هانت; كلها خمسمائة يوم, ويحصل الشعب المصري علي حق اختيار رئيسه. أرجوكم ألا تتململوا وتشيحوا بوجوهكم عن سطوري, فالمدة التي ذكرتها ليست طويلة علي الإطلاق مقارنة بخمسة آلاف عام من تاريخ مصر المسجل علي ألواح حجرية وخشبية وعظمية ومعدنية وزجاجية ورقائق جلدية وبردية... وغيرها من الوسائط التي تطورت حتي وصلت إلي عصر الأسطوانات المدمجة والذاكرة الإلكترونية. لم تكن الإرادة الشعبية أبدا هي التي تمنح رأس الحكم تفويضا بإدارة شئونها أما وقد لاحت في الأفق فرصة غير مسبوقة لتحقيق هذا المطلب العادل, فإن واجبنا جميعا يقتضي أن نتعاون علي رسم ملامح الرئيس الشرعي الأول في تاريخ مصر. قالوا إنهم ينتوون الترشح, ونعتهم الإعلام بالمرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية, ربنا يخليهم! ملأوا علينا الدنيا.. لقاء هنا, ومؤتمر هناك... تصريحات نارية, وتحذيرات مدوية... التحام غير مسبوق بالجماهير يصل إلي الجلوس علي الطبلية وأكل الفطير!! والسؤال الأهم هو: ماذا يريد الشعب أن يتوافر تحديدا في هذا العريس.. أعني الرئيس؟! مؤكد نريده عادلا وصادقا, ولكن أليسوا جميعا كذلك؟ أو هكذا يزعمون؟! كل المواصفات باستثناء الطول والعرض ولون العينين والبشرة- يصعب قياسها والتأكد منها, مثلما يحدث مع العريس: السن تزور, والشعر يصبغ, والجلد يشد, والدهون تشفط... أما الشهادات.. فحدث ولا حرج!! بنفس السهولة تبلع التصريحات, وتنكر المواقف, وتجمل المعلومات!! كيف إذن نختار رئيسنا؟ كيف نتعرف علي حقيقته؟ عريس مصر الثورة يجب أن يكون جديرا بلقب أول حاكم شرعي في تاريخ مصر.. نريد رئيسا نهره أبوه طفلا عندما رآه يوجه مقدمة حذائه لبطن كلب صغير, ثم أجلسه إلي جواره ليحدثه عن الرحمة, ويعلمه درسا عمليا بإعطاء عظام الفرخة التي انتهت الأسرة من أكلها لنفس الكلب أو لكلب آخر إذا كان الأول قد فر هاربا. نريد رئيسا علمته أمه أهمية النظافة الشخصية, نظافة جسده وملابسه, كما علمته نظافة لسانه, علمته بأقدم الأساليب وأحدثها في نفس الوقت, ألا وهي القدوة الحسنة. نريد رئيسا لا يدخن لأنه مدرك لمسئوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين ومسئوليته تجاه البيئة, والبيئة لمن لا يعرف هي مرادف مكتمل الأهلية للوطن. نريد رئيسا يجيد التعاون مع فريق عمله, ويؤمن بأن نجاح أي منهم نجاح له, نريده مؤمنا بالعلم والمناهج العلمية; علمه جده أو عمه أو أخوه الأكبر أن العلم نعمة عظيمة, وهو مسئولية في نفس الوقت; العلم يغير العالم, ويحل مشاكله, ونشره واجب, وحبسه جريمة! رئيسنا القادم بشوش يؤمن بأن الابتسامة تريح المرسل والمستقبل( بكسر الباء). رئيسنا القادم لا يبصق علي الأرض, ولا يلقي بالزبالة مهما صغرت إلا في المكان المخصص لذلك. نريده قويا في الحق, لا يخشي إلا الله.. نريده مستغنيا عن منصب الرئيس, متمنيا أن يؤدي واجبه علي أحسن وجه, حتي يستطيع بعد انتهاء ولايته أن يسير بين الناس مرفوع الرأس بدون أية احتياطات أمنية. حاكم مصر الشرعي الأول يجب أن يحافظ علي موارد البلاد ويعمل علي تنميتها.. نريد حاكما يحرص علي إطفاء الأنوار الزائدة عن حاجته في مسكنه وفي مكتبه وفي جميع المنشآت الحكومية. نريد رئيسا يغلق صنبور المياة ويفتحه عدة مرات وهو يستحم أو يغسل أسنانه أو يحلق ذقنه..( هذه النقطة ليست كما تبدو ترجيحا لأصحاب الذقون, فتنظيف الذقن قد يتطلب ماء أكثر من حلاقتها). نريد رئيسا متواضعا; يعود تواضعه إلي إيمانه بأن هناك الكثيرين ممن هم أفضل منه في مجالات عدة, رئيسا لا يحزنه أن يقدر الناس غيره, رئيسا ينسب الفضل لله وحده, فلا يقبل أن ينافقه أحد. رئيسنا القادم لا يحب الاستثناءات ولا العشوائية في اتخاذ القرارات, ولكنه مع ذلك حاسم ومدرك لأهمية وضع جدول زمني لكل ما يفعل. هل تجدون في أي شيء مما كتبته مبالغة؟ بالله أقسم إني علي ثقة أن بمصر عدة آلاف ممن تنطبق عليهم هذه الشروط. لا مانع أبدا أن يكون عريس مصر القادم صاحب إعاقة, مادامت لن تمنعه عن أداء واجبه علي أحسن وجه. أحلم برئيس مدني بعد أن عانت مصر طويلا من الفكر العسكري الذي يغلب عليه تصنيف البشر وفقا لأقدمياتهم, وهو ما يتنافي مع نظريات الإدارة الحديثة التي تحفز علي الإبداع, وتفتح آفاق التقدم للمناصب علي مصراعيها, فنجد معظم حكام العالم المتقدم في أوائل الأربعينيات, في حين دأبنا علي إطلاق لقب الوزير الشاب علي من تجاوزوا الستين أو أشرفوا عليها! رئيسنا لن يكون شرطيا يضع الاعتبارات الأمنية علي رأس الأولويات, ويوافق علي التنصت والاعتقال تحت شعار أمن مصر! أخيرا.. أتمني أن يمر الرئيس القادم بالموقف التالي: مكان عام.. به احتفال شعبي.. في يوم أجازة, يرتدي الرئيس قميصا وبنطلونا من القطن المصري غير المصبوغ كشعره.. مع حذاء بني من جلد بقر بلدنا.. يقود سيارته بنفسه ومعه أسرته.. يركن السيارة في المكان المخصص لذلك.. يسيرون علي أقدامهم حتي باب الدخول المفتوح للجميع.. وعندما يحين موعد كلمته للحاضرين يستأذن أسرته, ويتجه إلي المدخل الجانبي للمسرح.. يستوقفه أحد الحراس: إلي أين؟ يرد: أريد الدخول. الحارس: أين التصريح؟ يقول بخجل وصوت منخفض: أنا فلان الفلاني. لم يسمعه الحارس, فيرفع صوته قليلا مع الاحتفاظ بنفس درجة الحياء والانحناء: أنا الرئيس.