هندسة بنها تحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية في مسابقة "صنع في مصر"    كشف المسكوت عنه بضياع تريليونات الجنيهات على مصر، خبير يضع حلًا لتعافي الاقتصاد المصري    انطلاق فعاليات المرحلة الرابعة من مبادرة أحلام الأجيال بالبحيرة    مستشار أبو مازن: السلطة الفلسطينية جاهزة لتولي مسئولياتها في قطاع غزة    وزيرة الاستيطان بإسرائيل تؤيد استمرار عملية السيطرة على غزة: حتى لو أدى ذلك إلى مقتل المحتجزين    التشكيل المتوقع للزمالك أمام مودرن سبورت بالدوري    الرياضية: اتحاد جدة يستهدف لاعب زينيت    في القصاص حياة.. تنفيذ حكم الإعدام في سفاح الإسماعيلية.. الجاني ذبح مواطنًا وفصل رأسه وسار بها أمام المارة في الشارع.. والمخدرات السبب الرئيسي في الجريمة البشعة    اندلاع حريق في مبنى مديرية الشباب والرياضة بالوادي الجديد (صور)    لماذا أنوبيس للقومي.. ومن هذا الإله على بوستر التجريبي؟!    عميد قصر العيني يتابع سير العمل في المستشفيات التابعة (صور)    المصرية للاتصالات : الانتهاء من ربط مصر والأردن من خلال الكابل البحري للاتصالات عالي السعة "كورال بريدج"    رئيس "المعاهد الأزهريّة" يتفقد امتحانات الدور الثاني للثانوية بأسوان    إجازة المولد النبوى .. 3 أيام متتالية للموظفين    "لن أخضع للتنمر".. كوك عضو الفيدرالي الأمريكي تتحدى ترامب وترفض تقديم استقالتها    رئيس الوزراء يلتقي محافظ بنك اليابان للتعاون الدولي لبحث تعزيز الاستثمارات    امتحانات الثانوية العامة مستمرة وطلاب يؤدون امتحان الكيمياء والجغرفيا الدور الثاني    القبض على البرلماني السابق رجب هلال حميدة سببه قضايا شيكات بدون رصيد    رئيس الوزراء يبحث مع وزير النقل الياباني تعزيز التعاون وجذب صناعات السيارات    هل يجوز سؤال الوالدين عن رضاهم عنا؟.. أمين الفتوى يجيب    أمانة الجبهة الوطنية بسوهاج تعلن اختيار وتعيين كفاءات وقيادات بارزة لمهام الأمناء المساعدين    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ أسوان الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    "صحة لبنان": مقتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة دير سريان بقضاء مرجعيون    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل قافلة المساعدات الإنسانية العشرين إلى قطاع غزة    أوكرانيا: نعمل على وضع مفهوم أمني لما بعد الحرب مع روسيا    وصول قيادات الجامعات لافتتاح معرض التعليم العالي بمكتبة الإسكندرية |صور    ضربها بملة السرير.. زوج يقتل زوجته إثر مشادة كلامية بسوهاج    إصابة 4 أشخاص في حريق هائل داخل فرن بالغربية    البلطي ب80 جنيها.. أسعار الأسماك بأسواق كفر الشيخ    غدا.. ويجز يشعل مسرح «يو ارينا» بمهرجان العلمين    قبل مواجهة الأهلي.. اشتباه بإصابة محمود نبيل لاعب غزل المحلة بتمزق عضلي    رضا عبد العال: أحمد عبد القادر أفضل من تريزيجيه وزيزو والشحات.. وانتقاله إلى الزمالك وارد    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يتفقد مستشفى رأس التين العام بالإسكندرية    محافظ الدقهلية يشدد على انتظام العمل وحسن استقبال المرضى بعيادة التأمين الصحي بجديلة    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    رجل الدولة ورجل السياسة    نجم الأهلي السابق: مودرن سبورت سيفوز على الزمالك    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    حلوى المولد.. طريقة عمل الفسدقية أحلى من الجاهزة    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    