أبوالريحان محمد بن أحمد البيروني من أكبر عظام علماء الإسلام ومن أكابر علماء العالم, وقد ولد في4 سبتمبر عام379 ميلادية في مدينة كاث عاصمة خوارزم والتي تقع حاليا في أوزبكستان. وانتقل إلي جرجان عام998 ميلادية والتحق ببلاط السلطان قابوس بن وشكير الملقب بشمس المعالي وكان محبا للعلم ويحفل بلاطه بجهابذة العلم وأساطين المعرفة وتزخر مكتبته بنفانس الكتب وهناك التقي مع العالم الكبير ابن سينا وناظره والطبيب الفلكي المشهور أبي سهل عيسي بن يحيي النصراني وتتلمذ علي يديه وشاركه في بحوثه وتم بناء مرصد فلكي ليستعمله في رصد الأجرام السماوية, وفي أثناء ذلك أنجز أول مؤلفاته الكبري الآثار الباقية من القرون الخالية وهو كتاب في التاريخ العام يتناول التواريخ والتقويم التي كانت تستخدمها العرب قبل الإسلام واليهود والروم والهنود ويبين تواريخ الملوك من عهد سيدنا آدم حتي وقته وفيه جداول تفصيلية للأشهر الفارسية والعربية والعبرية والرومية والهندية, ويبين استخراج التواريخ ببعضها من بعض. التحق البيروني بعد ذلك بمجلس العلوم الذي أقامه مأمون بني مأمون أمير خوارزم الجديد وكان يزامله في هذا المجمع العلمي العالم الكبير ابن سينا والمؤرخ والفيلسوف أبن مسكويه. ثم رافق السلطان الجديد محمود الغزوني في فتوحاته الظاهرة في بلاد الهند, وقد هيأ له ذلك أن يحيط بعلوم الهند, حيث عكف علي دراسة لغتها واختلط مع علمائها, ووقف علي ما عندهم من العلم والمعرفة واطلع علي كتبهم في العلوم والرياضيات, ودرس جغرافيا الهند من سهول ووديان وجبال, بالإضافة إلي عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها المختلفة, ودون ذلك كله في كتابه الكبير المعجزة الطائر الصيت المعروف ب كتاب الهند ويصف المستشرقون( روزن) هذا الكتاب بأنه أثر فريد في بابه لا مثيل له في الأدب العلمي القديم أو الوسيط سواء في الغرب أم في الشرق. تبلغ مؤلفات البيروني641 كتابا في علوم مختلفة, فقد كتب في الحساب وشرح الأرقام الهندسية شرحا وافيا وهي الأرقام التي اتخذت أساسا للأرقام العربية, كما يعد الواضع الأساسي لعلم الميكانيكا وكانت له نظريات في استخراج الأوتار من الدائرة, واستطاع أن يبتكر معادلة لمعرفة محيط الأرض تعرف بقاعدة البيروني. وقال البيروني بدوران الأرض وأنكر أن تكون الأرض مسطحة, وافترض أن الأرض ربما هي التي تدور حول الشمس. ويعد كتاب القانون المسعودي من أهم مؤلفات البيروني في علم الفلك والجغرافيا والهندسة, وقد قام بتعيين الجهات الأصلية وتحديد الأوقات ومعرفة فصول السنة, ورصد حركة الشمس, وقام بقياس طول السنة علي وجه دقيق, ودرس كسوف الشمس وخسوف القمر والفرق بينهما, وشرح الأسباب التي تمنع رؤية الهلال حتي مع وجوده في الأفق, وأوضح الفروق بين الكواكب الثابتة والكواكب السيارة, وابتكر الإسطرلاب الأسطواني, كما أنه له إسهامات في حساب المثلثات والدائرة وخطوط الطول والعرض ودوران الأرض, والفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت, وهو أول من وضع الوزن النوعي لبعض الفلزات والأحجار الكريمة مثل الياقوت والزمرد واللؤلؤ والألماس والفيروز, والفلزات مثل الزئبق والذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص. ويعتبر البيروني أول عالم أشار إلي وجود الجاذبية الأرضية قبل وضع قوانين الجاذبية بواسطة إسحق نيوتن بعدة قرون, ومن أهم كتب البيروني كتاب الصيدلة في الطب ويعد ذخيرة علمية ومرجعا وافيا في مجال الصيدلة. وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألف في كل فروع المعرفة التي عهدها في عصره, فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والصيدلة. وكان لهذه المؤلفات اليد الطولي في صناعة أمجاد عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم الغربي بعد ذلك بعدة قرون, ومن أقواله المأثورة إن طلب العلم هو أسمي هدف للحياة البشرية, وإن مطالب الحياة تستلزم مراعاة أداء الفرائض الدينية والتمسك بالقيم لكي تساعد الإنسان في تصريف الأمور وتمييز الخير من الشر والصديق من العدو. وقد أشاد بمكانة البيروني العلمية كبار مؤرخي العلم وأنشئت باسمه جامعة في طشقند بأوزبكستان, كما اختير من بين81 عالما إسلاميا أطلقت أسماؤهم علي بعض معالم القمر, وظل وفيا للعلم حتي يوم وفاته في31 ديسمبر عام8401 ميلادية, فيذكر أنه وهو علي فراش الموت زاره أحد أصدقائه فسأله البيروني عن مسألة سبق أن ناقشه فيها فقال له صديقه: أفي مثل هذه الحالة تسأل؟ فقال البيروني ياهذا: الأفضل أن أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة.