أوروبا تُصعّد لهجتها.. دعوة لوقف النار في غزة ومراجعة العلاقة مع إسرائيل    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    الموساد بلسان إيراني: كان فعلا "أقرب إلينا من آذاننا"    الزعيم يصمد.. وسقوط جماعي للأندية العربية في كأس العالم    حالة الطقس اليوم في الإمارات    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    المستشار الألماني يدعو لإبرام صفقة سريعا مع ترامب بشأن الرسوم الجمركية    السيطرة على حريق هائل في مصنع زيوت بالقناطر الخيرية    ضبط المتهم بالتخلص من شقيقه ونجله وإصابة جارهما في قنا    مصرع وإصابة 16 شخصا فى حادث مروع بالمنوفية    إسرائيل تعلن مقتل 11 عالما نوويا و30 قيادة عسكرية خلال الحرب على إيران    بيع فستان للأميرة ديانا في مزاد علني بمبلغ خيالي (صور)    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    أشرف إمام: حمزة المثلوثي زملكاوي وخرج من الباب الكبير    محافظ الجيزة يعتمد تنسيق القبول بالثانوية العامة الأحد المقبل    شروط التسجيل لاختبارات القدرات بالثانوية العامة 2025    حوار| رئيس اتحاد نقابات عمال الجيزة: الاقتصاد شهد تحسنًا بعد ثورة 30 يونيو    سطو مسلح على منزل براد بيت بلوس أنجلوس أثناء تواجده بالخارج    أطعمة ومشروبات لمواجهة التوتر والنسيان والقلق خلال الامتحانات    سعر الدولار اليوم الجمعة 27-6-2025 ينخفض لأدنى مستوياته عالميًا منذ مارس 2022    بكام طن الشعير؟ أسعار الأرز اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة بين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين في المنطقة الشرقية بنابلس    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    حنان مطاوع تروي كواليس «Happy Birthday»: صورنا 8 ساعات في النيل وتناولنا أقراص بلهارسيا    مدحت شلبي يكشف قرارًا صادمًا من وسام أبو علي.. وتخوف الأهلي    «البنت حبيبة أبوها».. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك في عيد ميلادها    دعاء أول جمعة فى العام الهجرى الجديد 1447 ه لحياة طيبة ورزق واسع    فضل شهر محرم وحكم الصيام به.. الأزهر يوضح    مصطفى بكري: 30 يونيو انتفاضة أمة وليس مجرد ثورة شعبية    بالصور.. نقيب المحامين يفتتح قاعة أفراح نادي المحامين بالفيوم    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    من مصر إلى فرانكفورت.. مستشفى الناس يقدّم للعالم مستقبل علاج العيوب القلبية للأطفال    عطلة الجمعة.. قيام 80 قطارًا من محطة بنها إلى محافظات قبلي وبحري اليوم    انخفاض ملحوظ في البتلو، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    متحدث البترول: إمداد الغاز لكل القطاعات الصناعية والمنزلية بانتظام    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزارة ثقافة الثورة ..الدبلوماسية وحدها لا تكفي
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2011

تموج اليوم الساحة الثقافية بالأحداث والتصريحات المتضاربة والمزايدات الوطنية والرهانات على التغيير، وتتعالى الأصوات مطالبة وزارة الثقافة، وعى الأمة وتجسيد روح مفكريها، أن تخرج من سكونها وتتخذ مواقف جذرية تنبع من الثورة التى ساندتها. منذ اليوم الثانى من توليه منصب وزير الثقافة، كان د.عماد أبوغازى يلبى دعوة الفنان محمد عبلة للاجتماع مع المثقفين بأتيليه القاهرة، ويبدى تقبله وانفتاحه لكل الاقتراحات وعلى رأسها مشروع فصل المجلس الأعلى للثقافة عن وزارة الثقافة، وهو المجلس الذى كان أمينا عاما له قبل توليه حقيبة الوزارة. ولم تكن هذه هى البادرة الأولى التى تنم عن تغيير السياسات وإرساء تقليد الحوار مع الجماعة الثقافية التى يراد لها التهميش دائما، بل توالت اللقاءات مع المسرحيين والسينمائيين وممثلى مؤسسات الثقافة المختلفة، واتسعت لتشمل اتحادات شباب الثوار بمسمياتهم المختلفة وكذلك ممثلو الثقافة المستقلة الذى يقفون على نقيض المؤسسة الرسمية، فضلا عن سلسلة من الافتتاحات للمعارض التشكيلية المختلفة. حيث رفع الوزير شعار «الاستماع إلى المثقفين» أصحاب الشأن الأساسيين.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، ينتظر الجميع مواقف واضحة من الوزارة المعنية بالثقافة، ينتظر منها البت فى القضايا المثارة على الساحة الثقافية بجرأة، وإعادة المكانة للمثقف الذى خفت بريقه فى ظل الاستبداد والفساد وأريد له أن يكون فى «حظيرة» النظام كما سماها الوزير السابق، وليس أكل رموزها وأبنائها مع بزوغ أول تباشير الحرية، مثلما حدث مع الكاتب الكبير إبراهيم أصلان وغيره من «رؤساء تحرير السلاسل الأدبية بهيئة قصور الثقافة» الذين تم التضحية بهم بفظاظة استجابة لآخر صيحات القيادة الشابة بعد ثورة 25 يناير.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر، لا «نسمع» من الوزير سوى تصريحات عن الثقافة التى يحلم بها فى متناول الجميع، أو الإعلان عن مشاريع المسرح المتنقل ومسرح الشارع فى المحافظات، أو «قوافل الثورة الثقافية» التى استحدثت للقيام بدور التوعية الثقافية والسياسية المراد غرسها فى اللحظة الثورية، وهى تنويعات على الدور المنوطة به الثقافة الجماهيرية منذ الستينيات للخروج من مركزية الثقافة والذى تدهور مع الوقت عبر الهيئة البيروقراطية المعروفة بقصور الثقافة. فهى مشروعات ثقافية روتينية، كانت موجودة ومستقرة منذ زمن فى دول العالم وليست مدعاة للتباهى أو رقما فى قائمة الانجازات الثقافية، بينما لا تجد حتى اليوم استراتيجية طويلة المدى تتماشى مع «شرعية الثورة» كما قال الناقد صبرى حافظ فى مقاله بالشروق، تلك الشرعية «التى يجب أن تكون مصدرا لكل السياسات والخطط المستقبلية فى الثقافة كما فى غيرها من المجالات». ولا تجد الدور التنويرى الذى يتوقعه الجميع بعد 25 يناير وخاصة فى مقابل المد السلفى المتصاعد. رغم أنه فى هذه اللحظة الثورية، لحظة الصراع من أجل التغيير الفعلى، ينتظر الجميع أن تكون الثقافة هى القاطرة التى تجر باقى القطاعات الأخرى.
الانتقال من ثقافة السلطة إلى ثقافة الشعب
لهذا كله يتوجب تقييم أداء وزارة الثقافة فى لحظة التغييرات الجذرية، فى لحظة التعويل على الثقافة فى طريق صحوة الوعى وعودة الروح للمصريين بعد عقود طويلة من القهر وتعميم الفساد وتعليب الفكر وتجميده. فرغم الانتقادات العديدة التى توجه اليوم للوزارة، وقول البعض إن الوزير لا يملك العصا السحرية التى تقوم بالاحلال والتجديد لأنظمة وقيادات تلوثت وتنكقرطت (نسبة للتكنوقراط) وتبقرطت (نسبة لتفشى البيروقراطية) منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلا أن المسألة لا ترتبط بالاحتفاء أو بالهجوم على شخص الوزير الذى عرف بالأدب الجم والدماثة الشديدة والتواضع العميق، والأهم من ذلك كله أنه وزير ثقافة يحسب على المثقفين كأستاذ جامعى فى قسم الوثائق والمكتبات بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى انتمائه من حيث التكوين الفكرى السياسى إلى الحركة الثورية للطلبة فى السبعينيات. بل ما يهمنا هو أداء الوزارة ومؤسساتها وتوجهاتها، كما قال الوزير نفسه حين تم توجيه النقد إلى قيادات مؤسسات الوزارة بأنه لا يهمنا الأشخاص بل أداء الوزارة نفسها «حاسبوا السياسات لا الأشخاص». وهذا لا يمنع أن يكون المثقفون الذين اختاروا أبوغازى وأصدر بعضهم بيانا للمطالبة بتوليه الوزارة يعلقون على شخصه الآمال لأنه «جاء من الرصيف» كما كانوا يرددون فى أولى لقاءاتهم به. «فلا يمكن أن يعمل جهاز قبل الثورة بنفس المنطق بعد الثورة» كما يقول الروائى عبده جبير، مضيفا «فقد كان هناك دائما نقص كبير فى وزارة الثقافة ولا يزال موجودا وهو الفجوة بين أنشطة الوزارة والجمهور المهتم بالثقافة». حيث يعتبر جبير أن فاعليات المجلس الأعلى للثقافة والجوائز والمهرجانات وحفلات التكريم كانت كلها موجهة من السلطة وإلى السلطة، مما يسمح لها التباهى بأنها سلطة ثقافية تقوم بكل ما من شأنه أن يطبق نظرية «الصهللة» التى ذكرها الوزير السابق.
وترتبط الأزمة بالأحرى بالأداء الذى يتسم أولا بالتضارب فى أكثر من واقعة، مثل الإعلان عن إقامة معرض القاهرة للكتاب، ثم الإعلان عن إلغائه وتعويض الناشرين عن الخسارة التى تكبدوها فى دورة الثورة ثم يتم إعلان إقامته فى شهر رمضان المقبل. أو إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى ومن بعده المسرح التجريبى فى الوقت الذى تجذب فيه الثورة أنظار العالم ويتم دعوة الثوار وأفلامهم فى الندوات والمهرجانات فى الخارج.
يضاف إلى ذلك ترحيب الوزارة الجديدة الشديد بعروض المسرح المستقل ومسرح الشارع، وعقد النية لفتح أبواب مسارح الدولة لها وإتاحة الفرصة للتدريب فيها، وهى الفرق المستقلة التى ظهرت فى التسعينيات والتفتت لها الدولة ومنحتها الجوائز، لكنها حتى اليوم، وبعد قيام «ثورة الفيس بوك» كما يحلو للبعض تسمية ثورة 25 يناير الشعبية إلا أنها لا تزال تستجدى فضاءات العرض الخاصة، أو تواجه ببيروقراطية مديرى المسارح الذين يؤثرون حياة الموظف المنتظمة على وتيرة ثابتة بدلا من المغامرة الفنية ومساندة الابداع الشاب والتضامن معه، ويبقى الوضع على ما هو عليه: تكريس القديم والدفاع عنه.
أما ثانى ملامح الأزمة فتنبع من إصرار الوزارة الحالية على الدفاع عن منجزات الوزارة السابقة، مثل إنكار مبدأ الشللية الذى كان يحكم الواقع الثقافى، أو الإشادة بدور الهيئة العامة لقصور الثقافة وبما حققته، بينما لا تزال ذكرى حريق بنى سويف عالقة فى الأذهان والتى لم يتبعها ثورة فى «قصور الثقافة بالمحافظات» حتى الآن أو التمسك بالقيادات السابقة التى لعبت أدوارا أساسية فى النظام السابق أو فى لجنة السياسات، أو تلك التى خرجت تشارك فى حملات الاعتذار للرئيس المخلوع وسرعان ما بدلت سترتها وصارت تمجد أغانى الثورة والثوار.
فالأزمة هنا هى غلبة الدماثة والدبلوماسية فى الوقت الذى يتعين فيه إحداث قطيعة تامة مع سياسات الوزارة السابقة، وليس هذا بالبدعة فالثورات فى العالم كله كان يتبعها إحلال وتجديد للمؤسسات المختلفة وانسحاب أو إبعاد للرموز القديمة.
