ما بين الترحيب بتعديلات قانون الطوارئ, خاصة لمواجهة البلطجة وقطع الطريق وتخريب المنشآت, وبين معارضتها, خاصة فيما يتعلق بإضافة جرائم الإعلام ونشر الشائعات وإذاعة أخبار أو بيانات كاذبة, يبقي تعديل قانون الطوارئ مثيرا لمخاوف الكثيرين, خاصة أن رجال القانون والقضاء يؤكدون أن كل الجرائم التي ينص عليها قانون الطوارئ ينص عليها أيضا قانون العقوبات, لكن الفارق أن الطوارئ الذي وعد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوقف العمل به قبل الانتخابات, اضطر بعد جمعة تصحيح المسار وما حدث خلالها من خروج علي المسار في محاولة لإجهاض الثورة, الي تفعيل القانون وتعديله, وهذا ما يثير تحفظات الكثيرين لأن قانون الطوارئ يعني الاعتقال وتشديد العقوبة وغيره مما يحتفظ به تراثنا وذاكرتنا من أمور يرفضها الكثيرون ويطالبون بإعادة النظر فيها. وقبل أن نعرض الآراء حول تفعيل قانون الطوارئ نذكر الحالات التي ينص عليها مرسوم القانون الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة برقم193 لسنة2011 بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم126 لسنة2010 فهو يتضمن تطبيق الأحكام المترتبة علي إعلان حالة الطوارئ خلال مدة سريانها علي حالات محددة لمواجهة حدوث اضطرابات في الداخل وجميع أخطار الارهاب والإخلال بالأمن القومي والنظام العام بالبلاد, أو تمويل ذلك كله وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار فيها علي حالات مواجهة أعمال البلطجة والاعتداء علي حرية العمل وتخريب المنشآت وتعطيل المواصلات وقطع الطرق وبث وإذاعة أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة, هذه التعديلات رحب بها بعض رجال السياسة والقانون وعارضها بعضهم. في البداية يوضح المستشار رفعت السيد رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق أن قانون الطوارئ الأصل فيه أنه يواجه ظروفا استثنائية طارئة مثل حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الانفلات الأمني الذي لايمكن مواجهته بالإجراءات العادية, ولكن يعطي قانون الطوارئ السلطة الحاكمة اختصاصات واسعة تنتقص من حقوق المواطنين أو تضع قيودا علي حركتهم وسلوكهم وتشدد العقوبات أحيانا علي بعض الجرائم التي ترتكب بناء علي الحالة, والطوارئ في مصر معلنة منذ عام1981 بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وبرغم مضي أكثر من ثلاثين عاما علي إعلانها واستقرار الأوضاع إلا أن العهد السابق كان يري ضرورة استمرار فرضها وامتدادها خلال تلك السنوات, ولكنه في المرحلة الأخيرة وفي نهاية فترة مجلس الشعب السابق( المنتخب عام2005) ظهرت معارضة شديدة من جانب أعضاء مجلس الشعب وعلي رأسهم جماعة الاخوان المسلمين والمستقلون, فضلا عن معارضة أغلبية الكتاب والمثقفين والسياسيين والأحزاب لتمديد قانون الطوارئ, فأرادت حكومة نظيف السابقة أن تمتص غضبة الجماهير وأن تلتف حول معارضة أعضاء البرلمان فأعلنت عن وعد منها بالا تطبق قانون الطوارئ إلا بالنسبة لجرائم الإرهاب ومكافحة المخدرات, وتم تمديد قانون الطوارئ علي هذا الأساس, إلا أنه بعد انفجار ثورة25 يناير حدث انفلات أمني واضح في المجتمع بسبب ما واجهته الشرطة من اعتداءات علي أقسام الشرطة ورجال الشرطة انتقاما من التجاوزات التي مارسها الضباط وجنود جهاز أمن الدولة المنحل, الأمر الذي شجع علي انتشار البلطجة وترويع المواطنين وجرائم السرقة فضلا عن انتشار ظاهرة المظاهرات والاعتصامات غير المبررة, لاسيما أن بعضها تعرض للأملاك العامة والطرق والمرافق العامة بالإتلاف ومنع السير في الطرق العامة وقطع سير القطارات بين ربوع الوطن, فلذلك أصبح قانون الطوارئ ضروريا لمواجهة هذه الظواهر غير المقبولة ولوضع حد لجرائم البلطجة, لذلك يجب تفعيل قانون الطوارئ بحزم وشدة علي كل من يخرج علي تطبيق القانون وهدم هيبة الدولة والإساءة الي سمعتها في الداخل والخارج. ويرفض د. مصطفي السعيد وزير الاقتصاد الأسبق تفعيل قانون الطوارئ لأن قانون العقوبات يتضمن نصوصا تعاقب علي الارهاب والبلطجة وبث الشائعات, وأن القانون العادي ينص علي تجريم مثل هذه الجرائم, وقانون الطوارئ به اعتقال والمطلوب حكومة قوية تطبق قانون العقوبات دون حاجة للرجوع الي قانون استثنائي وهو قانون الطوارئ. أما المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة سابقا فيتساءل هل نحن في حاجة إليه أم لا؟ نحن لسنا في حاجة الي قانون الطوارئ منذ30 عاما لأننا لدينا قانون العقوبات وسبب بعض أعمال البلطجة في الشارع المصري هو الغياب الأمني, فرجال الشرطة لايؤدون أعمالهم, وتفعيل هذا القانون يستلزم ثلاثة أمور: أولا: بيان الحالة التي أعلنت بسببها, ثانيا: تحديد المنطقة التي تشملها الطوارئ, ثالثا: تاريخ بدء سريان حالة الطوارئ. أما الاعتقالات والقبض علي الأشخاص المشتبه فيهم دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية أي استصدار إذن من النيابة العامة بالقبض أو الحبس فإن معناه إهدار سلطات النيابة العامة واختصاصاتها وهو ما يهدد أيضا استقلال القضاء. كما يتضمن قانون الطوارئ اختراق الخصوصية الشخصية مثل فتح ومراقبة المراسلات. ويشرح د. رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستوري, أن قانون الطوارئ ليس جديدا علي مصر ولكن كان تطبيقه مقصورا علي العمليات الإرهابية والمخدرات ولذا لم يشعر الشعب بوجوده خلال الفترة السابقة, ومع ذلك كان الشعب دائما يطالب بالغائه والشعب أصبح لديه أمل حينما أعلن المجلس العسكري أنه سيلغي الطوارئ قبل الانتخابات, ولذا فوجئ الكثيرون بما صدر من المجلس العسكري من تعديل علي قانون الطوارئ لتفعيله كما يدعون علي أثر الأحداث التي جرت يوم2011/9/9 مما أصاب الكثيرين وأصيب الكثيرون بخيبة الأمل, خاصة أن تطبيق القانون بدأ يخرج عن مساره الطبيعي لأن جميع الأحداث التي جرت سواء أمام وزارة الداخلية أو السفارة الإسرائيلية من الممكن أن تدخل في بند الإرهاب وبالتالي يطبق قانون الطوارئ بدون تعديل, أما اذا كان التعديل سيشمل أمورا أخري مثل الإعلام والأخبار الكاذبة والتقارير الصحفية فهي خاضعة للتجريم والعقاب في قانون العقوبات, لذلك نأمل إعادة النظر في هذا الأمر بل ونطالب بإلغاء قانون الطوارئ قبل بداية العملية الانتخابية حتي تتم بحرية وفي نزاهة, كما وعد المجلس العسكري. ويوضح المستشار سعد عبدالواحد رئيس محكمة أمن الدولة سابقا, أن قانون الطوارئ لم يلغ بعد ومازال معمولا به وانما تم ادخال تعديل علي بعض بنوده, بل وتفعيل بعض النصوص التي كانت معطلة وتم ادخال حالات التهديد بالفوضي أو التهديد بمساس أمن الدولة من الداخل أو الخارج أو الممتلكات العامة وانتشار حالة الفوضي في الشارع المصري, الوضع الحالي حاليا أمنيا واقتصاديا لا يسمح بالذي يحدث الآن ونحن مع التشديد وليس التخفيف لأنه يضر بمصلحة مصر ويعرضنا لانهيار دولة. وأطالب بالسرعة في الإجراءات لعودة هيبة وهيمنة الدولة بدلا من استعانة بعض السفارات بأمن خاص من دولتها حتي تحميها في مصر فهذه منتهي الإهانة لمصر والموقف خطير بالفعل. ويضيف مسئول أمني أنه بعد تكرار أحداث العنف التي أدت الي تخريب في البلد بدأ المواطنون يطالبون بتطبيق الأحكام العرفية وفرض حظر التجوال مرة أخري, كما أن اضافة بعض البنود لفترة مؤقتة سببه أن هناك بعض البرامج التليفزيونية التي تحرض المتظاهرين واللعب بالأفكار المتضاربة, لذل فإن التعديل الأخير علي قانون الطوارئ يجب أن يؤخذ بجدية وحسم مع ضرورة التعامل مع القوانين بصورة مناسبة لمواجهة الأوضاع والظواهر غير القانونية في البلد.