المظاهرات الفئوية أصبحت صداعا في رأس الوطن وإن كان لا أحد ينكر مشروعية هذه الطلبات ولكنها تراكمت علي مر سنوات والمطالبة بحلها الآن معا وفجأة يصيب اقتصادنا القومي بزلزال ربما يعصف بنا جميعا.. وهذا ما حدث بالفعل, فمليارات الخسائر وزيادة نسبة التضخم وغيرها من الكوارث الاقتصادية في انتظارنا إذا لم نهدأ ونقف وقفة مع أنفسنا من أجل مصر ومن أجل المواطن البسيط لتكون الدعوة لمزيد من الاستثمار والإنتاج وتشغيل الأيدي العاملة. يقول الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا: إن المظاهرات الفئوية تؤثر سلبا علي الاستثمارات الداخلية والخارجية, حيث تؤدي لوقفها تماما, فهو مناخ غير جاذب للاستثمار حيث إن كثيرا من المستثمرين يذهبون إلي التقارير الدولية إذا قرروا خوض الاستثمار في أي دولة وهم الآن يجدون مصر قد انخفض ترتيبها الائتماني وهذا أول ماينم فهو ينم عن إضرابات عمالية ومظاهرات فئوية تغل يد الاستثمار وتكون غير مشجعة له ويستتبع ذلك حرماننا من النقد الأجنبي, وبالتالي نقص عدد الأيدي العاملة وبالتبعية زيادة معدلات البطالة, كما يقل معدل النمو الاقتصادي نتيجة قلة الإنتاج, يزامنها ارتفاع الأسعار, وبالتالي زيادة الأعباء علي كاهل المواطن البسيط ومحدودي الدخل, ناهيك عما تتحمله الدولة من أعباء مالية إضافية تنتج عنها زيادة في عجز الموازنة العامة, فرغم تعدد أسباب هذا العجز إلا أن المظاهرات الفئوية وحدها تسببت في زيادة عجز الميزانية20 مليار جنيه جديدة, إضافة لما نعانيه من عجز في الموازنة العامة, وهذا مقابل دفع مزايا وأجور وحوافز طالب بها العاملون بالدولة. وعن عجز الموازنة الذي نتج عن المظاهرات الفئوية فهو يزيد الديون والمديونيات الداخلية والخارجية كما يرفع الفوائد علي هذه المديونيات, مما يضعنا في مأزق حرج, حيث تضاف ديون مجددة علينا نأخذها لسد العجز وما يستتبعه من انخفاض سعر الجنيه المصري أمام العملة الأجنبية لندخل في دوامة متشابكة من الانحدار الاقتصادي يكون المخرج منها صعبا, لذلك لابد من وقفة مع أنفسنا لمصلحة مصر أولا وجدولة المطالب المشروعة مع استمرار الإنتاج. الوقت غير مناسب ويقول الدكتور يونس البطريق الخبير الاقتصادي وأستاذ المالية العامة بكلية التجارة جامعة الإسكندرية إن الفكرة الأساسية كوننا في ظروف اقتصادية حرجة فإن مطالبهم الشرعية فعلا لها طرق أخري للضغط علي الحكومة لتلبيتها وليس التوقف عن الإنتاج, فكان بالأحري لإظهار حسن نية العمال المصريين بالعمل ساعة إضافية تلبية لحاجتنا الملحة في زيادة الإنتاج, فالوقت غير مناسب لتحقيق جميع المطالب الفئوية التي تراكمت لسنوات ليتم حلها فورا وفي وقت واحد, فبذلك يكون إقحام الحكومة فيها كلها بمثابة تعجيز, وهذا لا يمنع من ضرورة تعهد الحكومة بجدول زمني لحل كل المشكلات الفئوية وإذا لم تنفذه تحاسب فورا مراعاة لتراكم المشكلات عبر السنين. ويوضح الدكتور البطريق أن أول مؤشرات الأزمة قد ظهر فعلا, حيث رفعت الحكومة سعر الفائدة علي الاقتراض من9.5% إلي11.5%, وهذا في شهادات الاستثمار التي تستفيد فيها من مدخرات الناس, وهذا يعني أنها في حاجة ماسة للاقتراض, والنتيجة سيحدث غلاء وستتضاعف أسعار المستورد وتنخفض القيمة الشرائية للجنيه المصري أمام غيره من العملات, ويحدث التضخم, ويترتب علي كل ذلك عجز في ميزان المدفوعات.. فالتصدير يقل والاستثمارات قلت بالفعل ورفع سعر الفائدة سيجعل تكلفة الاقتراض أعلي. قطاع السياحة الخاسر الأكبر أما الدكتورة هبة نصار أستاذ اقتصاد الموارد البشرية ونائب رئيس جامعة القاهرة فتؤكد أن التأثير المباشر للمظاهرات الفئوية يكون علي قطاع السياحة الذي يمثل دخلا خاصا لمصر, فقد وصل الانخفاض في مجال السياحة من مارس وحتي سبتمبر هذا العام بنسبة30%.. فالسائح لا يبحث عن مكان للمتعة ليس به توترات لدرجة أن السؤال الذي يوجه لنا في الخارج هو ما مدي قدرتكم علي ممارسة حياتكم الطبيعية؟ من كثرة ما يسمعون عن مظاهرات فئوية واستمرارها يعطل الإنتاج, وبالتالي لن توجد أي موارد إضافية تسد الاحتياجات الفئوية الإضافية, مما يؤدي إلي تظاهرات أكثر ومظاهر غير جيدة للاقتصاد المصري.. فالتظاهر في الخارج يكون خلال حيز زمني ومكاني محدد لا يؤثر مطلقا علي العملية الإنتاجية التي تستمر.. ناهيك عما سنتكبده من ردود أفعال ناتجة عن أثر المحاكاة أي أن القطاع المعين الذي يتظاهر لأجل مشكلة معينة يدفع بتظاهره قطاعا آخر يشكو من مشكلة أخري وهكذا, مما يؤدي إلي سلسلة من التظاهرات والمطالب, وبالتالي بلبلة الوضع الإنتاجي والاقتصاد المصري ككل. وأضافت د. هبة نصار أنه بالنسبة للمستثمر الذي لا يعرف مصر فسيخشي المجازفة, وبالتالي سنخسره وما يستتبعه من تعطيل في سوق العمل نفسها والتأثير المباشر علي العامل. بالإضافة إلي أننا لن نستطيع طلب كل شيء في اللحظة نفسها, وهذا لا يمنع من ضرورة وجود سياسة واضحة لتنفيذ جميع المطالب, فنحن منذ بدأت الثورة نسمع عن الحدين الأدني والأعلي للأجور, وهذا مؤشر جيد, لذلك لابد أن نهدأ ولابد أن تكون هناك رؤية اقتصادية واضحة وغير متضاربة وخطة زمنية حاسمة دون النظر للضغوط بما يتناسب مع مصلحة العملية الإنتاجية في كل قطاع. ناهيك عن تأثير تلك المظاهرات الفئوية علي الفرد نفسه.. فأي تضخم سيؤثر علينا, وبالتالي يؤثر علي الأجور بالسلب, خاصة أن العمالة التي تعمل لحسابها الخاص سيرفعون أجورهم ولن يكفي الدخل الذي تم رفعه الموظف البسيط وسندخل في الدوامة من جديد.