فى صباح يوم من شهر أغسطس الماضى استيقظ المصريون على اسم عصابة جديدة تدعى "النيقس" ظهرت فى القاهرة، وألقت أجهزة الأمن القبض على أفراد منها فى منطقة عين شمس، بعد تورطهم فى أعمال بطلجة وسرقات، وصلت إلى قتل شاب سودانى هناك. "النيقرز والنيقس والنقرس" أسماء عدة تُطلق على تلك العصابة فى السودان، حسب مناطق ارتكابها للجرائم، ووفقًا لوسائل إعلام سودانية، فإن أفراد العصابة ظهروا منذ سنوات فى عدد من المناطق، على رأسها الخرطوم، حيث يتمركزون فى الميادين والشوارع الهامة ليلًا، ويسرقون المارة بالإكراه، حاملين الأسلحة المتنوعة، فى طريقة مشابهة للعصابات الإفريقية، إلا أن مسؤولًا بالشرطة السودانية نفى فى عام 2010، وجود أى عصابات منظمة، قبل أن تعاود الظهور مُجددًا بجرائمها، وتُصدر الجريمة لمدن أخرى خارج الحدود، كان آخرها القاهرة. هذه هو الجانب السىء فى مشكلة اللاجئين أو الأفارقة المقيمين فى مصر أو العابرين لها فى طريقهم لدول أخرى، فقطاع عريض من المصريين يرى فى الأفارقة أنهم مصدر خطر على عكس الحقيقة، فهم أناس طيبون ألقت بهم الظروف فى بلاد غريبة من أجل لقمة العيش. جاءوا من بلاد غريبة، بعيدة المدى ليعيشوا فى مصر، ويعملوا بها ويتخذونها موطنًا جديدًا، جنسيات مختلفة، من دول أفريقيا، منها "نيجيريا، أوغندا، غانا، السودان، بعضهم ترك بلده، بحثًا عن لقمة العيش، وآخرون لأسباب أخرى، منها القمع والعنصرية التى يتعرضون لها فى بلدانهم، وأيضًا التطرف الدينى، وآخرون دفعتهم الحرب الأهلية الجارية بين القبائل والعشائر، للهرب من أوطانهم وانتهى بهم الرحال فى القاهرة. لكن السؤال هنا بعدما جاءوا إلى مصر.. كيف يعيشون وماهى طبيعة حياتهم وهل هناك مشكلات تقابلهم؟.. كل هذه التساؤلات أجاب عنها اللاجئون أنفسهم فى التقرير التالى.عاصمة الأفارقةمنطقة سوق الحى العاشر بمدينة نصر، تعد نقطة التمركز الرئيسية لأصحاب البشرة السمراء من الأفارقة، إذ يعمل ويمتلك كثير منهم مطاعم ومحال عطارة وأحيانًا مقاهى خاصة بهم فضلًا عن باعة الشوارع، منهم الذين يبيعون الإكسسوارات على النواصى والأرصفة.وعلى بعد خطوات من ميدان السوق الرئيسية، تلفت إمرأة عجوز الانتباه وهى تغزل ثوبًا من صوف لقتل الوقت خلال حراستها لبضاعتها القليلة من المعجنات، وبالاقتراب منها توجست خيفة."مونتانا" سوادنية الجنسية، فى الستينيات من عمرها، جاءت من الجنوب، تبيع المعجنات التى تصنعها، بأيديها، لأبناء وطنها المقيمين فى المنطقة، ب5 جنيهات للكيس، طوال جلوسها فى وقت العمل تلهى نفسها بغزل مفرش صغير من الصوف، لأطفالها، وبعد الحديث معها للحظات، بدأت تشعر بالطمأنينة، وبصوت خافت، قالت: "لدى من الأبناء خمسة، أكبرهم 17 سنة، جئنا إلى هنا نظرًا لما نعانيه فى السودان من مشكلات قبلية، وليس لدى القدرة على العمل فى خدمة المنازل، لذلك فكرت فى طريقة أخرى تساعد على كسب الرزق، خاصة أن زوجى، يعمل باليومية، يوم آه والتانى لأ، نعيش فى شقة إيجارها 1500 جنيه".واستطردت العجوز وهى تشكو حالها بنبرة سودانية: "غلاء المعيشة، وارتفاع مصاريف الأكل والشراب، زادا من أعبائنا، أهم مشكلاتنا التى نواجهها، قلة العمل، ننام جميعًا على الأرض ولا يوجد لدينا بديل سوى ذلك على حسب استطاعتنا، "ربنا قادر على كل شىء".وعلى بعد خطوات قليلة، بالقرب منها، يجلس عم "سليمان أحمد" 47 سنة، سودانى الجنسية هو الآخر، بجوار، الفرش الخاص به، يبيع من خلاله، بعض مستلزمات البخور، والحناء، وكريمات للشعر.وقال "أحمد " فى بداية حديثه: إن لديه 5 أطفال، أكبرهم 10 سنوات، زوجته تعمل خادمة فى أحد المنازل، 5 أيام فى الأسبوع، لتعاونه على ظروف المعيشة الصعبة، وفى وقت عملها يتولى هو مسؤولية الأطفال، الذين يعانون من غيابها، و"لكن ما باليد حيلة"، حسب تعبيره.