صحيح أن الوزير الذى عرف بالنزاهة، يعترف بأن هناك فسادا سيستغرق وقتا فى علاجه مما دفعه لتشكيل مجلس أمناء للعديد من مجالس إدارات المؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، لكن تظل المشكلة فى تكريس نفس الوجوه فى المناصب القيادية، رغم الشكاوى التى قدمها موظفو الهيئة العامة لقصور الثقافة ضد رئيسهم، بالإضافة إلى عدم تركه أى بصمة فى منظومة الثقافة الجماهيرية بالمحافظات اللهم الدعاية الاعلامية الضخمة التى تخصه وحده، إلا أنه كوفئ بإسناد الهيئة المصرية العامة للكتاب، أكبر مؤسسات الدولة، إليه.
والمدهش أن إحدى الخلافات التى أثيرت مؤخرا فى أروقة الثقافة، كانت اعتراضا صريحا من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة د. عز الدين شكرى على عقد ندوة فى مقر المجلس تضم وجوها من النظام البائد، أى أن شرعية الثورة يتم أحيانا تفعيلها بمؤسسات الوزارة. حيث عارض الأمين استقبال ندوة حول مستقبل الثقافة فى مصر يشارك فيها د.إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية، وطالبه فى بيان رسمى باعتزال العمل العام باعتباره «من رموز النظام السابق ومهندسى سيناريو التوريث» الذى أجهضته «ثورة 25 يناير».
وها هى جوائز الدولة التى من المقرر الإعلان عنها فى 25 يونيو الجارى لا تشهد أى تغيير سوى تغيير اسم كبرى جوائزها التى كانت باسم الرئيس السابق، أما بنية المجلس الأعلى للثقافة التى تنبثق عنها لجنة الجوائز فلا تزال كما هى، رغم كل الانتقادات التى وجهت إليها على مدار السنوات السابقة، والتى كانت تصب جميعها فى ضلوع ممثلين لمؤسسات الدولة المختلفة، أى أعضاء بالمجلس بحكم وظائفهم التى لا علاقة لها بالثقافة أو بالبت فى جوائزها. «بينما لجنة الجوائز ينبغى أن تكون مستقلة مكونة من مختصين فقط لا غير» كما يطرح عبده جبير فى حواره ل«الشروق»، أسوة بأى جوائز أخرى مثل البوكر أو العويس والتى تتشكل لها لجنة من المختصين فى نوع الجائزة.
استحالة فصل المجلس الأعلى للثقافة عن الوزارة
أما المجلس الأعلى للثقافة نفسه، فكان الفنان عادل السيوى قد بادر بتقديم مقترح لفصله عن الوزارة واستقلاله المادى عنها، وإعادة هيكلته بحيث يتخلص من جسده البيروقراطى العقيم، ويتم استبداله بنخبة من ذوى الخبرة الثقافية أو لجنة من الحكماء تكون لها علاقة مباشرة بالمشروعات الثقافية ويتم اختيارهم عن طريق الانتخاب. ورغم ترحيب الوزير بالمشروع وانعقاد العديد من الجلسات لمناقشته مع المثقفين لدرجة تنظيم ورشة على مدار عدة أسابيع بعنوان «إعادة هيكلة المجلس» وبإشراف أمين المجلس الأعلى نفسه، إلا أن الفكرة لا تزال محل نقاش ومباحثات بين المثقفين. كما أن فكرة فصل المجلس عن الوزارة تراجعت قليلا لصالح فقط إعادة هيكلته، الأمر الذى يؤكد سياسة تفادى أى «تغيير جذرى وحقيقى» على حد تعبير صبرى حافظ فى اللحظة الراهنة.