جيش الاحتلال يستهدف بلدة فى جنوب لبنان بصاروخ أرض أرض.. وسقوط 7 مصابين    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    "تجارة أعضاء وتشريح جثة وأدلة طبية".. القصة الكاملة وآخر مستجدات قضية اللاعب إبراهيم شيكا    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمى ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد السكندرى    أخبار× 24 ساعة.. مياه الجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمنطقة كفر طهرمس    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبده والمستبد العادل.. وجه آخر
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 12 - 2008

قال الفيلسوف الليبرالى ج.س. ميل من فلاسفة القرن التاسع عشر، "إن الحكومة الديمقراطية تتطلب مستوى متقدماً من الحضارة".. وكان يعتقد أن البلدان غير الغربية غير قادرة على أن تحكم نفسها، وأنها تحتاج إلى نظام حكم مطلق.. وكان هذا الرأى العنصرى مميزاً حتى لأكثر المفكرين استنارة فى تلك الحقبة.. وعلى الرغم من أن بلوغ السكان مستوى من التعليم مفيد بلا شك للديمقراطية، فى تضييق الفجوة بين الحكام والمحكومين، فإنه ليس ثمة دليل على أن الافتقار إلى تعليم متطور يجعل السكان غير قادرين على فهم ومناقشة المسائل التى تمسهم، أو على الاضطلاع بالمسئولية عن شئونهم الخاصة.. ويمكن أن يتصف السجل الطويل للحكم المطلق.. إمبريالياً كان أو داخلياً.. عادلاً كان أم ظالماً، بأى شيء إلا أن يكون خيراً.
تذكرت الفيلسوف الليبرالى ميل، عندما قرأت كتاب الصديق الدكتور محمد عفيفى الصادر مؤخراً عن المجلس الأعلى للثقافة وحمل عنوان "المستبد العادل".. وأثارت دهشتى الصفحات الأولى من الكتاب، حيث إنه بحسه التاريخى التقط جزءاً من التاريخ الآخر لرائد من رواد عصر النهضة فى القرن التاسع عشر وهو الإمام محمد عبده.
التقط عفيفى توجهاً جديداً - ولكنه كان يبدو منزوياً- من فكر الإمام عن المستبد العادل، وهو مقال كتبه الإمام محمد عبده فى مجلة الجامعة العثمانية بعنوان "إنما ينهض بالشرق مستبد عادل"، وقصد الإمام من هذا المقال الرد عن من يقولون بأن إصلاح الشرق هو بالأخذ بالحياة النيابية، وركز كعادته وكعادة مدرسته على التدرج فى مشروع الإصلاح، حيث يرى - كما يرى ميل- أن الإسراع بالأخذ بالنظام النيابى دون تهيئة الناس على كيفية تقبله ربما يؤدى إلى انتكاسة خطيرة، بينما البدء بالمشروع التربوى والارتقاء بالأمة إلى المستوى المطلوب لممارسة الحياة النيابية هو أفضل السبل.. أتصور أن عفيفى قد نجح فى إلقاء حجر- قد يبدو صغيراً فى محيط متلاطم من الكتابات والكتب والسير وغيرها، لينبهنا بأن فكرة المستبد - حتى وإن كان عادلاً- لم تكن وليدة المرحلة اليوليوية الناصرية فى القرن العشرين بصعود الضباط إلى السلطة عبر جنازير الدبابات وبهتافات المحتجين على سياسات العصر السابق، وتفشى ظاهرة الكاريزمات البهلوانية، ولكنها فكرة أصيلة فى وجدان مفكرين قبل ذلك بما يزيد عن الخمسين عاماً، حيث مقال الإمام كتب فى مايو 1899م.
حتى - وللصدفة العجيبة- قال الإمام فى ثنايا مقاله "هل يعدم الشرق كله مستبداً من أصله، عادلاً فى قومه، يتمكن به العدل أن يصنع فى خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده فى خمسة عشر قرناً". ويستند عفيفى فى تحليله للإطار النظرى لفكرة "المستبد العادل" أن تشاء الظروف أن يمكث عبد الناصر فى السلطة مستبداً -بغض النظر عن كونه عادلاً أم لا- فى الفترة 1952-1967 وهى الفترة الانتقالية التى حددها الإمام بخمس عشرة سنة.
ورغم اللقطة العبقرية التى التقطها الدكتور عفيفى- بحسه التاريخى- وهى رؤية مغايرة لما عرف عن الإمام من إيمانه الشديد بالإصلاحات السياسية.. ومحاولة التوفيق بين الإسلام والحداثة فى مرحلة مظلمة من تاريخ مصر الحديث خاصة فى ظل سيطرة البُعد الإسلامى على مصر فى تلك المرحلة واستئثار الخليفة العثمانى أو السلطان بكافة المقاليد.. وأيضاً هزيمة الثوار العسكريين على يد عرابى وتقويض الإصلاحيين وعلى رأسهم شريف باشا ودخول الإنجليز مصر، خاصة وأن هذا المقال كتب بعد دخول البريطانيين مصر على أكتاف أخطاء العرابيين بنحو 18 عاماً.
أقول رغم هذه اللقطة التى تمثل وجهاً آخر للإمام الإصلاحى.. إلا أننى أستبعد أن يكون قد وضع إطاراً نظرياً سواءً بشكل إرادى أو لا إرادى لفكرة المستبد العادل، لما حدث بعد ذلك فى القرن العشرين، رغم أن مقاله حمل عنوان "المستبد العادل".
خاصة أن الفترة التى تلت كتابة هذا المقال، شهدت حراكات ديمقراطية وسياسية ونيابية على مدى واسع، وظهرت فكرة التعددية السياسية وظهور الأحزاب المدنية والعلمانية- رغم أن مصر لم تكن كاملة السيادة- كما شهدت مصر فى الفترة منذ بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه بصعود الضباط حيوية سياسية، ولكن الالتباس كما أتصوره هو التباس بين الليبرالية- ليست كأيديولوجية ولا شعاراً - بقدر ما هى وعاء معرفى يتحمل كافة الأيديولوجيات الأخرى بتفاعلاتها وتأثيراتها السلبية والإيجابية، وبين الديمقراطية كشكل من أشكال النظم السياسية.
فالديمقراطية مسألة نسبية تتعلق بمدى تحقق مبدأى الرقابة الشعبية والمساواة السياسية، وبمدى الدنو من المثل الأعلى للمساواة فى المشاركة فى اتخاذ القرارات الجماعية. وقد تعارفنا على إطلاق صفة "الديمقراطية" على الدول التى تكون فيها الحكومة مسئولة أمام الشعب من خلال الانتخابات التنافسية للمناصب العامة، ويكون جميع الراشدين فيها متساوين فى الحق فى الاقتراع وفى الترشيح للانتخابات، وتكون الحقوق المدنية والسياسية مكفولة قانوناً. بيد أن أياً من هذه الدول لا تحقق ممارسة مبدأى الرقابة الشعبية والمساواة السياسية على الوجه الأكمل الذى ينبغى لها. ومن ثم فإن جهود تحقيق الديمقراطية لا تنتهى أبداً، والديمقراطيون فى كل مكان منهمكون فى نضال من أجل دعم وتوسيع نطاق المبادئ الديمقراطية، أياً كان نظام الحكم أو النظام السياسى الذى قدر لهم أن يعيشوا فى ظله.
وهذا ما كان سائداً منذ بداية القرن العشرين وحتى 1952. أما الليبرالية فهى تختلف جذرياً، فمعظم الدول الغربية أصبحت "ليبرالية" قبل أن تصبح ديمقراطية. أى أنها أقامت نظاماً دستورياً ليبرالياً قبل أن تمنح حق الاقتراع العام أو تنشئ أحزاباً سياسية كبيرة. وقد كانت السمات الرئيسية لهذا النظام هي: إخضاع الحكومة أو السلطة التنفيذية للقوانين التى يقرها برلمان منتخب (سيادة القانون)، وكفالة حقوق الأفراد فى الدعاوى القضائية وفقاً لقانون، وفى حرية التعبير والاجتماعات والانتقال، ووجود سلطة قضائية مستقلة عن الحكومة وعن البرلمان بما يكفى لتكون حارساً على القانون وعلى هذه الحقوق الفردية.
ثبت تاريخياً أن الديمقراطيات التى تم فيها منح حق الاقتراع العام وإنشاء الأحزاب السياسية الجماهيرية دون دعم سابق لهذه السمات الدستورية الليبرالية ديمقراطيات مزعزعة جداً، وهذا ما حدث أيضاً بصعود الضباط بعد عام 1952 واستطاعوا أن يجهزوا على التراث الديمقراطى –وليس الليبرالي- الذى تراكم عبر نصف القرن الأول من القرن العشرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.