وأضاف التاجر السودانى: "جئنا إلى هنا بعد تفاقم المشكلات التى نتعرض لها فى السودان، لكن لا نشعر بالأمان هنا أيضًا، نتعرض للسرقة من قبل سائقى التكاتك، ومن يعترض يتعرض للإهانة، كل هذا بسبب أننا غرباء فيستغلون ضعفنا، والبلطجية، يقومون بتثبيتنا، واحنا لا حول لنا ولا قوة".وعلى الجانب الآخر من الطريق، تنشغل النيجيرية "يس مدام"، بترتيب بضاعة محلها الصغير، جاءت السيدة إلى مصر منذ عامين، بصحبة أسرتها الصغيرة، واستأجرت محلًا صغيرًا لبيع المنتجات النيجبيرية لأبناء جنسيتها، التى تقوم بشحنها من نيجيريا، وتدفع مصاريف الشحن فى مطار القاهرة، وبدأت المرأة الثلاثينية، حديثها عن استيائها الشديد، من ارتفاع الأسعار، قائلة: "كنت أدفع 100 جنيه، كل شهر لفاتورة الكهرباء، حاليًا 450 جنيهًا، بالإضافة إلى المياه".وأضافت، "نحن نحب مصر لذلك جئنا إليها ولم نذهب إلى بلد أخرى، ولكن هناك مشكلة كبيرة نتعرض إليها ولا نجد لها حلًا أو مبررًا، وهى تعرضنا للاعتقال والترحيل، فى أى وقت مع العلم أن أوراق إقامتنا قانونية، وسارية ولا نفتعل أى مشكلات، بدون أسباب نتعرض لذلك فى أى وقت، لا نستطيع العيش بأمان".وطالب "يس مدام" الحكومة المصرية بإيجاد حل لهذه المشكلة الكبيرة، التى يتعرضون لها بشكل مستمر.وأوضحت، أنها تقوم بزيارة نيجيريا مرة أو مرتين فى العام، واختتمت "نحب مصر ولا نريد مغادرتها وهذه أبرز مشكلاتنا".فى ناصية على طرف السوق تقف "ماروتاكا" 35 عامًا، من نيجيريا، داخل محل مستلزمات طعام، جاءت إلى مصر منذ 4 سنوات، بصحبة عائلتها، لديها طفل صغير 3 سنوات، وزوجها يعمل فى بيع العطور.أوضحت،"ماروتاكا" أنها تعانى هى وأسرتها من غلاء الأسعار، وتعرضهم لحملات أمنية، "لكن الحياة هنا جيدة، ونحن مع الشرطة فى اعتقال أى شخص يتسبب فى أى مشكلة"، هكذا استطردت.واستفاضت النيجيرية "معنا أوراق إقامة وتسير بشكل قانونى، ولكن نعانى من عدم وجود صيغة للتفاهم، ولا ندرى ما هى الأسباب، لدى فى المحل الخاص بى ثلاجة وبعض اللمبات، ومع ذلك أدفع 500 جنيه كهرباء، وكان أخى ضمن الذين قبض عليهم، وتم ترحيله بعد أيام دون أسباب".وفى ختام جولة "أهل مصر" فى عاصمة الأفارقة، قصدنا أحد المقاهى التى تعج بالأفارقة، وتحدثنا مع الصديقين "صلاح وشمسون" اللذين دائمًا ما يلتقيان على المقهى لقضاء بعض الوقت سويًا، فى البداية قال "صلاح" إنه جاء إلى مصر منذ 4 سنوات، بعد تعرضه للعديد من المشكلات فى السودان، ويشعر أن مصرهى بلده الثانى، لافتًا أنه يعمل مدرسًا، بينما زوجته لا تعمل، وعنده 4 أطفال، وراتبه لا يكفى متطلبات المعيشة.وأوضح الشاب "لدينا مشكلة فى إجراءات تجديد الإقامة، نأخذ وقتًا كبيرًا وصعوبة فى تجديدها".وفى سياق متصل، قال "شمسون" إنه قدم إلى مصر منذ 4 شهور، ولكنه لاحظ صعوبة فى التعامل معه، مضيفًا: "الإيجار غال، وإذا تأخرت عند دفع الإيجار يومًا، يخرجنا المالك على الفور، وزوجتى تعمل فى خدمة البيوت فى أكثر من مكان، وهناك معاملة سيئة تتعرض لها وإهانة، ولكن ماذا تفعل، لا يوجد بديل؟".وروى "شمسون" قصة جارته التى كانت تعمل خادمة لمدة زادت عن 3 سنوات فى أحد المنازل، وفى النهاية تم اتهامها بالسرقة، والقبض عليها وقضت 3 أيام فى الحبس حتى اكتشفت صاحبة الشكوى أنها بريئة، وذهبت وتنازلت، ولكن فى هذا الوقت تعرضت للإهانة وتركت بيتها وأطفالها.وطالب الشاب السودانى بتغيير قانون الهجرة المصرى مضيفًا: "نحن مهددون بالرجوع للسودان فى أى وقت، تهم باطلة نتعرض لها فى العمل، وهذا يمس شرف العائلات".بعيدًا عن تجمع السودانيين لفتت الانتباه سيدة من غانا، لديها محل تقوم بفرم الطماطم والبصل والفلفل، وبيع الخلطة، لربات البيوت، التى يستيعينون بها فى مأكولاتهم.وبالاقتراب منها رفضت ذكر اسمها، وقالت فى اختصار: "أنا مبسوطة فى مصر، ومش بنعمل مشاكل، وعايزين نعيش فى سلام".نقلا عن العدد الورقي.