المخرجة المسرحية عبير على، عضوة ائتلاف الثقافة المستقلة، والتى شاركت فى الاعداد لورشة إعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة، ترى أنه من السذاجة الرهان على اتخاذ قرارات فى هذه المرحلة نتيجة الظروف السياسية الراهنة التى لا تجعل أحدا صاحب قرار، حتى وإن كان وزير الثقافة. فهناك على حد قولها نظام يواجه مطالب خارجية ويقبع داخله جزء من التيار الاسلامى، وضغوط من رجال الأعمال وفلول نظام، وتوازنات ترجح كفة التيار السلبى فيها. أما لماذا لم تصل الاجتماعات إلى نتائج ملموسة لصالح الجماعة الثقافية المهمومة بتغيير المجلس، فتشير عبير على إلى استكمال مجموعة الورشة عملها بعرض نتاج عملها مع مقترحات المثقفين على مختصين فى القانون والإدارة، إلا أنها تعيب على المثقفين أنفسهم الذين يحتاجون إلى تدريب على إدارة الحوار والعمل الجماعى وقبول الاختلاف. المسألة تحتاج إلى إحلال وتجديد، لكن التغيير صعب يكون جذريا، من وجهة نظر صاحبة مسرحية «تحيا ماما» (حاصدة جوائز المهرجان القومى للمسرح فى 2010)، حيث ترى أن الشعب نفسه الذى قضى سنوات من القهر والإقصاء ومصاب بفساد تم تحضيره معمليا غير مدرب على ثقافة الاختلاف وهى الضمانة الوحيدة للتجديد والتطور العلمى والابداع.
لا تلق عبير على باللوم على وزارة الثقافة، وهى التى اختارت منذ البداية المسرح المستقل والثقافة المستقلة، بل بالأحرى على الجماعة الثقافية نفسها «نحن شركاء لا نقوم بفعل أى شىء، اعتدنا أن يقهرنا حاكم ويحل مشاكلنا حاكم، وزير الثقافة ليس سوى جزء من منظومة، وهذا ليس دفاعا عنه، لكنه يتعلق باللحظة الراهنة والظرف السياسى، بالإضافة إلى أداء ترسنة الموظفين غير المؤهلين». وتوجز الفنانة الخروج من النفق عن طريق أولا تكوين جماعات قادرة على إدارة الحوار فيما بينها وبلورة مشروع يمثل مطالبهم وينتخبون ممثليهم، وثانيا الاستمرار فى عمل جماعات ضغط لرفع المطالب للجهات السيادية واستمرار المتابعة حتى تنفذ المطالب.
صيحة اليوم.. مداهنة الشباب
وفى الوقت الذى يتم فيه تكريس القيادات القديمة والرموز التى تبدل ولاءاتها فى خلال 18 يوما من النقيض إلى النقيض، تأتى القيادة الجديدة للهيئة العامة لقصور الثقافة رافعة لواء التغيير بالإجهاز على رموز الكتابة فى مصر. حيث يطلق السيد سعد عبد الرحمن رصاصة الرحمة على مديرى السلاسل الأدبية الذين حملوا على أكتافهم عبئها وعملوا بشكل شبه تطوعى وخاضوا معارك التنوير من أجل نشر حكومى وجماهيرى أكثر انفتاحا وحرية، ولم يديروا لها الظهر وقت المحن، كما يقول أمل دنقل. حيث يعلن قراره بعدم التمديد لرؤساء السلاسل الذين تجاوز بعضهم السنوات العشر فى مراكزهم، مما أثار حفيظة إبراهيم أصلان فسارع بتقديم استقالته وهو الذى قبل بمعاودة العمل بسلسلة آفاق عربية المتميزة بعد زوبعة الروايات الثلاث الشهيرة، حرصا منه على عدم سقوط السلسلة واستجابة لإلحاح الجماعة الثقافية. أما المنطق الذى تبناه عبدالرحمن فقد انطلق من شعارات على شاكلة «ضخ دماء جديدة» ووضع صياغة جديدة لمشروع النشر فى السلاسل، وإسناد القيادة لعناصر الشباب، والمشكلة ليست فقط فى السير وراء صيحة الشباب، مفجرى الثورة وصانعى التغيير وغيرها من الحماس الذى أصبح مفرغا من مضمونه نحو الشباب، ولكن فى سياسة الإقصاء نفسها التى انتهجها رئيس الهيئة وبُعدها عن اللباقة وأصول الإدارة بما أن الكتَّاب فوجئوا بالتصريحات على صفحات الجرائد. يضاف إلى ذلك غياب أى موقف أو تصريح من وزارة الثقافة يؤيد أو يعارض تصريحات رئيس الهيئة، مما قد يقود البعض لاستنتاج أن السكوت علامة الرضا، أو حتى عدم الاكتراث. فالخوف كل الخوف من أن يتم الترديد الأجوف لدور الشباب وأهمية توليه القيادة إلى الدرجة التى جعلت المجلس يستحدث لجنة خاصة فقط بالشباب وهى اللجنة التى عقدت النية على تشكيلها قبل الثورة بفترة وكانت كما أشار الناقد محمد بدوى فى إحدى حواراته بأخبار الأدب بأنها كانت تهدف احتواء الشباب واستيعابهم فى جهاز الدولة القديمة. فيتحول الأمر من تهميش الشباب وإقصائه فى العهد البائد إلى رفعه وتمجيده على أشلاء الحكمة والخبرة والمراس.
مقترحات عبده جبير للخروج من عنق الزجاجة
وحتى وإن انقسمت الآراء حول الدور المخول لوزارة الثقافة فى المرحلة الحالية وهل حقا فى يدها صناعة القرار، أم أنه يراد لها الانتظار حتى إشعار آخر فى حكومة هى نفسها حكومة تسيير أعمال، إلا أن المثقفين لن يتوانوا عن تقديم المقترحات والحلول المتاحة. لا يكتفى الروائى عبده جبير بالتأسى على حال الثقافة، وهو الذى عمل بالهيئة العامة للكتاب على مدى سبع سنوات وأدار مع المفكر د. غالى شكرى واحدة من ألمع وأنجح المجلات الثقافية وهى مجلة القاهرة والتى توقفت فى عام 2000، حيث يتذكر كمّ المجلات الثقافية التى أغلقت والتى كانت تهتم بالناس وليست مجرد نشرات للوزارة كما كان يحدث فى العصر الماضى، مثل الفكر المعاصر والمجلة والكاتب وتراث الانسانية والمسرح. لكنه يقترح للنهوض بالهيئة العامة للكتاب بعد مرحلة طويلة من الفساد والافساد كانت فيها معطلة لصالح مشاريع مكتبة الأسرة والقراءة للجميع، أن تفتح أولا أبواب مكتباتها على غرار المكتبات الخاصة المكتسحة اليوم، وتستوعب عددا من العاطلين عن العمل التى تعج بهم مكاتبها وأقسامها. أما عن مطابع الهيئة التى أصابها الركود طويلا، فيؤكد جبير أن المطابع صممت لتعمل لأكثر من وردية، «لماذا لا تعمل مطابع الهيئة لأربعة ورديات وتستوعب مطبوعات الوزارة الأخرى مثل قصور الثقافة والمجلس الأعلى والمركز القومى للترجمة؟» كما يتساءل صاحب تاج من العشب، بالإضافة إلى تحويل عمل إدارة المعارض لتنظم معارض الكتاب بالجامعات والنوادى والمواقع الثقافية. حيث ينتظر عبده جبير فى هذه اللحظة أن تبدأ الوزارة فى برنامج تجريبى يتناسب مع روح الثورة.
أما مسئولية الوزارة فيؤكد جبير: «لا أشك فى إخلاص ونبل عماد أبوغازى، لكنى أظنه مقيدا ومحاطا بالمشاكل التى تستنفد وقته. ولعله يجد الزمن الكافى ليحول الوزارة من مكان يعج بالكسالى، إلى مؤسسة منتجة تتوجه إلى المتعطشين للثقافة فى مصر والعالم العربى، كما كان دورها فى الماضى البعيد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.