقفه في مواجهة رئيس الجمهورية حيث انتصر للثورة والثوار, وموقفه عندما قرر الابتعاد عن صدارة المشهد السياسي. وبجانب هذا الدور المتميز الذي لعبه رشيد بن عمار, برزت قدرة الشعب التونسي بصفة عامة والثوار والقوي السياسية بصفة خاصة علي التسامح والابتعاد عن مستنقع الأحقاد بصورة معقولة. فقد وقع الاختيار علي فؤاد المبزع لشغل منصب الرئيس المؤقت للجمهورية, رغم أنه الرجل نفسه الذي كان رئيسا للبرلمان في عهد بن علي, أما رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي, فقد عمل وزيرا للخارجية في عهد الحبيب بورقيبة بطل معركة الاستقلال وأول رئيس للجمهورية.ولم يواجه الاختيار بالتشنج أو بالصراخ والاعتراض باعتبارهما من الفلول ورجال العهد السابق. كانت هناك قدرة علي الفرز وإعطاء الاعتبار للكفاءة وعدم الانغماس في الفساد والمظالم. أي لم تحدث إدانة عامة لكل أعضاء حزب بورقيبة وبن علي, وكان هناك اقتناع عام بأن الجميع ليسوا من الفاسدين, هناك فساد ومفسدون, ولكن هناك أيضا من حافظوا علي نظافتهم واستقامتهم. وقد أضفت هذه الموضوعية والاتساق مع المنطق والالتزام بنهج تسامحي كثيرا من الإيجابية والتميز للثورة التونسية والشعب التونسي. وجاءت نتيجة أول انتخابات تشريعية لتقول: إن الناخبين لم يخذلوا حزب النهضة وزعيمه الغنوشي ومنحوه ثقتهم ليفوز بأعلي نسبة من الأصوات, ويحصل علي أكبر عدد من المقاعد. ويرجع الفضل في ذلك إلي اعتدال مواقف الغنوشي, فقد ظل يعلن ويؤكد التزامه بمدنية وعلمانية تونس, وبأن الوقت لم يحن لتطبيق الشريعة الإسلامية لعدم توافر الشروط الشرعية المطلوبة. ويحمد للرجل الذي يرأس حزبا إسلاميا, أنه لم يتخذ موقفا معاديا من السياحة والسائحين, مثلما فعل كثير من المتشنجين في مصر. لقد كان الغنوشي علي بينة من أن الاقتصاد التونسي اقتصاد خدمي ويعتمد بشكل رئيسي علي السياحة, لذا اختار موقفه العقلاني للحفاظ علي مصالح الناس والدولة.وبمثل هذه المواقف يطرق التونسيون أبواب المستقبل لتحقيق أحلامهم في الحرية وتطلعهم لبناء دولة عصرية بمعايير العصر, لا برؤي ومعايير الأحقاد والغل والتخلف. الشكوي للداخلية يتوجه إلي سلطات المرور المختلفة لكي يطلب حقا فيكتشف ضياع الملف, ومع هذه الحقيقة المرة يتبين عدم جدوي استخدامهم الكمبيوتر أو عمليات حفظ الوثائق التقليدية, وبدلا من الاعتذار وتحمل المسئولية, يطلبون من المواطن أن يبدأ من البداية, وكأنه لم يكن يحمل رخصة قيادة منذ أكثر من30 عاما بكل ما تتطلبه هذه الدورة من معاناة, وتبدأ الشكوي أمام من يتصورون أنهم السلطة وأن المواطنين ليسوا أكثر من رعايا عليهم السمع والطاعة. ولقد عبر الناس عن غضبهم من هذا النهج عقب انفجار ثورة25 يناير, لكن يبدو أنهم يرفضون فهم رسالة الناس, ويواصلون نهجهم الفظ والغليظ في عدم التجاوب مع الواقع وبدء التسلح بثقافة حقوق الإنسان. لقد لجأ صاحبنا صاحب مشكلة الملف الضائع إلي طرق كل الأبواب, ومع أنهم عرفوا بالمشكلة إلا أن أحدا لم يتقدم بحل عملي. لقد اتصل به بكوات وباشوات من أهل الحل والعقد بالداخلية وإدارات المرور, لكن المشكلة لم تتحرك.لقد قال أكثرهم لصاحبنا غدا ستصلك رخصة القيادة, وصدق صاحبنا خاصة أن بعض من اتصلوا به من الأصدقاء ومن زملاء النادي الرياضي, ولكنه اكتشف أن الوعود ليست أكثر من البونبون الذي يقدم للأطفال. وإنها لمأساة, أن يسد المسئولون بالمرور بصفة خاصة وبالداخلية بصفة عامة آذانهم, ويواصلون حياتهم وكأن أحدا لم يشك. لا احترام للمواطن, ولا احترام لحقوقه, ولا اهتمام بشكاواه حتي ولو جأر بها, فما المواطن إلا فرد من عبيد إحساناتهم. وإلي أن نعيش في دولة تعرف شرطتها ما هي حقوق الإنسان, وكيف تحترم المواطن, وتتعلم المبالاة والاهتمام بمطالبه وشكاواه سنلجأ جميعا وسنطلب من صاحبنا صاحب الشكوي أن يطرق باب السماء, فإن الله هو السميع المجيب. قانون فريال!! فريال تلميذة مسيحية بمدرسة قرية الشيخ فضل الثانوية بمحافظة المنيا, وكما هو مألوف, توجهت إلي مدرستها في بداية العام الدراسي, ففوجئت بأن إدارة المدرسة تمنعها من الدخول لأنها لا ترتدي الحجاب. الإدارة والمدرسون وكل من يعمل بالمدرسة يعلمون أنها تلميذة قبطية مصرية مسيحية, وبالتالي فإنها غير ملزمة أو مطالبة بأي صورة من الصور بارتداء الحجاب, ومع ذلك طبقوا عليها قانونهم, ومنعوها من دخول المدرسة والانتظام في الدراسة. مجموعة من المتشددين الإسلاميين بالمدرسة قررت فرض ارتداء الحجاب علي التلميذات دون تفرقة بين المسيحيات والمسلمات, وتمكنوا من وضع قرارهم أو قانونهم موضع التنفيذ, وكان ذلك يعني تخييرها بين الحجاب والاستمرار في الدراسة أو عدم ارتداء الحجاب والتوقف عن الدراسة. ومع كل صباح تتوجه فريال إلي مدرستها, إلا أنها تواجه بالمنع. حاول الأهل, وحاول أهل الحكمة والرأي علي امتداد أسبوع دون جدوي. وأمام إصرار التلميذة, بدأ المتشددون المتطرفون استخدام الميكروفون للهتاف لا نريد فريال هنا.. وهذه الفضيحة العلنية بالطبع كانت تستهدف كل المجتمع المسيحي, وبصورة أخري يقولون لهم لا مكان لكم بيننا. ما هذه السطوة؟ ولماذا كل هذه البلطجة؟ ومن اليسير القول, إن هذه الجماعات تمادت في ظل ضعف قبضة السلطة, وغيبة القانون, وتمدد القوي السياسية الإسلامية, ومحاولتها الوثوب علي السلطة في مصر. وفي انتظار الانتخابات, يتصرفون وكأنهم الحكام, يدربون القضاة بالآلاف, ويبدأون في نشرهم في أنحاء المحروسة للحكم بين الناس, ينشرون المئات في الشوارع بالاتفاق مع السلطات لتنظيم المرور, يناورون ويفاوضون لتشكيل قوة انتخابية تضمن لهم الأغلبية بمجلسي الشعب والشوري لفرض رؤيتهم ومنهجهم, يضرب أبناؤهم ضباط الشرطة والجنود في الشرقية, وها هم يطبقون قانونهم ويمنعون فريال من الدراسة لأنها لا ترتدي الحجاب. وإذا كانوا الآن, يفرضون علي المسيحيات الحجاب, فماذا سيفعلون غدا, لا بالمسيحيين فقط, بل بكل المواطنين؟ هل يمكن لعاقل أن يتوقع مستقبل هذا البلد في ظل كل هذا التشدد والتطرف؟!! المزيد من مقالات عبده مباشر