المستشارون, حول كل وزير و رئيس لقطاع ما, قضية أثيرت من قبل وشغلت الرأي العام طويلا. الجديد في هذه اللحظة و الذي بات يهدد بانفجار آخر و يمثل صداعا في رأس العاملين في وزارة الثقافة, و ينذر بتراجع جديد في أداء القائمين علي تهيئة المناخ المناسب لتقديم المنتج الثقافي وتنفيذ خطط وزارة الثقافة في هذا الشأن, هو مشكلة الانتدابات لشغل المناصب القيادية في القطاع, و التي يري العاملون في وزارة الثقافة أنها لا تكلف فقط ميزانية الوزارة- التي قلصت العديد من الفاعليات الثقافية لضغط المصروفات- مبالغ طائلة, بل الأخطر و الأهم أنها شبه تقرير ضمني بعدم الاعتراف بكفاءتهم و سنوات خبرتهم في العمل الثقافي, بما يحمله ذلك من تداعيات علي المستوي العملي و النفسي!! أهمية أن نتثقف يا هوه...كان عنوانا لمقال بقلم الكاتب المبدع د. يوسف إدريس, تناول فيه ضرورة أن تصبح الثقافة جزءا من الحياة اليومية للمواطن, ويغلب علي ظني أنه لو أن القائمين علي الشأن الثقافي قد أخذوا رأي كاتبنا الكبير علي محمل الجد وخرجوا من أسر المفهوم المحدود الذي يقصر تعريف المثقف علي من يعمل بالشأن الثقافي العام أو الإبداع الأدبي والفلسفي ووضعوا خططا حقيقية لتفعيل العمل الثقافي والخروج به من دائرة الندوات المغلقة والعمل علي تحقيق تواصل حقيقي بين العاملين في القطاعات المختلفة بوزارة الثقافة وكل الجهات المسئولة عن عملية التنشئة الاجتماعية, للتعامل مع مفهوم الثقافة باعتباره منظومة مجتمع, أتصور لو أن هذا قد حدث لاستطعنا تجاوز كثير من الاحتقانات التي يموج بها الشارع المصري الآن أو علي أقل تقدير استطعنا أن نقيم حوارا بناء يتجاوز الاختلافات. لاحقتني عبارة أستاذنا يوسف إدريس فيما كنت ارقب حالة الانفصال بين النخب و بين الشارع وتعدد المظاهرات و الاعتصامات و الإضرابات التي لم تنج منها حتي وزارة الثقافة و لا قطاعاتها المختلفة, التي يفترض أن تكون مهمتها الأساسية الآن التأسيس لمشروع ثقافي قومي واحتواء الثقافات المهمشة. وبغض النظر عن مشروعية التظاهر و الاعتصامات أو عدم جدواها أو تأثيرها سلبا في اللحظة الراهنة, أظن أنه من الضروري أن نحاول أن نكشف بعض أسباب الاحتقان الذي يدفع البعض للتعبير عنه بصور, وصلت أحيانا لممارسات تتسم بالعنف. وفي هذا السياق نجد أن أحد أهم المشاكل التي أصابت العاملين بالجهاز الثقافي الحكومي بالإحباط قضية اختيار قيادات من غير المعنيين بالوزارة لتولي المناصب القيادية, وبالتالي حجب فرص الترقي وتولي مسئولية العمل الثقافي عن أولئك الذين تحملوا عبء العمل الحكومي في ظروف غير مواتية لاماديا و لا معنويا بحجة ضعف الموارد المالية للوزارة في حين تتقاضي القيادات المنتدبة و التي لا تعد خبرات نادرة في المجال أو لا بديل لها من بين العاملين بوزارة الثقافة مبالغ هائلة شهريا!! والحقيقة أن هذه التوترات التي لم تتعد الأحاديث الهامسة بين العاملين في وزارة الثقافة و العاملين في الوسط الثقافي لسنوات طويلة قد تحولت علي مدي الشهور الماضية إلي ضجيج مسموع وهتافات لا تخطئ الأذن معناها, و حالة سخط بين, خاصة بعد أن أعلن وزير الثقافة د. عماد أبو غازي إلغاء كثير من الفاعليات الثقافية نتيجة ضعف موارد الوزارة. و يشير العاملون لحالات بعينها شغل أصحابها مناصب بالانتداب لمدد قد تصل لعشرين عاما, وتنقلهم من موقع لآخر بطريق الانتداب من أماكن عملهم الأصلية رغم أنهم لم يحققوا أي إنجازات في مواقعهم السابقة بالوزارة, بل تولي البعض منهم لأكثر من منصب في آن واحد. والحقيقة أن القائمة طويلة, وتشمل كل قطاعات الوزارة وتمتد لتطول وزير الثقافة نفسه, ود. شاكر عبد الحميد, رئيس المجلس الأعلي للثقافة الذي يرأس إضافة لعمله بأكاديمية الفنون ورئاسته للمجلس, رئاسة المركز القومي للفنون.!! ورغم أن المنطق يرفض التعنت و رفض الاستعانة بالخبرات النادرة لتدعيم أي قطاع في الدولة, إلا أن الوضع الحالي و القوائم التي يتبادلها العاملون في وزارة الثقافة و المرارة التي تقطر بها عباراتهم تفرض علينا أن نطرح عددا من التساؤلات المهمة, من بينها ما يتعلق بالأسس التي يتم بناء عليها الانتداب و معايير اختيار قيادات من خارج العاملين بوزارة الثقافة. وأي المعيارين يطبق..الكفاءة أم الصداقة و الثقة!! وهل يتم التحقق من عدم وجود كوادر قادرة بين العاملين في الوزارة لتولي هذه المناصب قبل الشروع في الانتداب ؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فهل يعني ذلك أنه لا يوجد من بين أبناء الهيئة المصرية للكتاب أو العلاقات الثقافية الخارجية أو المصنفات الفنية أو المركز القومي للمسرح أو..أو.. صف ثاني من أبنائها يصلح لتولي المنصب أم أن هذه المناصب شرفية لا يحظي بها إلا الموعودون؟ وإذا كان هذا الصف الثاني موجودا بالفعل فلماذا لايتم الاستعانة بهم خاصة وأن أهل مكة أدري بشعابها وبالتالي يتم توفير بدل الانتدابات و الامتيازات في ظل ظروف تفرض حالة من التقشف ؟ أسئلة أظن أنه علي السيد وزير الثقافة بتاريخه المعروف في الحقل الثقافي وعلي كل معاونيه أن يحاولوا الإجابة عليها وأن يحاولوا حل هذه الإشكاليات لعلاج حالة الاحتقان في وزارة الثقافة و نفوس اللاعبين الأساسيين في النشاط الثقافي الذين يبررون تراجع أدائهم وتردي مستوي الأنشطة الثقافية التابعة للوزارة ليس فقط لضعف الموارد بل أيضا والأهم لإحباطهم بعد أن يأسوا من الحصول علي فرصة لتطبيق كل ما تعلموه عبر سنوات احتكاكهم بالناس و المنتج و الوسط الثقافي, وتحولت الوزارة لخدمة السادة المنتدبين لا الثقافة المصرية و لا أهل مصر.