هو محمد بن موسي الخوارزمي المكني بأبي جعفر، ولد في خوارزم، ولا يعرف تاريخ مولده علي وجه التحديد، ولكن من المعتقد أنه ولد عام 168ه (780 م)، الخوارزمي مبتدع علم الجبر، وكان أول من ألف فيه، كما كان أول من أطلق كلمة "جبر" علي هذا الفرع من العلم وما زالت هذه التسمية مستعملة حتي اليوم، بل انتقلت هذه التسمية كما هي إلي مختلف اللغات الأوروبية، ويعرف الآن هذا العلم باسم "الجبر"، ويعد الخوارزمي واحدا من أهم علماء العرب والمسلمين الذين لهم مكانة خاصة في تاريخ العلم، وهم العلماء الذين طرقوا مسالك خاصة وقاموا بتقديم أفكار جديدة ساعدت علي تقدم العلم والمعرفة. وقد أقام الخوارزمي في بغداد عاصمة الدولة العباسية مدة من الزمن، وقام هناك ببعض أعماله الرياضية الهامة، وذاع صيته كعالم كبير من علماء الرياضيات، وكان ذلك في عصر الخليفة العباسي المأمون، نحو عام 205 هجرية. وقد أعجب الخليفة المأمون بعلم الخوارزمي وثقافته، فأغدق عليه المال، وضمه إلي مجلسه، وكان يستشيره في كثير من الأمور، ثم ولاه منصبا علميا في بيت الحكمة في بغداد. وبالرغم من أن الخوارزمي كان نابغة في علم الحساب، وتذكر أغلب أعماله الهامة في هذا الفرع من العلم، إلا أنه كانت له نشاطات أخري متعددة، فقد كان له بعض الرسائل في الفلك والجغرافيا، مثله في ذلك مثل أغلب العلماء المسلمين الآخرين الذين تميزوا بتعدد مواهبهم، وقد ترجمت بعض هذه الرسائل بعد ذلك بثلاثة قرون، علي يد عالم إنجليزي يدعي "فون باث" إلي اللاتينية. وكان الخوارزمي علي قدر كبير من الذكاء ،فقد ابتكر طرقاً جديدة في علم الحساب، واستخدم تعبيرات جبرية جديدة لم تعرف من قدم حلا رياضيا لمعادلات الدرجة الثانية الجبرية. وقد اعتمد الخوارزمي في ابتكاره لعلم الجبر علي بعض المعلومات القليلة والمتناثرة التي تركها الهنود أو الإغريق من قبل، واستخدم ذكاءه الوقاد وصحح هذه المعلومات وأضاف إليها، وابتدع بذلك علم الجبر الجديد، ووضع له أسسا ثابتة وعلمه لكل من حوله من الناس. وقد عرف الخوارزمي الأرقام الهندية (1،2،3) أثناء اطلاعه علي أعمال الهنود، وكان أول من استخدم هذه الأرقام في مؤلفات، ويعد كتابه في الحساب هو أول كتاب من نوعه في هذا الفرع من العلم، وذلك من حيث مادته ومن حيث نظامه وتبويبه، وقد شرح الخوارزمي في هذا الكتاب استخدام الأعداد وطرق الجمع والطرح والقسمة والضرب وحساب الكسور، وترجم هذا الكتاب بعد ذلك إلي اللغة اللاتينية في أوروبا، وأعجب به علماء الغرب كل الإعجاب، وكانت ترجمة هذا الكتاب في أسبانيا في القرن الثاني عشر، وكانت النسخة الأولي منه مكتوبة بخط اليد وموجودة في مكتبه البلاط في فيينا، والنسخة الثانية في هايدلبرج، وقد وصف الخوارزمي عمليات الطرح في هذا الكتاب قائلا: "إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا حتي لا يحدث لبس بين خانة الآحاد والعشرات" ويضيف "إن الصفر يجب أن يكون علي يمين الرقم لأن الصفر علي يسار الاثنين مثلا (02) لا يغير من قيمتها ولا يجعل منها عشرين". وقد ظل هذا الكتاب مرجعا في علم الحساب في أوروبا لعدة قرون حتي إن علم الحساب سمي في أوروبا باسم "الغورثمي" نسبة إلي عالمنا الفذ. ويعتبر كتاب الخوارزمي في علم الجبر وهو الكتاب المسمي "الجبر والمقابلة" من أعظم الكتب التي ألفت في هذا العلم، وتوجد نسخة منه في جامعه أوكسفورد ببريطانيا، كما توجد ترجمة باللغة الفرنسية لعدة فصول من هذا الكتاب. وللخوارزمي مؤلفات أخري خلاف مؤلفاته في الجبر والحساب، ويتصل أغلب هذه المؤلفات أيضا بعلوم الرياضيات، فقد ألف في علم الفلك وفي حساب المثلثات، وله فيها بحوث مبتكرة وأفكار جديدة، كذلك كان له الفضل في وضع بعض الجداول الفلكية التي تشير إلي حركة الكواكب والنجوم، وأطلق عليها اسم "السند هند"، وجمع فيها كل ما سبق معرفته من معلومات عند الفرس والهنود، وأضاف إليها كثيرا من المعلومات الجديدة، وقد أصبحت هذه الجداول أو "الزيج" مرجعا هاما في هذا المجال، واستعان بها من أتي بعده من العلماء في وضع جداولهم الخاصة. ولم يستطع أحد من علماء الغرب أن ينكر فضل الخوارزمي في تقدم علم الحساب والفلك، بل كانت له مكانته الخاصة عند علماء الغرب، ولذلك اعترفوا بكل أعماله، وأطلقوا علي كتبهم وتراجمهم اسم "جوارزموا"، ونسبوا إليه علم الحساب فأطلقوا عليه "الغورثمي" كما أطلقوا اسمه علي الجداول الخاصة التي ابتكرها اسم "جداول اللوغاريتمات" اعترافا بفضله وتقديرا لما ساهم به في تقدم علوم الحساب. وتوفي الخوارزمي في عام 232ه بعد أن وهب حياته للعلم وترك أثرا لا ينسي في علوم الرياضيات.